مسار الوساطة الروسية للمصالحة الفلسطينية والقضية مع كيان الاحتلال
احمد حاج علي
تساءل كثيرون حول أسباب تأجيل ومنهم من قال إلغاء زيارة وفد حركة المقاومة الإسلامية ـ حماس الذي يضم قيادات رفيعة المستوى إلى موسكو، فكيان العدو أشاع أنه بالتعاون مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عرقلا ترتيب الزيارة.
وفي مراجعة آخر مجريات الحراك الروسي على خطي المصالحة الفلسطينية والقضية الفلسطينية مع الكيان الصهيوني وما يسمى بـ"مسار التسوية" تقول أوساط مطلعة على تفاصيل الزيارة أن إسماعيل هنية يقوم بأول خطوة جدية لإعادة العلاقات مع سوريا عبر زيارة موسكو التي من المفترض ان تليها زيارة للجمهورية الإسلامية الإيرانية تمهيداً للعودة إلى دمشق.
وتنشط روسيا على خط الوساطتين الفلسطينية الفلسطينية و"الفلسطينية ـ الإسرائيلية" انطلاقاً من قدرتها على مخاطبة جميع اللاعبين مستندةً الى تعزيز رصيد نفوذها في المنطقة عموماً وخصوصاً على محور المسارات السورية بعد إنجازات واضحة عملية في ظل تقهقر للسياسة الأميركية ظهر بقرار نية الانسحاب ولو كانت مبهمة إلا أن موسكو تعتبرها فرصة لصالحها على مستوى القيام بأكثر من دور تعثر على إدارات البيت الأبيض القيام به.
وضعت الإدارة الروسية رئيس وزراء الكيان الصهيوني أمام خيار تقديم تنازلات على المسار الفلسطيني لتطبيع العلاقة بعد حادثة إسقاط طائرة إيل ٢٠. فرصة إضافية وظفتها موسكو لصالح إمساكها أكثر فأكثر بإدارة ملفات المنطقة، فقد أشار وزير الخارجية سيرغي لافروف خلال مؤتمر روما في ٢٣ تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي الى استعداد بلاده التوسط لعقد لقاء قيادي فلسطيني "إسرائيلي" دون شرط مسبق. إلا أن نتنياهو تحجج بأن عباس لا يُمثِّل كل الفلسطينيين فكان لا بد لموسكو من القيام بمسعى مضاعف على خط المصالحة الفلسطينية.
يمكن الوقوف عند محطات معينة للمساعي الروسية في هذا المجال، ففي ٢٦ حزيران/ يونيو من العام الماضي ٢٠١٨ زار وفد حماس الذي ضم محمد صوالحة وسامي خاطر وموسى أبو مرزوق موسكو وبحث معهم الجانب الروسي سبل إنهاء الانقسام.
في ١٢ تموز/ يوليو ٢٠١٨ التقى محمود عباس بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال كأس العالم إلا أن نتنياهو عدل عن الزيارة. و بعد ١٣ يوماً من لقاء بوتين عباس توجه مدير المخابرات العامة للسلطة الفلسطينية ماجد فرج إلى موسكو والتقى سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف، حيث بحثا خلالها مسألة التنسيق الأمني.
وبعد إسقاط الطائرة الروسية زاد نشاط الدبلوماسية الروسية بشكل ملحوظ في التواصل مع مختلف الأفرقاء الفلسطينين، فالتقى مدير الدائرة السياسية لمنظمة التحرير أنور عبد الهادي مبعوث الرئيس الخاص للشرق الأوسط وشمال افريقيا ميخايل بوغدانوف في العاشر من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي وبعد تهدئة المواجهة المسلحة في الأراضي المحتلة تعزز موقع قوى المقاومة السياسي وخصوصاً التيار الملتزم بخيار المقاومة في الفصائل الفلسطينية عموماً ولدى حماس خصوصاً، وذهب بعض المحللين الروس الى إضافة هذا السبب إلى جملة عوامل أدت لتدهور أو تراجع علاقات موسكو بتل أبييب.
و في ٢٧ تشرين الثاني/ نوفمبر عقد اجتماع اللجنة السياسية الروسية - الفلسطينية المشتركة في موسكو الذي حضره عن الجانب الفلسطيني نبيل شعث (مستشار الشؤون الدولية لدى محمود عباس) وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح مع بوغدانوف، ونقل سفير روسيا لدى السلطة الفلسطينية حيدر أغانين في ٢٨ تشرين الثاني/ نوفمبر دعوة من وزارة الخارجية الروسية لإسماعيل هنية لزيارة موسكو في موعد قريب. وتزامناً مع تلك الدعوة أعلن وزير خارجية السلطة رياض المالكي تلقيه دعوة زار خلالها موسكو في ٢١ كانون الأول/ ديسمبر ٢٠١٨ وناقش مقترحات مبادرة روسية للمصالحة الفلسطينية تبلورت لدى موسكو، نقلها لمحمود عباس إلا أن الأخير فاجأ الجانب الروسي بحل المجلس التشريعي وسحب عناصر أمن السلطة من معبر رفح وسلسلة إجراءات تؤخر تطبيق مراحل المبادرة الروسية.
من ناحية أخرى استمرت محاولات نتنياهو التواصل مع موسكو للقاء بوتين وطي صفحة الغضب الروسي بعد تسبب سلاح الجو الصهيوني بإسقاط الطائرة الروسية، وحصل اتصال قصير من نتنياهو ببوتين في ٨ كانون الأول/ ديسبمر ٢٠١٨ رفض خلاله الرئيس الروسي تحديد موعد لقاء مع نتنياهو ورد بشكل مبهم "سنلتقي في المستقبل"، وفقط وافق بوتين على استقبال موسكو وفداً أمنياً عسكرياً للقاء نظرائهم الروس وشرح معطيات ملابسات الحادث.
ماطلت القيادة الروسية حتى وافق نتنياهو ظاهرياً على قبول وساطة روسية على خط تسوية القضية الفلسطينية مع الاحتلال. وحصل اجتماعان بين كبار الضباط الروس والصهاينة ترأسهما نائب رئيس مديرية العمليات الرئيسية لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية الجنرال فاسيلي تروشين ورئيس قسم التكنولوجيا واللوجستيات في الجيش الإسرائيلي اللواء آرون هليفي واتفقا على الاستمرار في تنسيق منع حصول حوادث جوية على قاعدة أن روسيا معنية بالدرجة الأولى بحماية عسكرييها في سوريا.
كما جرى في ١٧ كانون الأول/ ديسمبر، لقاء بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف واسحق هرتسوغ رئيس الوكالة اليهودية "سوخنوت"، حيث كرر لافروف أولوية روسيا الأكثر أهمية في التنسيق والتعامل مع " إسرائيل" هي سلامة الجنود الروس.
الجانب الإسرائيلي اعتبر موضوع استئناف التنسيق الجوي إطلاقاً ليده مجدداً في القيام بضربات جوية في سوريا.
ومنتصف كانون الأول/ ديسمبر 2018 التقى الوزير لافروف بسفير الكيان الصهيوني في روسيا هاري كورين الذي وصف اللقاء بحسب الإعلام العبري بالفاشل والكارثي من وجهة نظر "إسرائيلية"، فقد أعرب عن استياء الكيان العبري من دعوة موسكو لحماس ليجيبه لافروف أن روسيا هي من تختار مع من تتواصل وتتحدث وهي لا تعتبر حماس منظمة إرهابية كما أن " إسرائيل" نفسها فاوضت حماس. تجاهل لافروف إشارة السفير الصهيوني إلى رغبة نتنياهو بترتيب سريع لقمة روسية "إسرائيلية" دون أي تعقيب على هذا الإصرار.
وفي 19 كانون الأول/ ديسمبر الماضي استضافت " إسرائيل" اجتماعاً بين لجنتي الخارجية والدفاع في الكنيسيت مع نظرائهم عن الجانب الروسي قسطنطين كوساتشوف رئيس لجنة العلاقات الدولية وفيكتور بونداريف رئيس لجنة الدفاع والأمن في المجلس الفدرالي الروسي بعد تفجير نتنياهو حملة استكشاف "أنفاق حزب الله الهجومية"، الأمر الذي قرأه الروسي توتيراً للأوضاع يصب أيضاً في عرقلة جهوده على أكثر من مسار.
عودٌ على بدء تشير أوساط مطلعة على أروقة الدبلوماسية الروسية أن موسكو تعتبر إجراءات عباس كحل التشريعي وسحب عناصر السلطة من معبر رفح وغيرها طعناً بجهودها على خط المصالحة وتأجيل البت بالموضوع لموعد غير محدد، فنبيل شعث بدا حريصاً على التجاوب مع الجهود الروسية إلا أن رياض المالكي تحجج بأن ملف المصالحة بيد الرئيس عباس عقد الأمر ووتر الأجواء بإجراءاته.
موقف مشابه اتخذه رئيس وزراء العدو بإعلانه إجراء انتخابات مبكرة للكنيست، هذا يعني استحالة دخول موسكو على خط وساطة والقيام بخطوة قبل نتائج الانتخابات "الإسرائيلية" على طريق عقد مؤتمر موسكو لتسوية شرق أوسطية طالما حلمت بتحقيقه القيادة الروسية.
أما الاعتداءات الاسرائيلية الأخيرة على دمشق والتي تصدت لها الدفاعات الجوية السورية مدعومة من منظومة الرادارات والمعلومات الروسية، فقد عززت موقف المؤسسة العسكرية الروسية وكبار جنرالاتها المعارضين للتعاون والتنسيق العسكري مع "إسرائيل" واعتبرتها موسكو تعطيلاً لجهودها ووساطاتها على أكثر من جبهة.