هل تستطيع امريكا حل الحشد الشعبي ؟
محمود المفرجي الحسيني
تبنت وسائل الاعلام العربية، انباء عن طلب امريكي مزعوم الى الحكومة العراقية ، بحل فصائل الحشد الشعبي والمقاومة العراقية في عدد من المناطق العراقية المحررة من عصابات داعش الارهابية.
ونشرت صحيفة "العرب” اللندنية تقريراً لم يتم التأكد من صحته مفاده, أن واشنطن قدّمت قائمة بـ67 فصيلاً من المقاومة الإسلامية والحشد الشعبي إلى رئيس مجلس الوزراء عادل عبد المهدي, تطالب بحلهم.
في بداية الأمر لم تصدر اي ردة فعل من الحكومة العراقية عن هذه الانباء لكي لا تعطي لها اي اهمية، لكن بعد انتشاره كانتشار النار في الهشيم، رد رئيس مجلس الوزراء عادل عبدالمهدي، الذي قال، ان "التكلم عن تحديد موعد لحل هيئة الحشد الشعبي غير حقيقي، وان هذا الامر هو عراقي بحت ولا يمكن مناقشته مع اي طرف خارجي.
ورغم هذا النفي الذي صدر من اعلى سلطة تنفيذية في البلد، الا ان وقته جاء مع تداعيات لا يمكن التغافل عنها، اهمها الانباء التي تشير الى وجود تحركات عسكرية امريكية في عدد من مناطق البلاد، اخرها التحرك الامريكي الذي وصف بـ /المريب/ في محافظة الانبار ، والذي منعه الحشد الشعبي في المحافظة.
ولو جمعنا هذه التحركات الامريكية ، مع النبأ المزعوم الذي نشر بحل الحشد وفصائل المقاومة ، لخرجنا بنتيجة بان هناك تركيزا على الحشد ومحاولة اضعافه وارباكه باي طريقة.
وبالتأكيد ان البحث عن صحة او كذب هذا الطلب الامريكي لن يجدي نفعا على اعتبار ان الواضح والحقيقي بان امريكا تعتبر عن ان القوة الوحيدة التي تعرقل اجندتها في العراق هي الحشد الشعبي، لذا فان الامريكان يسعون فعلا للحد من قوة الحشد على اعتباره يكاد يكون الجهة الوحيدة التي نسفت اكبر مخطط امريكي تاريخي على الاطلاق لتقسيم المنطقة وقتل شعوبها عبر عصابات داعش الارهابية التي تبنتها امريكا، وقضي عليها الحشد الشعبي بمساعدة القوات المسلحة العراقية.
ولو يتم البحث عن دلائل لهذا الموضوع، فيمكن ايجادها من خلال تصريحات قيادات الحشد الشعبي، والتي لا تدخر جهدا في ابداء انزعاجها لوجود القوات الامريكية في العراق، لكونها تعي جيدا بان مسألة استهداف الحشد بكافة الوسائل هي احدى اهم الخطط الامريكية الجديدة في العراق والمنطقة ... لماذا؟
اذا كانت امريكا وشريكها الاستراتيجي الكيان الصهيوني، كانا في غاية القلق طيلة السنوات الماضية، من ايران وحزب الله اللبناني، فاليوم أضيف إليهما قلق اكبر بوجود الحشد الشعبي الذي يملك امكانيات كبيرة جدا تكاد تكون اكبر من امكانيات باقي فصائل المقاومة في المنطقة، وحتى اكبر من امكانيات حزب الله نفسه، ولعدة اسباب، اهمها، ان الحشد الشعبي اصبح جزءا اساسيا من اسس الدولة العراقية ويتمتع بشرعية شعبية رسمية لا يستطيع اي احد ان يشكك بها، فضلا عن انه يتمتع بقدرات قتالية رفيعة أتت من الخبرة الطويلة التي اكتسبها من خلال الحروب التي خاضها ضد العصابات الارهابية، وايضا الخبرة والقدرة الفردية التي يتمتع بها كل عنصر من عناصره.
ومن هذا المنطلق، فان امريكا تعلم جيدا اهمية وقانونية الحشد الشعبي ، وان موضوع حله غير متعلق بأمر او توجيه من رئيس الحكومة ، لانه اتى من خلال قرار شعبي ملزم متمثل بمجلس النواب العراقي الذي صوت على قانونه المرقم (40) لعام 2016 ، الذي جاء في مادته -1- ثانيا- (3) "يخضع هذا التشكيل ومنتسبوه للقوانين العسكرية النافذة من جميع النواحي" والمادة -1- ثانيا – (4) "يتم تكييف منتسبي ومسؤولي وأمري هذا التشكيل وفق السياقات العسكرية ".
لذا فانه ليس امام امريكا الا الضغط بكافة الاساليب لاستهداف الحشد، ومنها الاستهدافات الاعلامية وبث الاشاعات المغرضة من اجل ان تكسب امرين اساسيين :
الاول : هو محاولة اشغال الحكومة والحشد الشعبي بهذه الانباء، لتعمل امريكا بدورها على الاستمرار برسم اجندتها وتنفيذها في داخل العراق.
الثاني: بث هذه الانباء الكاذبة، من اجل اخضاع الامور للتجربة لترى مدى قوة ردود فعل الحشد الشعبي والشارع العراقي منها ، كجزء من اجندة جس النبض ، فاذا كانت ردود الفعل ايجابية بالنسبة لامريكا، مضت بها وركزت عليها، واذا رأت انها سلبية وان ردود الفعل قوية ضدها سكتت عنها، من اجل البحث عن خطة ثانية لادامة هذا الاستهداف.
ان ردود الفعل الامريكية ، تعبر عن مدى القلق والرعب الذي تعيشه امريكا من تشكيلات الحشد الشعبي والمقاومة في العراق ، لكون الحشد شكل حالة استثنائية لم تسجل في تاريخ تشكيلات القوات المسلحة العراقية، وهي: انه يمثل اول تشكيل عراقي عسكري رسمي يملك عقيدة قتالية نابعة من عقيدة الشعب العراقي، اضافة الى العقيدة العسكرية العراقية التي يلتزم بها ويخضع لاوامر قياداتها.
ومن هنا نستطيع ان نجزم، بان وجود الحشد الشعبي في القوات المسلحة العراقية اعاد الهيبة لهذه القوات بعد ان بات قوة غير محصورة بالعراق، انما قوة اقليمية عظيمة تطارد الارهاب في اي مكان بالمنطقة، بدليل انها كانت محورا مهما للحكومة السورية في القضاء على الارهاب بعد ان طلبت من الحشد والقوات العراقية في اكثر من مناسبة بتنفيذ عمليات عسكرية ضد الارهابيين في داخل اراضيها.
ولا نستبعد بالقول، ان امريكا يحق لها ان تندم بانها ادخلت عصابات داعش الارهابية الى العراق، لانه لولا هذه الخطوة، لما كان للحشد الشعبي ان يتشكل، على اعتبار ان تشكيله اتى على اثر هذه المؤامرة التي قادتها امريكا والكيان الصهيوني وبمساعدة بعض دول الجوار والخليج الفارسي ، اهمها السعودية.
خلاصة القول، ان مسألة حل الحشد الشعبي، هو حلم امريكي تعلم جيدا انه لا يتحقق، وبنفس الوقت ان مواجهته عسكريا مجازفة، لا تخرج منها القوات الامريكية الا وهي خاسرة، وهذه الخسارة لن تكون عسكرية فحسب، بل خسارة سياسية ايضا ربما سيفقد كل مصالحها في العراق .