إن كان مقدراً رحيلنا فها نحن باقون!
حسين شريعتمداري
1 ـ حين بلغ معسكر المشركين النبأ إنتابهم استغراب شديد ولربما غمرتهم ابتسامات السخرية! فقد ائتلف الاعداء بمشاربهم وتعدد آرائهم وتوحدوا قبال الاسلام الذي رفع رآيته في المدينة وجهز المشركون جيشاً عرمرماً ليواجهوا الاسلام الحديث في اعلان وجوده. فمن جهة حشود الكفرة بتجهيزهم الحربي الضخم وفي الجهة الاخرى عصابة قليلة بأيد خالية من مال الدنيا وحطامها. وكل الشواهد تدلل على عدم صمود الفئة القليلة من المسلمين امام جيش المشركين المترامي الاطراف وصار خيار المسلمين حفر خندق حول المدينة اقترحه سلمان المحمدي (الفارسي) واقره الرسول (ص)، وبينما يصارع المسلمون صلادة الارض بفؤوسهم تطاير شرر تبسم على اثره الرسول (ص)، واعداً المسلمين بفتح ايران والروم. فكان حديث الرسول عن الغيب حين وعد بازاحة قوتين عظمتين في ذلك الزمان! رغم قلة العدد والناصر! فحقا هو امراً مستغرباً ويصعب تصديقه! وهو النبأ الذي بلغ المشركين فضحكوا منه ساخرين!
وبعد سنين حين وصلت رسائل الاسلام لهاتين القوتين ايران والروم وجدت شعوب هذه البلاد في ضمائرهم صدق الخبر وعدالة المخبر فسارعوا لنصرة جيش الاسلام حين دخوله مدنهم. فانفطرت شرفات قصر قوة عظمى حينها وهوت قلوب الشعوب لرايات الاسلام، ولم يكن رسول الله (ص) بين امته حينها.
2 ـ وتكررت حرب الاحزاب بعد الف واربعمائة عام، فبانتصار الثورة الاسلامية تكاتف الاعداء صغارا وكبارا لمواجهة هذه الثورة. فانبرت اميركا واوربا واسرائيل والكثير من الدول العربية ومشاة الطابور الخامس في الداخل ليفرضوا حرباً شعواء. ومن اليوم الاول دون ان تتوقف للحظة والى اليوم وحتى الغد وما بعده. فتنقلت ساحات الحرب من جبهة لجبهة اخرى، ولم يألوا الاعداء اي جهد للتعبير عن عدائهم. فمن بروز مجاميع ارهابية على الساحة، الى مشاريع انقلابات عدة، واثارة النعرات القومية، وحادثة طبس، والحرب المفروضة، والعقوبات، وحرب ناقلات النفط، والقصف الصاروخي على المدن، ومهاجمة طائرات نقل الركاب، والقصف الكيماوي، وفتنة عام 2009 الاميركية الاسرائيلية، والجدال النووي وخيانة بعض الخواص و... كل هذا في الوقت الذي اصطفت جميع القوى الصغيرة والكبيرة في العالم بقضهم وقضيضهم وامكاناتهم السياسية والاعلامية فقاومت الجمهورية الاسلامية ووقفت امامهم.
3 ـ في تلك الايام هاجم الاعداء من كل جانب ايران واحتلت اجزاء من بلدنا، فتلا الامام الراحل ـ رضوان الله تعالى عليه ـ بثقة قل نظيرها خلال خطاب للشعوب الاسلامية لمناسبة الحج في عام 1981؛ "يا مسلمي العالم ويا ايها المستضعفون الرازحون تحت ظلم المستكبرين، انهضوا واتحدوا دفاعا عن الاسلام وعن امكاناتكم ولا تخافوا ضجيج المتسلطين فهذا القرن باذن الله القادر، هو قرن غلبة المستضعفين على المستكبرين والحق على الباطل". كما وشدد سماحته في خطاب آخر على ان الاسلام سيفتح عقبات الدنيا المستعصية. فاعتبر زوال الاتحاد السوفياتي الخطوة الاولى واشار الى اضمحلال اميركا في المستقبل القريب ... وهكذا يطرح نفس التساؤل من قبل ذوي المحاسبات، بأنه كيف؟!
4 ـ ولنلقي على اعتاب الذكرى الاربعين للثورة الاسلامية نظرة للمسار الملتهب الذي سلك اربعون عاما وما تخطيناه من عقبات كأداء. فما الذي نراه؟ فأي من مؤامرات الاعداء تحقق؟ ولا نقول اننا لم نتحمل اي ضرر ولم تكن ثقيلة علينا! بل نعني ان الاعداء فشلوا في كل مخططاتهم ولا نذهب بعيدا ولننظر للاشهر الماضية فكانوا يخططون صيفاً حاراً لايران الاسلامية ولكن لهيبها اشعل اوروبا. وقبل ذلك جاؤوا بعصابات داعش علينا فانقلبت عليهم. فكان من المقرر ان ينهوا انصار الله خلال 3 ايام وفي اكثر التقادير اسبوع، وها هي السنوات الاربع من حرب اليمن، وقد مد آل سعود يد الاستجداء نحو ايران كي تخرجها بشكل لائق! من هذا المستنقع! فيما كانت اسرائيل على اهبة الاستعداد لتنشر الفوضى في ايران الاسلامية، وها هي تصارع قضية بقائها من عدمه، وفي احدث انموذجين على اخفاق اميركا، وها هي عالقة خلال الاسبوع الاخير في حادثين، لنقرأ!
5 ـ فقد بدأت اميركا قبل سبع سنوات بمعية حليفاتها الاوروبية والعبرية والعربية حين شكلوا تحالفاً اسموه "اصدقاء الشعب السوري" ليفرضوا حربا ضروساً على هذا البلد المسلم، رافعين شعار رحيل الاسد فعمدوا ألوان القتل الفظيع والخراب الفجيع بهذا البلد، متوقعين ان تعجز سورية خلال اشهر عن الصمود وتستسلم فامتدت الاشهر الى 7 سنوات واضطرت اميركا من دون اي مكسب لتخرج قواتها من سورية لتليها عودة للدول العربية التي اغلقت سفاراتها مسارعة بالرؤوس قبل الاقدام لفتح هذه السفارات و...
وكما قيل (الفضل ما شهدت به الاعداء) نشير الى نماذج من تصريحات تعكس فشل اميركا، على لسان مسؤولين اميركيين واوروبيين؛ فقد كتبت مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية ـ FDD ـ "لقد تحققت نبوءة الزعيم الايراني، ان اميركا مضطرة لترك المنطقة" وتقول المؤسسة "ان قرار ترامب قد مزق مساعي اميركا لتحييد ايران"! كما وحذرت صحيفة "واشنطن بوست" في مخاطبتها الشعب الاميركي تقول؛ "استيقظوا، فجيشنا ليس كما كان عصي على الانكسار".
واعترف السيناتور "رندبال" بان "بشار الاسد منتصر اي ان ايران منتصرة، ولا يمكننا ان نقول كما قلنا خلال سبع سنوات على الاسد ان يرحل. وكان علينا ان نخرج فخرجنا". ويقر هذا السيناتور الاميركي بان داعش صنيعة اميركية لمواجهة ايران.
الاقرار الذي سبق لهيلاري كلنتون، وجو بايدن ان صرحا به، فيما يقول السيناتور الاميركي "ليندسي غراهام" ان ايران هي اكبر المنتصرين في قضية خروج اميركا من سورية" وكتبت "سوزان رايس" المستشارة السابقة للامن الوطني الاميركي خلال مدونة لصحيفة "نيويورك تايمز"؛ "ان خروج اميركا من سورية بمثابة هدية اعياد الميلاد لايران". وكتبت الواشنطن بوست "ولنطلب من الله في هذه الاعياد ان يعيننا"! و...
6 ـ ليل الاربعاء الماضي وصل "ترامب" مع زوجته الى قاعدة "عين الاسد" القاعدة العسكرية غرب العراق بمحافظة الانبار. ومن هناك طلب ترامب من الرئيس العراقي "برهم صالح"، ورئيس الوزراء "عادل عبدالمهدي"، ورئيس البرلمان "محمد الحلبوسي" ان يأتوا للقائه! الا ان المسؤولين العراقيين رفضوا لقاءه، معتبرين الزيارة المفاجئة خرقا لسيادة العراق. وعقد البرلمان العراقي جلسة اضطرارية بعد ان نشر خبر هذه الزيارة، فيما نوه "برهم صالح" الى ان هذا البلد ليس بالبلد المحتل. كما وبعث الشعب العراقي رسائل نصية على الهشتاغ ذكروا الرئيس الاميركي بان العراق ليس السعودية.
فهنا (العراق) يربو فيه ابناء حيدر الكرار (ع) وابا عبدالله الحسين(ع) وليس ابناء "معاوية" و"محمد بن عبدالوهاب"! بدوره قال ترامب بخصوص زيارته للعراق "من المؤسف ان يتم انفاق 7 ترليون دولار في الشرق الاوسط، ومن ثم نحتاج لذهابنا الى هناك لكل هذه السرية ومن حولنا كل هذه الطائرات واكبر اجهزة العالم ويتم فعل كل شيء حتى تعود سالماً".
7 ـ الكاتب الصحفي الشهير المرحوم "محمد حسنين هيكل" زار مرتين الامام الخميني (ره)، الاولى في باريس ومن ثم عام 1979 في طهران. وانزل المرحوم تفاصيل زيارته في كتابه "مدافع آية الله، قصة ايران والثورة". فيقول فيها: "لقد وجدت الامام الخميني كاحد اصحاب رسول الله (ص) في صدر الاسلام، وقد عبر ممر الزمان ليصل القرن الحالي، ليقود جيش علي (ع) الذي ترك بعد شهادته وبعد ان ضرج اهل بيته بالدماء دون قائد، وارى ان في الامام الخميني هذه القابلية". واشار الى ولاية الفقيه ايضا بان ولاية الفقيه كان لغما زرعه الامام علي (ع) في صدر الاسلام وقد فجره الخميني تحت اقدام المستكبرين في القرن العشرين...
8 ـ وها نحن على اعتاب الذكرى الاربعين للثورة، فيطرح تساؤل انه لماذا لم نرحل؟! ألم يدفعوا عجلات قوى الاستكبار العالمي نحونا ومازالت هذه العجلات تتجه صوبنا؟! انظروا الى الجادة المعوجة وذات الاشواك التي سلكناها لاربعين عاما، وتجاوزنا عقبات كأداء، فما الذي ترونه؟ فان كان مقدرا ان نرحل فلم لم نرحل ؟! وان لم نكن اهلا للبقاء فكيف بقينا؟!