kayhan.ir

رمز الخبر: 89483
تأريخ النشر : 2019January27 - 19:13

لماذا تتردد امريكا من البقاء في العراق؟


محمود المفرجي الحسيني

رغم المشكلات السياسية التي رافقت تشكيل حكومة عادل عبدالمهدي، الا انه يبقى الحدث الابرز الذي يسيطر على المشهد العراقي هو تواجد القوات الامريكية بكثافة في الفترة الماضية ، لعدة اسباب ، منها انه حدث استحضر الكثير من الذكريات المؤلمة التي عاشها العراقييون في ظل الاحتلال الامريكي من عام 2003 الى عام 2011، ومنها، المواقف الصارمة التي ابدتها قوى المقاومة العراقية والحشد الشعبي .

وقد يظن البعض بان التردد الامريكي بالانسحاب من سوريا باتجاه العراق ، يعود الى الانقسامات في داخل البيت الابيض جراء هذا الانسحاب، على اعتبار عدم ترك الساحة السورية الى ايران التي رفضت الانسحاب من سوريا على اعتبار ان تواجد مستشاريها هو بطلب من الحكومة السورية.

الا انه كما يبدو حقيقة هذا الانسحاب ، هو لشعور امريكا بالانهاك في المنطقة بعد خسارة اجندتها في كل من العراق وسوريا، ومحاولة الانتقال الى نهج جديد يقنع الشعب الامريكي بتوجه جديد يبتعد عن الحروب، وايجاد ارض يمكن ان تستقر بها القوات الامريكية لرعاية مصالحها وهي العراق.

الان ان هذا النهج اصطدم بموقف قوى المقاومة وكذلك موقف الشعب العراقي الرافض لهذا التواجد، والذي صنع وحدة للجهود للعمل لإخراج هذه القوات ، نتيجة القناعة الراسخة بان بقاءها لا ربك الوضع الامني الداخلي فحسب، انما يمكن ان يدخل العراق بدوامة اخرى شبيها بدوامة عصابات داعش الارهابية التي طردها العراق بشق الانفس.

وهذا الامر هو الذي دفع اعلام محور المقاومة بلعب دورا مهما وأساسيا في دعم ملف انهاء الوجود الاميركي من العراق.

بالمقابل فان الواضح ان القوات الامريكية خرجت من الساحتين العراقية والسورية وهي منهكة جدا، ما يشير الى ان امريكا غير مستعدة بالوقت الحالي بالدخول في ازمة عسكرية جديدة لاسيما بعد التهديدات التي اطلقتها فصائل المقاومة بضرب قواتها في اي بقعة من العراق ومعاملتها كقوات احتلال .

هذا الامر هو سبب التردد الامريكي بالانسحاب من سوريا، اضافة الى التردد الواضح بكيفية التحرك في داخل العراق، بدليل ان التحركات الامريكية الحالية في داخل العراق، تتم في مناطق تعتقد امريكا انها بعيدة عن مناطق تواجد قوى المقاومة العراقية .

لذا ، ووفق هذا المشهد الجديد، فان امريكا اوقعت نفسها في مأزق قد يؤدي الى ان تخسر الساحتين العراقية والسورية، على اعتبار ان الساحة السورية غير ملائمة لها بالمرة ، بسبب التواجد المكثف لايران وكذلك قوى المقاومة الاسلامية في حزب الله اللبناني ، في حين ان تواجدها في العراق سيدخلها في دوامة قوى المقاومة الاسلامية الشرسة التي تعتبر تواجد القوات الامريكية احد الخطوط الحمراء التي لا يجب تجاوزها ، ولا يمكن ان تسمح للاخرين بتجاوزها.

كما ان مجرد التفكير الامريكي بالبقاء في داخل العراق، سوف لن يؤدي الى خسائر عسكرية فحسب، انما الى خسائر سياسية ايضا، حيث يمكن ان يؤدي الى خسارة حلفائها في داخل العراق الذين سيكونوا محرجين امام الرفض الشعبي الكبير الواضح ، بدليل ان هناك يقينا واضحا بان بعض الشخصيات السياسية العراقية ترغب ببقاء القوات الامريكية في العراق، بل تقوم بتبني الاجندة الامريكية ، الا انها لم تصرح يوما بهذه الرغبة خوفا من ردة فعل الشعب العراقي.

ما يعني .. ان مجرد تفكير الولايات المتحدة بالبقاء في العراق ، ربما سيؤدي الى خسارة وجودها في الشرق الاوسط ككل، وخاصة بعد امتداد النفوذ الروسي فيها وايجاد موطئ قدم في سوريا التي ساعدتها ودعمتها في حربها ضد الارهاب الذي صنعه العم سام الامريكي.

ووفق هذا المشهد فان، التحركات الامريكية الحالية في داخل العراق، ليست سوى جس نبض للشارع العراقي، واخضاع هذا التحرك للتجربة من اجل رصد ردود الفعل ، لتعرف من جرائه ما مستوى حدة الرفض الكبير لتواجدها .

لذا من المؤكد بان التواجد الامريكي في العراق لن يكون بالكثافة الكبيرة التي اعلنت عنها امريكا في تقارير سابقة بنحو 10 الاف جندي امريكي قتالي، لان التواجد في كثافة سوف يدخل الأمريكان في محرقة نيران المقاومة العراقية التي لم ولن تهادم على حساب عقيدتها الجهادية .

كما ان التحرك السياسي العراقي الذي تبنته بعض قوى المقاومة باصدار قانون عراقي رسمي بانهاء التواجد العسكري من كامل الاراضي العراقية، ايضا سوف ينهي او يقلص الى حد كبير بتواجد هذه القوات في داخل العراق.

ومن هنا فانه لا يستبعد ان تكتفي امريكا بقواعدها العسكرية في قطر والسعودية والامارات والبحرين، وان لا تدخل في مغامرة خاسرة في العراق، ربما تكلفها خسائر كبيرة تعادل كل الخسائر التي خسرتها في حربي العراق وسوريا ضد عصابات داعش الارهابية وباقي الفصائل الارهابية .

لكن كل هذا يبقى يعتمد على موقف الحكومة العراقية، التي يجب ان تنزل لمستوى رغبة الشعب العراقي، الذي لن يسمح ببقاء هذه القوات ، لكي لا يعيد مآسي الاعوام السابقة التي رافقت عملية الاحتلال.