سوريا بين الواقع السياسي والجغرافي والمستقبل الغازي والنفطي
د.عماد علي عكوش
سوريا هي بوابة المنطقة العربية كلها الى أوروبا وبوابة أوروبا الى كل العالم العربي ، لقد كانت سابقا” مركزا” وغنما” لكل من حكم المنطقة من الفتح الأسلامي الى الأحتلال العثماني ولاحقا” الحلفاء بعد الحرب العالمية الأولى ، وبعد الأستقلال أصبحت سوريا بوابة الروس الى المياه الدافئة ، فيها أقام الروس قواعدهم لوقف الزحف الغربي على المنطقة ، ومن القواعد الأساسية للروس في سوريا قاعدتان ، قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية وقد أقيمت سنة 2015 ، والقاعدة البحرية في طرطوس وتقع في ميناء طرطوس وقد جرى الإتفاق عليها أيام الأتحاد السوفياتي السابق في سنة 1971 وهجرت سنة 1991 بعد انهيار الأتحاد السوفياتي وأعيد تفعيلها بعد العام 2006 .
وصفت الصحافة الأميركية إبان الربيع العربي سوريا بأنها بوابة الشرق الأوسط الجديد ومفتاحه لكن هذا الوصف تغير بعد سنوات الحرب السبع وتطور الأرهاب وتمويلها من قبل دول اقليمية معروفة ، وتحاول اليوم الولايات المتحدة الأميركية الخروج من هذه المعركة بأقل الخسائر عبر المفاوضات المباشرة وغير المباشرة من خلال التركي والفرنسي والألماني وصولا” الى مبعوث الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا .
لكن يبدو مما تقدم بأن الروسي هو الرابح الأكبر في سوريا من خلال تسليم الأميريكي والأيراني والتركي للروس بضبط حركة الجيش السوري وبالتالي حركة حلفائه في سوريا .
كيف يمكن أن ينعكس ذلك على الوضع السوري ؟
1- ان التسليم لروسيا يمكن ان يمنحها أوراق ضغط في ملفات عدة منها ملف اسعار النفط والغاز مع دول الخليج (الفارسي) المنتجون الأساسيون لهذه المواد .
2- في رفع العقوبات الأقتصادية والأوروبية والأميركية عن روسيا .
3- التفاهم على وضع أوكرانيا .
لكن أين دور أيران في هذا الموضوع وما هي مصالحها ؟
ايران تعتبر سوريا هي العمود الفقري لحلف الممانعة في المنطقة وأي أنكسار أو تهديد بالأنكسار لهذا العامود قد يهدد كل الحركات المقاومة في المنطقة وبالتالي تشديد الحصار عليها وعلى ما تؤمن به من ضرورة دعم حركات المقاومة انطلاقا” من مبادئ وأيديولوجيات واضحة وهي عدم الأعتراف بأسرائيل ومقاومتها حتى النفس الأخير وخاصة أذا ما كان هناك تجاوب من صاحب القضية ألأساس أي الشعب الفلسطيني . كما تعتبر سوريا بوابة أيران على البحر المتوسط في حال أغلاق الخليج (الفارسي) ومضيق هرمز من خلال أستغلال شبكات النقل البري ما بينها والعراق الى سوريا وبالتالي تجنب الحصار والعقوبات ، أضف الى ذلك أمكانية قيام أيران بتوظيف خبراتها في تنمية سوريا من خلال أنشاء المصانع والمحطات والمعامل الكهربائية والسدود والمعامل البتروكيميائية والتحايل بالتالي على العقوبات الأميركية من خلال التصدير من هذه المعامل المنوي أنشائها في كل من سوريا والعراق الى أوروبا وباقي الدول العربية وكان آخرها أعادة فتح مصنع السيارات في ضواحي دمشق وتجديد المصانع البتروكيميائية ومصانع الأدوية والفوسفات وغيرها بالتعاون مع القطاع الخاص .
يبقى أن نشير الى أن الروس أيضا” وكما ذكر رئيس تحرير المجلة الروسية "مشاكل الأستراتيجية الوطنية” المقربة من الكرملين ادغار كورتوف , ان المصلحة الوطنية للروس تدفعهم للتحرك في الشرق الأوسط لئلا تضطر الى مكافحة هذه النيران قرب حدودنا .” ويضيف كورتوف "يأمل القادة الروس أيضا” باستعادة روسيا لموقعها في السياسة العالمية على غرار ما كان عليه موقع الأتحاد السوفياتي .
أين دور العراق وما هي مصالحه ؟
العراق يعتبر أي خلل على حدوده الشمالية مع سوريا سيؤدي حتما” لأنفلات الوضع الداخلي في العراق وخاصة أذا ما حصل أي تقسيم سواء أرادي أو غير أرادي وسيطرة داعش والقوى المتطرفة على المنطقة أو على حدودها مع سوريا وبالتالي حرمانها من بوابتها على البحر الأبيض المتوسط كون هذه الجماعات أيديولوجيا” لا يمكن أن تتفق مع أي حكومة عراقية لا تخضع للأرادة السعودية والأميركية بكل الأحوال .
ماذا عن المملكة السعودية ؟
بالتسبة للمملكة السعودية فأن التمويل التي قامت به للجماعات التي ثارت على النظام السوري قد أنهكها أقتصاديا” ولم تصل به الى أي نتيجة , السعودية كانت تهدف من وراء هذا التمويل أنجاح خطة أميريكا ومشروعها "الشرق الأوسط الجديد” لكن هذا التمويل الفكري والمادي لم يصل بها الى أي نتيجة على الأرض لذلك فهي ستحاول الخروج من هذا المستنقع التي أوقعت نفسها فيه بأقل الخسائر من خلال أعادة محاولة تدجين السوري واستمالته مجددا” وكان أخر المحاولات تصريح لوزير الشؤون الأسلامية السعودي عبد اللطيف بن عبد العزيز ” ان سوريا كانت دولة قوية وأن ما حدث فيها في السنوات الماضية هو بسبب تحريك دعاة الفتن والشر للشارع ” , فهل يمثل هذا التصريح بداية التراجع السعودي للتقليل من الخسائر .
هذا بالنسبة للجغرافيا والسياسة , ماذا عن الموارد المحتملة لسوريا وانعكاسها على المنطقة ؟
1- سوريا سوق أقتصادي كبير وهي مرشحة لأن تكون أكبر سوق أستهلاكي في المنطقة نظرا” لموقعها الجغرافي المساعد وسهولة الوصول أليها والخروج منها نحو الدول والقارات كافة .
2- الغاز وهو السبب الرئيسي في كل ما يجري في سوريا سواء من الأنابيب المخطط لها أو من ناحية الأنتاج المحتمل , فقد أرتفع انتاج الغاز السوري وفقا” لتأكيدات وزير النفط والثروة المعدنية السوري علي غانم من 11 مليون متر مكعب يوميا” قبل الأزمة في العام 2011 الى 31 مليون متر مكعب اليوم بحسب صحيفة الوطن السورية . وهنا نشير الى تأكيدات قامت بها السفينة الأميركية نوتيلس وبمساعدة تركية في 17 اب 2010 عبر مسح جيولوجي تبين من خلاله ان واحدة من أكبر حقول الغاز يقع شرقي المتوسط ويقدر ب 23 تريليون قدم مكعب والجزء الأساسي يقع ضمن المياه الأثليمية السورية , ومن المتوقع ان يبلغ أحتياطي الغاز السوري 28,5 تريليون متر مكعب ما بين الأبار البحرية والبرية مما يجعلها الثالثة عالميا” بعد روسيا وأيران وهذه تقديرات مركز فيريل للدراسات .
3- الأنبوب القطري بعد العام 2022 أي عام قمة الأنتاج السوري للغاز يصبح في خبر كان لا منفعة أقتصادية منه نظرا” لتوفر الغاز السوري وقربه من الأسواق العالمية وخاصة الأوروبية مع تدني كلفة انتاجه ونقله .
4- النفط أيضا” ملف مهم فسوريا تنتج اليوم حوالي 387 الف برميل يوميا” وفقا” لصحيفة الوطن السورية لكنها في 2013، أبرمت عقد "عمريت” البحري مع شركة "سيوزنفتا غازإيست ميد” الروسية، من أجل التنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية السورية.
فهل نحن في صدد أعادة رسم جديدة للمنطقة مع دور أساسي لروسيا وبداية أستغناء أوروبا عن النفط والغاز الخليجي بعد أن أستغنت سابقا” أميريكا عنه برفع أنتاجها من نفط الزيت الصخري.