"منبج" والقوى المتضررة من الانسحاب
العملية التي استهدفت مطعم يتردد عليه الجنود الاميركيين في مدينة منبج وان تبنتها داعش في الظاهر كماركة تجارية مسجلة لم تكن محض صدفة بل مخطط لها في مثل هذه الظروف الخاصة من قبل اجهزة استخباراتية تخترق داعش لتوجيه رسائل مختلفة ولجهات متعددة وهذا ما تبين من ردود الفعل المتباينة من مختلف ا لاطراف التي علقت على موضوع الانفجار بدء بنائب الرئيس الاميركي من ان الحادثة لا تؤثر على موضوع الانسحاب أو تعليق الرئيس التركي بانه يتبنى الكشف عن مدبري التفجير وكأن مدينة منبج خاضعة لتركيا او موقف "قسد" الاخير الذي اعلن عن استعداده للتعاون لانشاء المنطقة الامنة أو من التزم الصمت حيال الحادث من دول المنطقة كموقف ليقطف شيئا من تداعياته الحادث. لكن ما هو مؤكد وفي ظل تجاوزنا لملابسات الحادث وقتل الجنود الخمسة الاميركيين الذين سببوا احراجا للرئيس الاميركي وكذلك مصير التعاون الاميركي ـ التركي حول الانسحاب الآمن للقوات الاميركية من سوريا، ان العملية لن تكون بعيدة عن اصابع القوى الاقليمية المتضررة من الانسحاب الاميركي وفي مقدمتها الكيان الصهيوني الذي تزلزل بهذا الانسحاب ليعيد الى الاذهان ان داعش لازالت فاعلة في الساحة السورية بهدف احراج الرئيس ترامب الذي تبجح قبل مدة انه قضى عليها في سوريا.
ولا ننسى ان نذكر بان عملية استهداف الجنود الاميركيين في منبج جاءت في وقت رفعت تركيا من نبرتها لانشاء المنطقة الآمنة او المعزولة على الشريط الحدودي السوري الذي يمتد لاكثر من 400 كم وبعمق 32 كم لدفع خطر الارهاب عن نفسها وان كانت القضية ليست بهذه السهولة خاصة وان الرئيس اردوغان عازم على حمل ملفها الى قمة موسكو في 23 الشهر الجاري وطرحها على الرئيس بوتين ومن المستبعد جدا ان توافق موسكو ومعها طهران وكذلك دمشق صاحبة الكلمة الفصل، التي تعتبر ذلك تجاوزا على الخطوط الحمر للسيادة الوطنية السورية. وبالطبع ان انشاء المنطقة الآمنة ليست عملية نزهة يحاول كل طرف ان يسير بها لان ايجاد مثل هذه المناطق تحتاج الى تغطية اممية أو موافقة دولية واسعة تستطيع ان تفرض هذا الواقع والا سيكون مصيرها الفشل.
واذا كانت تركيا جادة ومهتمة حقا للتخلص من هاجس الارهاب وابعاده عن حدودها فعليها العمل والتمهيد لعودة الشرعية السورية الى الحدود المشتركة، لا الى خلط الاوراق ومغازلة الجانب الاميركي مرة ومغازلة الجانب الروسي مرة اخرى او الدخول في صفقات مقايضة على حساب صاحب الارض لا يخدم امنها القومي بل تضعه في سوق النخاسة.
واذا ارادت تركيا ان تكون قوة ايجابية ومؤثرة في دول المنطقة فعليها اولا ان تعترف بالمواثيق والاعراف والقوانين الدولية خاصة عدم المساس بالحدود الدولية كمبدأ اساس لتحقيق الامن والاستقرار في المنطقة وهذا ليس بعيداً عن ذهنها بالتاكيد لكن مماطلتها ورفعها للسقف يدلل على انها تريد ان تجني بعض المكاسب لدورها وجهودها المضنية في الازمة السورية على مدى سبع سنوات حيث لم تبخل بشيء لاضعاف البلد يوم تكالبت معها كل قوى الشر ضد سوريا وقد اقتطعت الكثير من اراضيها لكنها عجزت عن اخضاع سوريا وتحقيق اهدافها فكيف اليوم وسوريا في عز انتصارها السياسي والعسكري ان تحقق تركيا اهدافها وهي في موقف لا يحسد عليها.