kayhan.ir

رمز الخبر: 89099
تأريخ النشر : 2019January20 - 20:04

ترامب يجري وراء سراب في ايران


صالح القزويني

مضت نحو تسعة شهور على انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي، والذي ترتب على ذلك فرض حزمتين من العقوبات على ايران، وحسب ما أعلنه المسؤولون الأميركيون فان هذه العقوبات وخاصة الحزمة الثانية منها هي الأشد في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، واذا كان الهدف من هذه العقوبات هو ارغام طهران على الاستجابة لطلب واحد وهو التفاوض مع واشنطن؛، فإن رفض ايران التفاوض مؤشر على أن العقوبات لم تحقق النتائج المرجوة.

التصريحات التي أدلى وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ضد ايران في المحطات التي زارها خلال جولته في المنطقة تبين بوضوح أن الادارة الأميركية لديها شكوك تجاه فعالية العقوبات التي فرضتها على ايران لذلك جاء للمنطقة وكانت أحد أهداف الزيارة سد الثغرات في هذه العقوبات، غير أن بومبيو لا يدري أن المشكلة ليست في العقوبات كما انه لا توجد ثغرات فيها، لأن تشابك المصالح بين الولايات المتحدة والعواصم التي زارها بومبيو تبلغ حدا لا يستطيع أي من حلفاء اميركا معها التمرد على قرارات واشنطن.

فشل العقوبات في تحقيق الهدف الرئيسي منها وهو ارغام ايران على التفاوض مع اميركا يستوجب من ترامب أن يعيد النظر في المتبنيات التي دفعته الى الانسحاب من الاتفاق النووي وفرض العقوبات، ولعل المتبنى الرئيسي هو أن ايران رضخت للمطالب الاميركية ووافقت على الجلوس على طاولة المفاوضات عندما شددت واشنطن العقوبات عليها.

هذه المقولة روجتها حكومة الرئيس الأميركي السابق باراك اوباما عندما انضمت الى مجموعة 5+1 وبدأت التفاوض مع ايران، فلم يكن بوسعها الاعتراف بفشلها في كل الخطط والمشاريع التي مارستها ضد ايران، لذلك قالت انها استطاعت جر ايران الى طاولة المفاوضات والقبول بالقيود التي فرضتها الدول الخمس على برنامجها النووي والتي تبلورت بالاتفاق النووي نتيجة العقوبات التي فرضت عليها.

ورغم أن اوباما تخلى عن هذه المقولة وتبنى مقولة أخرى وهي، "لم يكن لدي خيارا آخرا سوى التوقيع على الاتفاق النووي، ولو كان بامكاني تفكيك المشروع النووي الايراني لفعلت” إلا أن منافسه الحزب الجمهوري تبنى هذا الرأي والمقولة وبدأ الترويج لها من أجل الطعن بادارته وسياسته الخارجية، فالجمهوريون شهروا سيوفهم ضد اوباما وروجوا لمقولة أنه هزم امام ايران وقد كان بامكانه انتزاع المزيد من التنازلات من ايران وتركيعها؛ من أجل النيل منه والفوز على حزبه ومرشحة الحزب هيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية.

وبما أن ترامب مرشح الحزب الجمهوري فمن الطبيعي أن يفرض الحزب عليه هذا الرأي لينفذه، إلا ان كل ذلك كان في الأساس مجرد وهم وسراب ولا اساس له واستخدمه اوبامو لتبرير فشل سياساته تجاه ايران وليحفظ به ماء وجهه، وسرعان ما تخلى عنه وأعترف بشكل غير مباشر بفشل سياسة الضغط على ايران.

ربما يتساءل البعض، اذا كان السبب وراء كل هذه الأزمة هو رفض طهران التفاوض مع واشنطن فلماذا لا توافق على التفاوض وينتهي كل شيء؟

هنا تجدر الاشارة الى أن طهران ليست لديها عقدة تجاه التفاوض ولا تخشى التفاوض مع اية قوة عالمية والدليل على ذلك هو انها جلست على طاولة واحدة مع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي والتي تعتبر من أقوى دول العالم وتتمتع بحق الفيتو، ولو كانت تخشى شيئا لخشيت من هذه الدول ووقعت على كل ما تطلبه في اول اجتماع معها، غير أن استمرار المفاوضات لأكثر من عامين يدل على أن المفاوض الايراني بقى يحاور ويناور طيلة فترة المفاوضات واستطاع انتزاع التنازلات من الدول العظمى في الوقت الذي قدم فيه بعض التنازلات.

لذلك ليست لدى طهران عقدة من مبدأ التفاوض، وإنما مشكلتها تتمثل في انها ترفض التفاوض تحت طائلة التهديد والعقوبات، وتعتقد انها لو وافقت على التفاوض فان العالم سيعتبرها قد رضخت للعقوبات والتهديدات ووافقت على التفاوض، ولذلك أعلن قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي خامنئي أنه ليست من المصلحة التفاوض في الوقت الراهن وبعد فرض العقوبات.

حاليا تسعى طهران عبر العديد من الاجراءات الدبلوماسية والسياسية والامنية والاقتصادية الى ايصال ترامب الى قناعة بأنه يجري وراء سراب ووهم، وربما وصل ترامب الى هذه القناعة أو سيصل اليها في المستقبل، ولكن طهران سوف لن توافق على التفاوض معه إن لم يتخذ قرار الغاء العقوبات على ايران والعودة للاتفاق النووي.

هنا ينبغي التنبيه الى أن ترامب ربما يتعهد لايران ويقسم لها بالايمان المغلظة بانه سيلغي كافة العقوبات عنها لمجرد موافقتها على التفاوض، فحفظا لماء وجهه يشترط عليها الغاء العقوبات بعد البدء بالمفاوضات، وقد توافق طهران على ذلك.

فرضية التفاوض والسيناريوهات المتوقعة هي البديل عن الوصول الى طريق مسدود وفي نهاية المطاف نشوب الحرب، ويسعى ترامب وفريقه من خلال التحركات الحالية والقادمة ومن بينها عقد مؤتمر بولندا الى الايحاء لطهران بأنهم ماضون للاعداد للحرب، بينما تسعى ايران من خلال اجراءاتها وأوراقها لاقناع ترامب وفريقه بأن السبيل الذي يسلكونه غير مجد، وهنا فرق شاسع بين الايحاء الذي يسعى ترامب لتحقيقه وبين الاجراءات على الواقع التي تقوم بها ايران.