لماذا تتصدر "إسرائيل" المطالبين بعدم انسحاب القوات الأميركية من سوريا؟
عبدالباري عطوان
هل سيرضخ ترامب للضغوط الأمريكية ويتراجع؟ وما هو التغيير الاستراتيجي الذي يسود "الشرق الأوسط” الذي يحتم التسريع بخطوة الانسحاب ويقلق نتنياهو واللوبي الداعم له ولا يراه كثيرون؟
بعد مرور ما يقرب الأسبوع على إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عزمه سحب جميع قواته من سورية (2200 جندي) بعد تمكنها من هزيمة "داعش”، بات واضحا أن معظم المعارضين لهذه الخطوة، سواء داخل الإدارة الأمريكية أو خارجها، هم من أصدقاء الدولة العبرية، والحريصين على أمنها واستقرارها، وليس على المصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، أو القضاء على الإرهاب.
وجود القوات الأمريكية على الأرض السورية يعني دعما للمشروع الإسرائيلي الذي يريد إخراج القوات والمستشارين الإيرانيين وحلفائهم منها، أو هذا ما كان يأمله بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، خاصة بعد وقوف القيادة الروسية في وجه غارات طائراته في العمق السوري لضرب هذه القوات، وتزويدها الجيش العربي السوري بمنظومات صواريخ "إس 300” المتطورة.
ترامب هاجم بشدة في أحد تغريداته منتقديه في وسائل الإعلام، وبعض الجنرالات المتقاعدين القدامى في إشارة إلى الجنرال جيمس ماتيس، وزير الدفاع الأمريكي، الذي استقال احتجاجا على سحب القوات الأمريكية من سورية، ولكنه لم ينتقد نتنياهو الذي كان من أبرز المعارضين لسياساته في هذا الصدد.
الاجتماع الذي عقده مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي، مع نتنياهو على هامش تنصيب الرئيس البرازيلي الجديد في مدينة ريو دي جانيرو في البرازيل، ركز على كيفية تكثيف التنسيق الأمريكي الإسرائيلي عسكريا في مواجهة الخطر الإيراني في سورية بعد انسحاب القوات الأمريكية حسب قولهم،، ولكن لم ترشح أي معلومات حول كيفية تنسيق هذا الوجود، وإن كنا نرجح أن وزير الخارجية الأمريكي أراد طمأنة نتنياهو ومحاولة تهدئة مخاوفه المتصاعدة، خاصة أن الهجوم الصاروخي الإسرائيلي الأخير على هدف عسكري في غرب دمشق قبل عشرة أيام عبر الأجواء اللبنانية فشل في تحقيق أهدافه، حيث جرى إسقاط 14 صاروخا من مجموع 16 صاروخا جرى إطلاقها، بينما نجح أحد الصواريخ السورية في المقابل في الوصول إلى حيفا.
اختلفنا مع ترامب وسياساته الداعمة لـ"إسرائيل" وتهويد القدس المحتلة، مثلما اختلفنا معه في دعمه للحرب في اليمن، ولكن قراره بالانسحاب من سورية، وربما قريبا من العراق أيضا، خطوةٌ شجاعةٌ، تعكس اعترافا صريحا بفشل المشروع الأمريكي في سورية الذي كلف الخزينة الأمريكية أكثر من 70 مليار دولار باعتراف ترامب نفسه، مما يعني أن استمرار وجود هذه القوات بات مصدر خطر في ظل تصاعد العداء الأمريكي الإيراني، وتزايد احتمالات المواجهة أولا، واحتمالية تحولها، أي القوات الأمريكية، هدفا لهجمات من حركات عراقية وسورية مسلحة جاهرت علنا بعزمها العودة إلى أساليب المقاومة لإجبار القوات الأمريكية على الانسحاب، وتوقيع اتفاق بين الحكومتين السورية والعراقية بالتنسيق عسكريا وأمنيا شرق الفرات وشمال سورية، بما يسمح للطائرات العراقية بقصف أي قوات تهدد أمن البلدين.
من تابع الغضبة العراقية غير المسبوقة الناجمة عن الإهانة التي وجهها ترامب للسيادة العراقية عندما زار قاعدة "عين الأسد” الأمريكية في منطقة الأنبار خلسة دون إذن من القيادة العراقية، ورفضه زيارة بغداد لأسباب أمنية، ومطالبة العديد من حركات المقاومة العراقية بانسحاب جميع القوات الأمريكية وقواعدها من أراضي بلادهم، خاصة حركة عصائب أهل الحق، و”حزب الله” العراق، والنجباء، والحشد الشعبي، يدرك ما نقول.
الرئيس ترامب قال الحقيقة عندما أشار في تغريدات له إلى الكوارث والهزائم التي لحقت بأمريكا من جراء تدخلاتها العسكرية في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة في العراق وأفغانستان وليبيا، وكيف تحولت هذه الدول إلى دول فاشلة، علاوة على خسائر وصلت إلى 7 تريليون دولار، ويجب عليه أن يكمل أقواله بالاعتراف بأن جميع هذه الحروب جاءت من أجل الحفاظ على "إسرائيل" وأمنها ومصالحها.
العام الجديد، وربما جميع الأعوام المقبلة، ستكون ميلاد صحوة عربية وإسلامية تقود إلى إنهاء الهيمنة الأمريكية على المنطقة، وسقوط أسطورة التفوق الإسرائيلي، وإرهاصات هذه الصحوة باتت بادية للعيان في سورية والعراق واليمن وليبيا، من خلال العودة للعمل العربي المشترك عبر بوابتي دمشق وبغداد، وتعاظم قوة محور المقاومة وجناحيه في جنوب لبنان وفلسطين.. والأيام بيننا.