ولدت الحكومة... فهل ستنجح في مواجهة التحديات؟
ناصر قنديل
– بعد تسعة شهور ولدت الحكومة اللبنانية، وبدت المحاصصة القائمة على الحساب الطائفي عنصر التعثر الأبرز، وستبقى تظلل المسار الحكومي عند كل منعطف، فتعطل أي أمل حقيقي بمكافحة الفساد الذي يحتمي أصلاً بالمحاصصة الطائفية، وستستقوي المحاصصة على كل وعود إصلاحية، في اعتماد الكفاءة بدلاً من المحسوبية في التوظيف، وستنجح المحاصصة الطائفية بتقاسم المشاريع والتلزيمات والأموال الموظفة من مؤتمر سيدر وغيره، وستنجح المصارف القائمة على المحاصصة ذاتها بنيل نصيبها الوافر من عائدات خدمة الدين وضخّ المزيد من سندات الخزينة، ويمكن تهنئة القيمين على تشكيل الحكومة بنجاحهم في استبعاد أي تمثيل للقوى غير الطائفية، والعابرة للطوائف، تأكيداً للشراكة في ارتكاب جرم المحاصصة الطائفية بكامل الوعي وعن سبق الإصرار .
– اللبنانيون يريدون أن يأملوا خيراً من الحكومة، وأن يقال لهم إنها ستطلق العجلة الاقتصادية وربما تنجح في حل مشاكل الكهرباء والنفايات، وستستفيد من الأموال التي ستضخها القروض لتحريك مشاريع مجدية تخلق المزيد من فرص العمل وتمنح المزيد من الآمال، لكن التجارب المشابهة منذ ثلاثة عقود تقول العكس، وبقوة. فهل سنشهد تغييراً في مقاربة ملفات الكهرباء والنفايات والاتصالات والنفط والغاز، ونحن نسمع عن شركات يجري تأسيسها هنا وهناك ووكالات لشركات أجنبية تسجل على قدم وساق، ومفاوضات على أشكال جديدة من التلزيم تتيح وضع اليد لحيتان مال قدامى وجدد على القطاعات القديمة والجديدة؟
– الحكومة ستعيش كما يفترض لأربعين شهراً، هي المدة التي تفصلنا عن الانتخابات النيابية المقبلة، وهي المدة الباقية لينجز عهد الرئيس ميشال عون بعضاً من الوعود ويحقق بعضاً من الآمال، وسيكون الرئيس ميشال عون وتياره السياسي وفريقه القيادي، وعلى رأسه الوزير جبران باسيل أكبر الخاسرين من فشل الحكومة، حيث سيكون لسان حال الناس في حال الفشل، أن التيار الذي لم يحقق وعوده في ظل وجوده في رئاسة الجمهورية وبحضور نيابي كبير وحجم وزاري وازن، لا يحق له أن يخاطب الناس طلباً لتجديد الثقة به نيابياً ورئاسياً بعد هذا الفشل، ولن يفيد في شيء الحديث عن تعطيل مارسه الآخرون، ففي لبنان دائماً هناك آخرون.
– الرئيس سعد الحريري المحاط بتراجع المكانة السعودية وتراجع مكانته فيها، وبتقدم مكانة سورية وتردّده بالتقدم نحوها، سيواجه ضغوطاً خارجية لربط التمويل بالموقف من سلاح المقاومة، وإغراءات تغطية الحصول على مشاريع تدر مالاً لرجال الأعمال المحيطين به، لكن معيار النجاح والفشل قبيل الانتخابات المقبلة سيكون في قدرته على تقديم وقائع تتصل بحياة الناس وخدماتها ومستوى معيشتها وثقتها بالدولة ومكان الكفاءة فيها ومكانتها بين دول المنطقة، وليس بقدرة ماكينته الانتخابية على التحرك وإنفاق المال. والفشل في هذه الحكومة سيعني مواجهة الحريري وتياره للإستحقاق الإنتخابي المقبل في ظروف أشد قسوة من الاستحقاق الذي مضى.
– ثلاثة أشياء يمكن لرئيسي الجمهورية والحكومة ولتياريهما والحكومة معهما فعلها، تعوّض الخلل في مقاربة الواقع السياسي المحلي والإقليمي، لها مفعولها وآثارها الاقتصادية المفصلية، وأولها السير بقانون انتخاب جديد خارج القيد الطائفي وفقا للتمثيل النسبي، عبر صيغة مجلسي النواب والشيوخ التي نص عليها الدستور، وذلك وحده يضمن بيئة سياسية متحررة من المحاصصة الطائفية يمكن فيها منح الكفاءات أملاً، وقطع الطريق على الفساد وفتح باب المساءلة والمحاسبة. وثانيها تخطي كل التعقيدات العربية وغير العربية في العلاقة مع سورية، والتوجه لمصلحة لبنانية عليا بالتكامل مع سورية، كرئة اقتصادية وفرصة ثمينة نادرة، وشريك في التاريخ والجغرافيا، وليس فقط تحت شعار حل قضية النازحين. وثالثها المجاهرة بأن أولوية لبنان الدفاعية ليست مناقشة مستقبل سلاح المقاومة بل الحصول على شبكة دفاع جوي أو تأمين حماية المظلة الجوية السورية أو الروسية السورية، لوضع حد للانتهاكات التي لن يفعل من يدعون لبنان لنزع سلاح المقاومة، في مواجهتها شيئاً، لبنان المنيع والمحصن بوجه العدوان الإسرائيلي والمتشارك مع سورية في خطط التكامل والإعمار، والذاهب لدولة لا طائفية تتيح مكافحة الفساد وتفتح طريق الأمل للكفاءات، هو لبنان الذي تستطيع هذه الحكومة اعتباره وعدها وجوهر بيانها الوزاري، إن أرادت وأراد القيمون عليها عدم الفشل، والوصول للاستحقاق الانتخابي المقبل بأقل المخاطر على لبنان، وعلى مستقبل الحياة السياسية والاقتصادية والأمنية، أمام فرضيات تعمق العصبيات والتوترات الطائفية وتآكل القوى الوسطية لحساب متطرفي الطوائف الأصليين.