الحراك السوداني والتكهنات المحتملة
بعد اسبوع من الحراك الشعبي الغاضب احتجاجا على رفع اسعار الخبز والذي امتد الى 22 مدينة وخلف عشرات القتلى، لم تتضح بعد معالم هذا التحرك وابعاده او القوى السياسية او النقابية او المهنية المشاركة فيه واهدافه، بل يبقى مجرد تحرك عفوي شعبي لا يتجاوز مطالبه القضايا الاجتماعية او المعيشية ام ستتحرك باندفاعة اقوى لطرح اهدافها السياسية وان تخللت المظاهرات بعض الشعارات السياسية ومنها اسقاط النظام والرئيس عمر البشير الذي يحكم السودان منذ ثلاثة عقود، لكن ذلك لن يكون مؤشرا قويا على ان هذا الحراك سيكون مقدمة لثورة عارمة تسقط النظام لان ذلك يتطلب مشاركة قوية وفعالة من كافة القوى العاملة في الساحة السودانية وفي مقدمتها الشعب.
وليس من المعقول والمنطقي ان يبادر المرء ليقيم حراكا شعبيا لا يتجاوز ولادته الاسبوع لان ذلك يعتمد على عوامل عديدة لكن ما نشهده حتى اليوم حراك محدود ليس له قيادة ولم تعلن اهدافه بعد وان شعاراته لازالت بين المطالب المعيشية والسياسية لكن ما كان لافتا هو ان الرئيس عمر حسن البشير اضطر ان يكسر صمته بعد ايام من اندلاع هذا الحراك محاولا اتهام الخارج بذلك عندما يقول "السودان ومواقفه السياسية ليست للبيع مقابل القمح والدولار" لكنه من جانب آخر يعد السودانيين بالاصلاحات لتهدئة الشارع فهل يوفق في ذلك؟ فما تشهده السودان اليوم كغيرها من الدول العربية من اوضاع اقتصادية سيئة ليست وليدة السنوات الاخيرة فالضائقة المالية السودانية تمتد الى الماضي نتيجة لغياب سياسة تنموية خاصة وانها تمتلك النيلين الابيض والازرق ومساحات شاسعة من الاراضي الزراعية الخصبة التي تكفي لتأمين الغذاء لكافة الدول العربية واذا بها اليوم تحتاج الى رغيف الخبز فضلا عن امتلاكها للنفط. اما القضية الاخرى التي اضعفت موقف السودان هو سياسته المتأرجحة وانتقاله من هذا المحور الى ذلك المحور حسب المتطلبات الآنية مما شجع الآخرين ليتلاعبوا بمقدراته ويحولوه الى اداة بيدهم وعندما تنتفي حاجتهم منه يرمونه جانبا.
لكن حتى الآن لم تثبت الاحداث ان هناك عوامل خارجية وراء التحرك الحالي في السودان وان حاول البعض ربط ذلك بالزيارة التي قام بها الرئيس السوداني الى دمشق لكن في المقلب الآخر قيل انه حمل رسالة سعودية حول اعمار سوريا وعودتها الى الجامعة العربية الا انه صرح بعد عودته انه لازال يدعم التحالف الدولي في اليمن!
وعلى اية حال فالوقت لازال مبكرا للحكم على تحرك الشارع السوداني الذي هو في بداياته لان ذلك يرتبط بعوامل عديدة تظهر مع مسار الحراك ومدى تفاعل الشعب السوداني وقواه السياسية والنقابية والمهنية معه وهل سيتحول هذا الحراك الى بوادر انتفاضة ومن ثم الى ثورة شعبية يلتحق بها الجيش السوداني او يقف على الحياد كما شهدت دول الجوار السوداني من قبل في عهد ما يسمى بثورات الربيع العربي ام سيبقى في منأى من ذلك وينتهي هذا الحراك كغيره لا احد يجزم بما يحدث والخبر اليقين عند المستقبل من الايام.