kayhan.ir

رمز الخبر: 8911
تأريخ النشر : 2014October22 - 20:20

أردوغان “يفضل” إسلوب بوتين في حلّ المشكلات

سمير الفزاع

منذ اللحظة الأولى كانت معضلة حلف واشنطن تتجسد بالإجابة عن سؤال، من هم حلفاؤنا على الأرض؟ بمعنى آخر، من هي القوة البرية القادرة على من الفراغ الذي ستحدثه الضربات الجوية لواشنطن وحلفائها. وإذا إسترجعنا الوصف الذي أطلقه أوباما قبل أسابيع قليلة: "إن الحديث عن معارضة معتدلة قادرة على هزيمة الأسد ضرباً من الفانتازيا” يصبح المأزق الميداني والسياسي أكثر سطوعاً، وإذا أضفنا إليه عبارة قالها أوباما عشية إتخاذه قرارا بمحاربة داعش: "لم نمتلك بعد إستراتيجية واضحة لمحاربة داعش” سنضع أيدينا على خريطة "تقريبية” يمكن من خلالها تفكيك المشهد الحالي. قبل عدة أيام أطلق وزير الخارجية الروسي لافروف، تصريحاً بليغاً، يشي بتحذيرات وتنبيهات لعدة أطراف، من واشنطن إلى أنقرة وتل ابيب… عندما قال:” إن تطور وضع الشرق الأوسط خارج القانون الدولي قد يخرجه عن السيطرة”. فهو يعلم الوضع "الحرج” الذي يعانيه كل أعضاء حلف واشنطن، وفشل حربهم على سورية بكل مراحلها خلال الأعوام الأربعة الماضية، وإفتقارهم إلى إستراتيجية واضحة للخروج من "مأزق” الحرب على سورية، وإنسداد أفق الخيارات المتاحة للإستمرار في هذه الحرب؛ وهو ما أعلنه أكثر من مسول غربي وعربي، وعلى كافة المستويات: كيف نضرب الإرهاب دون أن تستفيد القيادة السورية من ذلك؟ وهل نحن قادرون على إنزال قوات عربية وغربية في سورية؟ من يضمن لنا أن الحرب ستبقى في الحدود التي نريدها، وعدم تمددها إلى حيث لا نريد؟… كل هذا وغيره، قد "يسهّل” الإستسلام لإغراء إستخدام القوة الكاسحة، أو القيام "بتفجير محدود” من أجل الخروج من هذا المأزق المركب، وتليين موقف دمشق وحلفائها، كما حاولت أن تفعل واشنطن صيف 2013 عقب الهجوم الكيمائي في غوطة دمشق. إلا أن المحاذير التي تمنع الإستسلام لإغراء القوة، و تحدث عنها أوباما نفسه في ذلك العام، ما زالت قائمة”مصالح واشنطن في المنطقة، وتحديداً الكيان الصهيوني والنفط.

* الضربات الجوية، مأزق أم خدعة؟

تعتمد القوى الكبرى في علاقاتها الدولية على "هيبة القوة” أكثر من "تأثير القوة” خصوصاً عقب إحتلال العراق 2003، وتشذ واشنطن عن هذه القاعدة، وتحديداً قبل وبعد أحداث 11/9/2001، إلا أن الإدارة الأمريكية الجديدة، والمستمرة منذ دورتين رئاسيتين حتى اليوم، باتت أكثر "تحفظاً” بإستخدام القوة العسكرية، وإذا أردنا الدقة أكثر، فهي باتت تحارب بغير جنودها، وحذرة جداً عندما يتعلق الأمر بإستخدام قواتها النظامية، وتعمل جاهدة إن إضطرت لذلك، على توفر ظروف سياسية وقانونية وعسكرية خاصة لقواتها، مثل محاولتها إبرام إتفاقيات أمنية مع العراق وأفغانستان. وهنا يجب أن أسجل أمراً بالغ الأهمية: "أن مثل هذه الإتفاقيات الأمنية لا يمكن لها أن تبرم وتستمر، إلا بتحقيق توافق مع القوى الإقليمية والدولية ذات العلاقة، وإلا أصبحت هذه القوات الموجودة (رهائن وأسرى) لدى القوى الإقليمية والدولية المناهضة لهذه الإتفاقية، ولوجود هذه القوات”. وتعد هذه الحقيقة أحد المحاذير الكبرى للإتفاقية الأمنية الموقعة بن واشنطن وكابل، كما تفسر الكثير من توصيات تقرير "بيكر-هاملتون” الداعية لإنسحاب أمريكي من العراق بالتنسيق الكامل مع سورية وإيران، بعد رفض دمشق وطهران والقوى الوطنية العراقية، للإتفاقية الأمنية التي كانت واشنطن تسعى لإبرامها مع بغداد، فهما من كان يحاصر ويحارب الجنود الأمريكيين في العراق بدعمهم للقوى الوطنية والإسلامية المقاومة للإحتلال الأمريكي للعراق. ما زال هذا المأزق-الهزيمة، حاضراً وبقوة في وجدان وعقل صاحب القرار الأمريكي. كيف لهم أن ينسوا ألآف القتلى وعشرات الآف المعاقين نفسياً وجسدياً، وخسائر بمئات مليارات الدولارات، وذلك الإنسحاب المهين، ليلاً، والبعيد عن أعين الإعلام حتى لا يوثق هزيمة الكابوي وذلّ المارينز؟.

# تعاني واشنطن في حلفها الذي أنشأته مصاعب عدة، ومنها:

1- لا وجود لبديل "سوري مقبول” وقادر على الإمساك بالأرض في لائحة الوهم المسماة "معارضة سورية معتدلة.

2- تردد الحلفاء حيال الإشتراك بالضربات الجوية في سورية، وخصوصاً أعضاء حلف النيتو الأساسيين، كالمانيا وايطاليا وبريطانيا.

3- رفض الحكومة العراقية لوجود أية قوات عربية أو غربية على أراضيها، ما أفقد واشنطن وشركائها، المنصة العربية لقوات الحلف.

4- عجز واشنطن الكامل عن حشد قوات أمريكية كافية لفرض إرادتها على مجريات الميدان.

5- الموقف الروسي-الإيراني الحازم تجاه أي تغيير لخرائط المنطقة، وأنظمتها السياسية.

6- خوف أمريكا وحلفائها، من تطور أي عمل عسكري يقوموا به إلى حرب إقليمية أو دولية لا تعرف حدودها ولا نتائجها.

7- فشل واشنطن "حتى” اللحظة، بإيجاد بديل إقليمي تكون قواته المسلحة أداة واشنطن في تغيير مجرات الميدان.

8- عدم إستسلام القيادة والجيش السوريين، لا "هيبة القوة” ولا "لتأثير القوة”؛ بل رفعوا من وتيرة سحق الجماعات الإرهابية، وتطهير سورية من رجسهم.

9- يخوض أوباما وحزبه "الديموقراطي” يوم الثلاثاء 4/11/2014 الانتخابات النصفية للكونغرس الاميركي، وستكون معركة حاسمة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، اللذان يسعيان إلى الظفر بالأغلبية المزدوجة على مستوى مجلسي النواب والشيوخ، من أجل الهيمنة على المؤسسة التشريعية القوية. سيكون من الجنون التورط بعمل عسكري في مثل هذه الظروف الميدانية والسياسية، سيستخدم ضدهم في الحملة الإنتخابية التي بدأ التحضير لها في الولايات المتحدة.

10- الجيش التركي، والقاعدة الأضخم والأقرب من مسرح العمليات في العراق وسورية لطائرات واشنطن وحلفائها ولحلف النيتو، قاعدة "إنجرليك” التركية، وما زالا خارج الخدمة، لعدة أسباب، منها:

1- محاولة تركيا إبتزاز واشنطن لتنفيذ أغراضها، وعلى رأسها إقامة منطقة عازلة على الحدود مع سورية، والتفرد بتصدير نفط كردستان العراق، وتسهيل الإلتحاق بالإتحاد الأوروبي، والحصول موقع مميز في أي تسوية إقليمية-دولية قادمة، و”كفّ يد” مصر والسعودية عن الداخل التركي وترطيب الأجواء معهما

2- منح داعش المزيد من الوقت لتحقيق أكبر قدر ممكن من الأهداف التركية، كالقضاء على الإدارة المحلية في عين عرب، والتعرف على حدود ردّ فعل القوى الكردية والتركية المعارضة.

3- "التمنع” والتعبير عن المخاوف، لجمع أكبر مقدار من التأييد والدعم، العسكري والإستخباري والإعلامي والسياسي لتركيا في حربها ضد داعش، إذا ما حانت ساعة الإشتراك بها.

4- والحصول على أقصى ما يمكن من "تطمينات” سياسية وقانونية وأمنية وإقتصادية… من سورية وحلفائها، بأن عواقب الإنخراط التركي الكبير في الحرب على سورية، لن تكون له عواقب "كبرى” على مستقبل كلاً من الثنائي أردوغان-أوغلو، وحزب العدالة والتنمية، في حال فشل مشروع واشنطن، وإنخراط تركيا في محاربة داعش.

5- "الفتوى الشرعية” لمحاربة داعش -قد يستهجن البعض هذه السبب؛ إلا أنه مهم وضروري جداً في الداخل التركي، وعلى عدة مستويات شعبيّاً، إعلاميّاَ، لقيادات وكودار حزب العدالة والتنمية التي ترى في داعش بأنهم مجاهدي وبنسبة 83% حسب آخر إستطلاع جرى داخل كوادر الحزب وجمهوره…- حيث كتب صحفي تركي شهير ومقرب من أردوغان شخصيّاً: بأننا ما زلنا نبحث عن فتوى شرعية تجيز لنا محاربة داعش.

6- إستطلاع موقف القيادة السورية وحلفائها، في الإقليم والعالم، واللذين لم يتأخر ردّهم فعلاً، حيث قال ميخائيل بوغدانوف إن "الجانب الروسي أكد على ضرورة أن تكون محاربة التهديدات الإرهابية مبنية على الالتزام الصارم بالقانون الدولي وعلى احترام سيادة الدول”، وقال نائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إن "أي نقض للسيادة الوطنية السورية كإيجاد مناطق حظر طيران أو تدخل بري سيتبعه رد قاس وقوي وفوري”. محذرا من "تبعات قاسية سيتلقاها الأميركيون وإسرائيل إن انحرف التحالف وتحرّك باتجاه تغيير سياسي في سورية” وتابع "لن نسمح للإرهابيين بإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد أو أي أحد من حلفاء إيران في محور المقاومة.

الخاتمة:

جميع الحروب كانت أولا وأخيرا لتحقيق هدف سياسي ما، وعندما يستحيل تنفيذ هذا الهدف، تقوم الدول بالإنسحاب من ميدان المعركة وتنازلها عن أهدافها، إو بتأجيل حربها إذا لم تكن قد شرعت بها بعد، أو تدخل في تسوية سياسية تحقق لها بعض أهداف الحرب "سلميّاً” إذا ما كانت موازين القوة تميل لصالحها، وقد تضطر لتقديم بعض التنازلات خصوصاً إذا ما أشهرت نواياها العدوانة، ومارست أعمالاً مناهضة للطرف الآخر الذي عجزت عن شنّ الحرب عليه بسبب سؤ تقدير وخلل في حساب موازين القوة. وجنوب لبنان، وإنسحاب العدو الصهيوني منه دون قيد أو شرط مثال ممتاز على هذه الثابتة.

الحرب على داعش لا تخرج عن هذه القاعدة، فالبقاء دون أفق سياسي محدد وواضح لدى حلف واشنطن، سيكلفهم أثمانا باهظة جداً، ولذلك هم مضطرون لعمل شيء ما. وهذا ما تريده انقرة، فهي تسعى "لفرض” أجندتها على هذه الحرب، كتدمير الدولة السورية، وإقامة منطقة عازلة… ولكن الثابت الذي لم "يفهمه” أردوغان وحكومتة، ولا يريد حتى الآن، هو أن الحرب على سورية دخلت مراحلها الأخيرة؛ حيث تكشف أوراق القوة قبل التفاوض، أو الإحتكام إلى ميادين القتال. لقد أيقن الجميع بإستثناء تركيا، أن سورية إنتصرت، وهي تسير بقوة نحو تطهير كامل أرضها من أدواتهم الإرهابية، فإما لإستسلام لهذا النصر الآن، أو وقفه بإحداث تطور خطير في الحرب على سورية، بالإنتقال إلى حرب الجيوش النظامية. وهو ما أكده رئيس الوزراء الروسي ميدفيدف، عندما قال: أنه يعرف أن الولايات المتحدة لم تعد تطالب باستقالة الرئيس السوري بشار الأسد، بل تحاول أن تقيم اتصالات "منفصلة” مع قادة الجمهورية السورية. لكن يبدو أن أردوغان "يفضل” إسلوب بوتين في حلّ المشكلات، ففي تشرين الأول 2012 يتصل الرئيس بوتين بأردوغان هاتفيا، ويقول له: إنتبه انت تتعاطى مع روسيا… وان دخل جندي تركي واحد ارض سوريا يعني انه دخل موسكو. قاطعه اردوغان قائلاً: انا لا اقبل هذا الانذار. فرد بوتين: ان لا اطلب اذناً للكلام، بل اقول ما عندي، ان روسيا جاهزة للحرب وانا لا امزح. أما لوسائل الإعلام، فقد قال الرئيس بوتين: إن مجلس الأمن الدولي هو وحده الذي يحق له فرض قيود على مبيعات الأسلحة الروسية للخارج، العقوبات التي يفرضها مجلس الأمن هي وحدها التي تعتبر أساسا لتقييد إمدادات الأسلحة، وفي كل الحالات الأخرى لا يستطيع أحد استخدام أي مبرر لإملاء ما يجب أن تفعله روسيا بشأن تجارتها ومع من تتاجر”. أتت هذه المكالمة الهاتفية والتصريحات الصحفية، بعد اعتراض تركيا في ذلك الشهر طائرة مدنية سورية كانت تقوم برحلة بين موسكو ودمشق، وتنقل كما ذكرت أنقرة "عتادا حربيا”، بينما قالت روسيا إن الشحنة "شرعية” وهي معدات لمحطات رادار. وعلى الرغم من تزايد شحنات السلاح الروسية إلى سورية عبر البحر والجو، إلا أن أحدا لم يسمع، منذ تلك الحادثة، بإعتراض تركيا لأية طائرة سورية أو روسية، أو حتى مجرد كلمة حول هذا الجسر الجوي والبحري الممتد من موسكو حتى دمشق!.