أفرع “القاعدة” تتخبط.. والظواهري في عزلة
عبد الله سليمان علي
يعيش زعيم تنظيم "القاعدة” أيمن الظواهري شبه عزلة بعد أن فقد القدرة على التأثير في الأحداث، وتراخت قبضته حتى على بيته الداخلي. وظهر ذلك جلياً من خلال تخبط مواقف أفرع "القاعدة” تجاه التحالف الدولي ـ العربي، الذي تقوده الولايات المتحدة، ضد تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام” ـ "داعش”، في الوقت الذي يحصد فيه الأخير المزيد من البيعات النوعية ومواقف التأييد له من داخل تيارات السلفية "الجهادية” المنتشرة في العالم.
وبالرغم من تركيز واشنطن، في بداية العمليات فوق الأراضي السورية، على استهداف ما أسمته "تنظيم خراسان” وربطه مباشرة بالقيادة العامة لـ”القاعدة” في أفغانستان، وتهويلها من الخطر الذي يشكله، إلا أن ذلك لم يدفع الظواهري إلى اتخاذ أي موقف معلن من التحالف الدولي، بل لاذ بصمت مطبق.
وبينما تستعر الأحداث في منطقة الشرق الأوسط، سارع إلى الانشغال بتأسيس فرع جديد له في شبه القارة الهندية، وكأنه استشعر بالعجز عن القيام بأي عمل مؤثر، بعد أن كبّل نفسه مؤخراً بجملة من المواقف والتوجهات التي شكلت انقلاباً واضحاً على نهج "القاعدة” في زمن أسامة بن لادن.
والأهم من غياب الموقف المعلن، هو وجود مؤشرات تدل على عدم وجود موقف مركزي، معلن أو غير معلن، لـ”القاعدة” من التحالف الدولي أو بعض القضايا الأخرى. وهو ما يعكسه التخبط الذي اتسمت به مواقف بعض أفرع "القاعدة” في المنطقة، بالإضافة إلى تزايد حالات الانشقاق عن "القاعدة” في عدد من البلدان، مثل الفيليبين والجزائر وتونس وليبيا. وعلى الأقل فإن هذا التخبط يشير، في حال وجود موقف مركزي، إلى عدم رضا الأفرع عن هذا الموقف، واتخاذ خطوات منفردة قد تتطور إلى الخروج عن سرب "خراسان” بقيادة الظواهري.
وكان صدر في 11 تشرين الأول الحالي، أي مع بداية تشكيل التحالف الدولي، بيان مشترك عن كل من فرعي "القاعدة في المغرب العربي” و”الجزيرة العربية”، أقل ما يقال فيه أنه بيان ملتبس لم يتضح منه الموقف الحقيقي لـ”القاعدة”، هذا إذا لم يكن قد زاده غموضاً. حيث وصف البيان حرب التحالف بأنها "حرب صليبية على كافة المسلمين” بذريعة محاربة "داعش”، معبراً عن دعمه ووقوفه مع المسلمين. وبدا البيان وكأنه يقيس كلماته بالميزان حتى لا يفهم منه أن الموقف الرسمي من "داعش” تغير. وجاءت الفقرة الأخيرة منه، والتي تضمنت عزاءً بقيادات "أحرار الشام”، إشارة واضحة في هذا السياق.
وصدر أمس عن فرع "القاعدة في الجزيرة العربية” منفرداً، بيان واضح وجلي، مسمياً الأمور بمسمياتها، على عكس البيان المشترك، حيث أقرّ أن حرب التحالف تستهدف "المجاهدين في الدولة الإسلامية” بشكل خاص، الذين اسماهم البيان بـ”إخواننا”، وهي إشارة تودد فضلاً عن كونها تحمل دلالات شرعية تنسف كل الأدبيات التي تعتمد عليها الفصائل في سوريا، وعلى رأسها "جبهة النصرة”، لتبرير القتال ضد "داعش”.
ولم يكتف البيان بذلك بل أعلن بصراحة تامة رفضه وصف "داعش” بالخوارج، وأنه يعتبر قتاله حراماً: "كما نؤكد على حرمة المشاركة في قتال إخواننا تحت دعوى أنهم خوارج، وليسوا كذلك”، علماً أن الظواهري نفسه سبق أن قارن بين "داعش” وبين الخوارج في رثائه لأبي خالد السوري الذي اتُّهم "داعش” بقتله. كما تجدر الإشارة إلى أن زعيم "جبهة النصرة”، وهي فرع "القاعدة” في الشام، أبو محمد الجولاني لا يرى حرمة قتال "داعش”، بل أباح للفصائل الاستمرار في قتاله شرط عدم انضمامها إلى التحالف الدولي.
وطالب البيان جميع المجاهدين "أن ينسوا خلافاتهم، وأن يوقفوا الاقتتال في ما بينهم”، مؤكداً وقوفه إلى جانب "الدولة الإسلامية” ونصرتها ضد "الحملة الصليبية العالمية”، محذراً من بدء الحديث عن تدخل بري "ليطفئوا نور الله” ويمنعوا تطبيق الشريعة.
ولا شك أن هذا البيان يختلف اختلافاً جذرياً عن البيان المشترك، ويعتبر خطوة نوعية من "قاعدة الجزيرة العربية”، لاسيما أن زعيم الأخيرة ناصر الوحيشي يعتبر من اشد المقربين إلى أيمن الظواهري، فهل هي بداية تمايز بين أفرع "القاعدة”؟ أم أن كل فرع اضطرته تطورات الأحداث إلى صياغة مواقف خاصة يحمي بها بنيته الداخلية من التشقق بفعل ضغط هذه التطورات، بغض النظر بعد ذلك عن تباين مواقفه مع موقف قيادته الغائبة أو المعزولة؟.
ومقابل هذا التخبط، الذي تعاني منه أفرع "القاعدة”، يبدو أن "الدولة الإسلامية”، وبالرغم من تعرضه لغارات التحالف الدولي، يعيش أكثر أيامه ازدهاراً، فإلى جانب استمراره في التقدم الميداني والاستيلاء على أراضٍ جديدة خصوصاً في العراق، فهو يكتسب يومياً مزيداً من الأتباع والمناصرين.
وحصل التنظيم المتشدد خلال الأيام الماضية على بيعات نوعية، قد يكون أهمها البيعة التي أعلن عنها المتحدث الرسمي باسم "حركة طالبان باكستان” شاهد الله شاهد (أبو عمر الخراساني) مع خمسة "أمراء” من الحركة، وذلك في تسجيل صوتي بثته مؤسسة "ترجمان الموحدين” الإعلامية. ورغم تأكيد شاهد على أن هذه البيعة لا تعني بيعة عامة من الحركة، إلا أنه من المتوقع أن يلحق به و”بالأمراء” الخمسة أعداد لا يستهان بها من أتباعهم.
كما تلقى "داعش” دعماً كبيراً من التيار السلفي الأردني، تجلى بوصول عدد من مشايخه مؤخراً إلى محافظة الرقة، معقله الرئيسي، وتقديمهم البيعة لزعيمه البغدادي، وعلى رأس هؤلاء المشايخ عمر مهدي زيدان، الذي يعتبر من أصدقاء أبو مصعب الزرقاوي المؤسس الحقيقي لتنظيم "داعش”.
وفي هذا السياق، تلقت "جبهة النصرة” صفعة قوية، تمثلت بإعلان الشيخ الأردني سعد الحنيطي انشقاقه عنها والانضمام إلى "الدولة الإسلامية”، علماً أن الحنيطي دخل إلى الأراضي السورية منذ آذار الماضي، واستلم منصباً قضائياً رفيعاً في "جبهة النصرة”، ليعلن، عبر حسابه على "تويتر” أمس الأول، بيعته للبغدادي وانضمامه إلى دولة "الخلافة”. وكانت تقارير إعلامية تحدثت في وقت سابق عن إعلان القيادي في التيار السلفي الأردني أبو محمد الطحاوي عن تأييده وبيعته للبغدادي من داخل سجنه.