موسكو وبغداد..الحراك ضد واشنطن
عادل الجبوري
أطلقت الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية العراقي محمد علي الحكيم إلى روسيا، إشارات ودلالات مهمة للغاية، عن المسارات المطلوبة للعلاقات العراقية - الروسية في المرحلة الراهنة والمراحل اللاحقة لها.
وبحسب مراقبين، انطوت زيارة الوزير الحكيم على أبعاد استراتيجية، وتجاوزت الأطر الدبلوماسية، والتسويق الاعلامي، الذي غالبا ما يرافق الكثير من الحراك السياسي الدبلوماسي لكبار الشخصيات والزعامات السياسية.
ولعل هنالك جملة حقائق ينبغي أخذها بعين الاعتبار، حينما نخوض في موضوع العلاقات والمصالح العراقية - الروسية المشتركة، والخطوات المتبادلة من قبل كلا الطرفين لتفعيلها وتعزيزها على الدوام، ومن بينها زيارة الحكيم الأخيرة.
الحقيقة الأولى، تتمثل في أن روسيا وقفت الى جانب العراق في حربه ضد الارهاب الداعشي التكفيري، وكانت واضحة في ذلك الى حد كبير، ولم تتعاطى بازدواجية كما فعلت قوى دولية واقليمية أخرى.
ومن مصاديق ذلك الموقف الداعم، تزويد العراق بمختلف أنواع الأسلحة، لاسيما الطائرات المقاتلة من طراز "سوخوي"، الى جانب التعاون الاستخباراتي الفاعل، عبر تشكيل غرفة التنسيق الاستخباراتي الرباعية في أواخر شهر ايلول-سبتمبر 2015، من قبل كل من العراق وروسيا وايران وسوريا.
والحقيقة الثانية، هي أن روسيا، اتخذت منذ وقت مبكر توجها سياسيا-استراتيجيا، غير متقاطع مع مسار وتوجه محور المقاومة، الذي يعد العراق جزءا منه، ولاشك أن مثل ذلك التوجه، كان له الأثر الكبير في كبح جماح قدر كبير من المشاريع والمخططات الاميركية العدوانية في المنطقة، والمحافظة على توازن القوى على صعيدي السياسة والميدان، لصالح محور المقاومة، وربما تؤشر معطيات ونتائج الصراع في كل من سوريا واليمن والعراق الى ذلك الأمر.
والحقيقة الثالثة، تتمثل في أن موسكو تمتلك مصداقية في عموم سياساتها ومواقفها وتوجهاتها، خلافاً للولايات المتحدة الأميركية، مما يعني امكانية التعامل معها والوثوق بها، وتحالفاتها غالباً ما تكون محكومة بالثبات والاستقرار ووضوح المسار، وهو ما يساعد على ضمان المصالح الوطنية بمقدار كبير جداً عند التعامل معها.
وهناك دعوات ملحة في بغداد انطلقت من عناوين سياسية، وقوى مجتمعية، ونخب فكرية وثقافية مختلفة، الى اعادة النظر في صورة وطبيعة العلاقات مع الولايات المتحدة الاميركية، على ضوء تجربة الاحتلال وما خلفه من اضرار وكوارث على العراق، وعلى ضوء نزعات واشنطن التوسعية واصرارها على استمرار وجودها العسكري على الاراضي العراقية، وارتباطا بحقائق وظروف المنطقة، والعوامل المسببة لأزماتها ومشاكلها.
من الطبيعي أن تقترن مثل تلك الدعوات، مع توجهات جادة لتعزيز وتمتين العلاقات مع روسيا، في اطار سياسة العراق الانفتاحية والمتوازنة، التي تضع سيادة البلاد واستقلالها في سلم أولوياتها، وتوفر لها دور محوري وفاعل في حلحة أزمات المنطقة، والبحث عن أفضل الحلول والأقل كلفة لها.
وبدا هذا النهج واضحا، من مخرجات مباحثات الوزير الحكيم مع نظيره الروسي سيرجي لافروف والمسؤولين الروس الاخرين.
فقد شدد وزير الخارجية العراقي من موسكو على انه "لا بد من حل الأزمة السورية، وضرورة تطبيق القرارات الدولية، وأن تكون سوريا دولة مستقرة ذات سيادة كاملة على أراضيها، والعمل على عودتها إلى جامعة الدول العربية". واكد الوزير ايضا، "ان العراق لن يدخل أي حلف ضد ايران".
مثل هذه المواقف التي تشكل نقاط التقاء وتوافق مهمة وحيوية بين بغداد وموسكو وعواصم أخرى مثل طهران ودمشق، يمكن ان تكون بمثابة مفاتيح لفتح الأبواب الموصدة أمام الحلول والمعالجات العملية والواقعية لأزمات المنطقة، وتفويت الفرصة وقطع الطريق على اجندات ومشاريع التدمير والاستنزاف والتأزيم.
أوساط مطلعة على مجريات الحراك العراقي الروسي، تشير الى أن بغداد وموسكو تركزان اليوم على تأمين الحدود العراقية-السورية بعد الإنسحاب الأميركي من سوريا، وإنشاء نظام أمني شامل، والتعاون في مجال الطاقة، وآليات مساهمة موسكو في تسليح وتدريب الجيش العراقي لمواجهة المؤامرات الأجنبية.
وكان نائب وزير الخارجية ومبعوث الرئيس الروسي الى الشرق الاوسط ميخائيل بوغدانوف، قد أكد في وقت سابق إمكانية إنشاء نظام أمني شامل في العراق، وتدريب الوحدات العسكرية العراقية.
في حين قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بعد مباحثاته مع الحكيم، "لدينا تعاون عسكري مع العراق في مكافحة الجماعات الإرهابية، وان موسكو ستقدم العون للعراق لتطوير قدراته العسكرية، واننا نلاحظ تطورا ملموسا للاوضاع الامنية في العراق بعد القضاء على تنظيم داعش".
ويتعزز التعاون العسكري والاستخباراتي بين العراق وروسيا، بحضور قوي وملموس لعدد من الشركات الروسية الكبرى في سوق الاقتصاد العراقي، مثل شركتي "لوك اويل"، و"غازبروم"، اللتان تنشطان منذ بضعة أعوام في مجال الاستثمارات النفطية العراقية، وهذا من شأنه أن يجعل روسيا أكثر حرصاً على استتباب الأمن والاستقرار في العراق، واخراجه من دائرة الشد السياسي والأمني والمساومات الخارجية والداخلية.
ويشير لافروف في هذا الشأن الى أن بلاده مهتمة للغاية بزيادة الروابط التجارية والاقتصادية والاستثمارية مع العراق، وخاصة في مجال الهيدروكاربوهيدرات، وهناك نتيجة جيدة للغاية، بوجود شركات لوك اويل وغازبروم وروس نفط، ليتجاوز الاستثمار في هذا القطاع العشرة مليارات دولار.
فضلاً عن ذلك، تتطلع موسكو لمشاركة فاعلة ونشطة في حملات اعادة اعمار المناطق والمدن المدمرة جراء عدوان تنظيم "داعش" الارهابي، وهي ترى أن العراق تحول بعد انتصاره على الأخير من ضحية الى لاعب نشط ومؤثر، والصداقة معه مجدية، وهذا يسير ومتاح بالنسبة لها، بسبب تطابق مواقف الطرفين حيال مجمل القضايا الاقليمية.
هذه هي ذات الرؤية التي حملها الوزير الحكيم، وقبل ذلك أوضحها رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي للمبعوث الروسي بوغدانوف حينما زار بغداد في العشرين من شهر تشرين الثاني-نوفمبر الماضي، والتي ستنضج وتتبلور بشكل اكبر، حينما يلتقي كل من عبد المهدي وبوتين بعد شهور قلائل اما في بغداد او موسكو.