هل زارَت ثَلاثَة وفود عِراقيّة تَضُم بَرلمانيّين إسرائيل فِعْلًا؟ ولِماذا استِهداف العِراق الآن بمِثْل هَذهِ التَّسريبات؟ ومَن يَقِفْ خَلف تُهمَة “التَّطبيع” إذا كانَت غير صَحيحة؟ وما دَور الجالِيَة اليَهوديّة العِراقيّة فيها؟
أثارَت "مَزاعَم” وِزارَة الخارجيّة الإسرائيليّة حَول زِيارَة ثلاثَة وفود عِراقيّة لدَولة الاحتِلال الإسرائيليّ تَضُم نُوّابًا حاليّين وسابِقين، رُدود فِعل غاضِبَة في بغداد، خاصَّةً بعد أن نفى نوّاب ورَدت أسماؤهم هذه المَزاعِم كُلِّيًّا، وأكَّدت كُتلهم النيابيّة وجود حَملة تَشويه مُتَعمَّدة تَستَهدِفهم لخَلق "فِتْنة” لشَق الصَّف الوَطنيّ العِراقيّ.
تَحالُف القَرار العِراقيّ (سني) دافَع بشِدَّة عن السيد خالد المفرجي، رئيس كتلة التحالف المَذكور آنِفًا، الذي ورَد اسمه بين المُطبّعين، وقال "إنّه ابن بار لأمّته، والجُرح الفِلسطيني ماثِل في قلبه قبل عَينيه”، ونفَى أن يكون زار الأرض المحتلة، كما نَفى النائب السابق أحمد الجربا الأمر نفسه، وقال إنّها عمليّة تزوير "تَسقيطيّة” واضِحَة، أمّا ائتلاف القانون الذي يتزعّمه السيد نوري المالكي، رئيس الوزراء الأسبَق، فقَد أصدَر بَيانًا قال فيه "إنّ الثّوابت الوطنيّة والدينيّة والأخلاقيّة للنائبة عالية نصيف، العُضو فيه، معروفه للجميع، ولم ولن تفكر يوما بزيارة العدو الصُّهيونيّ المُجرِم”، ولم يَصدُر حتّى الآن أيّ تعليق مِن قبل النّائبين الحاليّين في البَرلمان العِراقيّ السيّدين أحمد الجبوري وعبد الرحيم الشمري، وكذلِك النائب السابق عبد الرحمن اللويزي الذين ورَدت أسماؤهم ضِمن الوفود الثَّلاثَة.
العِراق بأطيافِه السياسيّة والطائفيّة والعِرقيّة كافّة مُستهدَف مِن قبل دولة الاحتِلال الإسرائيلي بحَملات تشويه غير مسبوقة، ترتكز على وُجود جالية يهوديٍة عراقية كبيرة هاجَرت إلى فِلسطين المُحتلَّة قُبَيل وبَعد إقامَة دولة إسرائيل ما زال يَحِن الكثير من أبنائِها إلى العِراق لأنّ هذه الجالِية جَرى إجبارها على الهِجرة مِن خلال عمليّات الترهيب التي مارَسها "الموساد” الإسرائيليّ في هذا المِضمار مِن خِلال زَرْع مُتَفَجِّرات في أماكِن تواجدهم، ويشْتَكِي بعضهم مِن الطَّابَع العُنصريّ التَّمييزيّ للدولة الإسرائيليّة ضِدّهم، ويَهود عَرب آخَرين.
الجالية اليهوديّة كانَت تعيش في عِراق مُتسامِح، وحظِيَت بمُعاملةٍ خاصَّةٍ مِن الحُكومات العِراقيّة قَبْل عام 1948، باعتِبار أبنائها مُواطنين لَعِبوا دَورًا مُهِمًّا في كُل أوجُه الحَياة العِراقيّة، الثقافيّة والفنيّة والاقتصاديّة، وجَرى تمثيلهم في مُعظَم الحُكومات العِراقيّة، ولكن الدِّعاية الصهيونيّة ومُؤامرات "الموساد” شَوَّهَتْ صُوَر هؤلاء، وشَكَّكت في ولائِهم لبَلدهم، مِن أجل دَفعِهِم إلى الهِجرة.
العِراق مُستَهدفٌ الآن مِن قِبَل المُؤامرات والفِتَن الإسرائيليّة لأنّه يتَعافَى بقُوَّةٍ، ويَسير بخُطَى ثابِتة، وإن كانَت بطَيئة نحو استِعادة مكانته ودَورِه العَربيّ والإسلاميّ في المِنطَقة، والانْخِراط في مِحور المُقاوَمة الذي يتَصدَّى للمَشاريع الأمريكيّة والإسرائيليّة لتَفتيتِها.
التَّطبيع مَع الاحتِلال الإسرائيليّ "خَطٌّ أحمَرٌ” وخِيانةٌ كُبرَى في أعيُن الأغلبيّة السَّاحِقَة مِن العِراقيّين مِن مُخْتَلف الطوائف والأعراق، وإذا كانَ هُناك بَعض الخارِجين على الثَّوابِت العِراقيّة الوطنيّة قد زَاروا إسرائيل، مِثل السيدين مثال الألوسي، وأحمد الجلبي، فإنّ هؤلاء خوارِج عَن الشَّعب العِراقيّ وقيمه وأخلاقه، وكانَ ولاؤهم لأمريكا التي دَمَّرت العِراق وحاصَرته، واحتَلّته وقتَلت أكثَر مِن 3 ملايين مِن أبنائِه، وقد فقَد الأوّل، أيّ الألوسي، النائب السابق ولديه قَتْلًا في عَمَلٍ انتقاميٍّ وخَسِر مقعده النّيابيّ، أمّا الثّاني، أيّ الراحل الجلبي، فقد ماتَ دُونَ أنْ يتَرحَّم عليه إلا القِلَّة النَّادِرَة، وتَبَرَّأ مِنه كُل مِن عَمِل معَه، باستِثْناء مُشَغِّليه في واشنطن وتل أبيب.
الأشقّاء الأكراد في شِمال العِراق دَفَعوا ثَمَنًا غاليًا مِن جرّاء تَعاطِيهم مَع الإسرائيليين، والرُّكون إلى وُعودِهم الكاذِبَة في الحِمايَة، والوُقوع في مِصيَدة وعودهم في نَيْل الاستِقلال، وعِندَما أجروا الاستِفْتاء، وحاوَلوا تطبيقه بالانْفِصال لم يَجِدوا برنارد هنري ليفي، عَرّاب هذا الانفِصال إلى جانِبِهم، وطعَنتهم إسرائيل في الظَّهْر، مِثْلَما طعَنَت أمريكا أشقاءَهم في شِمال سورية، بتَخَلِّيها عنْهُم، وسَحْب قُوّاتها مِن هُناك.
العِراق القَويّ عائِدٌ إلى السّاحة وعَبر بوّابة التَّصَدِّي للمَشاريع الأمريكيّة والإسرائيليّة وفي ظِل هذا التَّغيير المُتصاعِد في استراتيجيّاته لا نَعتقِد أنّه سيَكون هُناك مَكانٌ فِيه للمُطَبِّعين، وإنْ وُجِدوا فإنّه يَجِب مُحاكَمتهم لأنّهم مَشروعُ "فِتنَة”، ويُشَكِّلونَ اخْتِراقًا لكُل خُطوط الوَطنيّة العِراقيّة القانِيّة الاحْمِرار.
راي اليوم