مساع سعودية ’خطيرة جداً’ لتصدير نفط المملكة دون المرور بمضيق باب المندب!
محمد كسرواني
في اللعبة الاستراتيجية السعودية، هناك دائماً من عليه دفع الثمن. فلنفوذ هنا أو لإطاحة بحكومة هناك تكون الرياض مستعدة لأن تمول وتسلح عشرات المجموعات التكفيرية. وعندما تصل اللعبة الى "السلاح الاسود” النفط، فلسلطات المملكة عشرات الخطط، حتى لو اضطر الأمر لقلب اوراق دول رأساً على عقب.
مصدر يمني رفيع المستوى يكشف عن مساع سعودية خطيرة جداً تهدف الى فتح مسار جديد للنفط السعودي من أراضي المملكة الى خليج عدن دون المرور بمضيق باب المندب. وتقتضي الخطة بأن يمر النفط بمحافظة حضرموت اليمنية (جنوب المملكة) عبر انابيب عملاقة تمهيداً لنقله مباشرةً الى خليج عدن، حيث تُنشأ مصفاة ضخمة ومرفأ لتحميل السفن مباشرة بالنفط الخام.
ماذا حضّرت السعودية كأرضية داعمة للمشروع؟
ولهذه الغاية، سعت السلطات السعودية لتنفيذ سلسلة إجراءات يصفها المصدر الرفيع المستوى بـ "الخطيرة جداً”. أولى الخطوات تقتضي تجييش ودعم العشائر الحضرمية، "لجعل ولائهم سعودي الهوا”، حسب ما يقوله المصدر.
ويشرح المصدر، في حديث خاص لموقع "العهد” الإخباري، كيف سعت الرياض الى ذلك، موضحاً أن "الفرد اليمني الحضرمي يعتبر - بين اليمنيين - الأوفر حظاً للحصول على الجنسية السعودية”. ويضيف "إن أي يمني من محافظة حضرموت يستطيع بسهولة جداً الدخول الى الارضي السعودية والعمل فيها، وبعد بضع سنوات يحصل على الجنسية، في حين يحتاج الشخص اليمني عموماً والشماليون الذين هم من المناطق التي لحركة "أنصار الله” نفوذ فيها خصوصاً، الى الكثير من "البروتوكولات” الإدارية و”الواسطة” للعمل في المملكة”.
ووفق المصدر، سعت السعودية أيضاً الى تسهيل حركة التنقل لعمال عشائر حضرموت في دول الخليج الفارسی. ويقارب الصورة بقوله "كأن السعودية فرضت على كافة الدول الخليجية ان تساعد الحضرميين، على أنها الكفيل لهم، فهم متمايزون عن كافة ابناء الشعب اليمني. هم بسرعة يُقبلون في الوظائف، رواتبهم عالية نسبياً، ويستثنون بشكل شبه دائم من قرارات الترحيل والنقل، حتى أنهم يحصلون أحياناً على تأشيرات ومساعدات من حكومات تلك الدول”.
من جهة ثانية، يكشف المصدر، في حديثه لـ”العهد”، طريقة اخرى سعت اليها السعودية في التقرب من الحضرميين. ويشير الى أن "الرياض ابتدعت وأنشأت ودعمت ومولت عشرات الجمعيات الوهابية، بمبالغ مالية طائلة بغية دعم وتعليم ومساعدة أهالي وابناء محافظة حضرموت”، ويضيف "فتارةً تفتح لهم معاهد "التعليم الديني” وتعليم القرآن، وطوراً تساهم في طبابتهم وبتقديمها إياهم مساعدات اجتماعية ومالية. ويؤكد المصدر أن "ميزانية تلك الجمعيات تصل الى مئات آلاف الدولارات شهرياً”.
وفي إشارة لافتة، يتحدث المصدر ايضاً عن تقديم المملكة للعشائر آلاف القطع العسكرية الفردية، كلها بذريعة "الدفاع عن النفس” والاستعداد "لحماية المحافظة من التقسيم”. وفيما يلفت الى معلومات استخباراتية كشفت سابقاً عن خروج ما يقارب 5000 قطعة سلاح فردية يومياً (لمدة زمنية فاقت الاسبوع) خلسة من مناطق شمال اليمن الى الأراضي السعودية، يوضح أن "آلاف القطع العسكرية دخلت بالمقابل من المملكة الى محافظة حضرموت”، ومن غير المستبعد أن تكون تلك هي الأسلحة نفسها.
عليه، يعتبر المصدر أن المسعى السعودي الحقيقي وراء نقل السلاح من شمال اليمن الى السعودية فحضرموت لتسليح العشائر، هو لحماية انابيب ومصافي النفط المستقبلية، واستخدام العشائر والأهالي كخطوط دفاع ضد أي تهديد ميليشياوي وعمليات لعناصر "القاعدة”، مذكّراً بأن "القاعدة” في اليمن تتخذ من محافظة حضرموت مراكز مهمة، وتعتبر المحافظة أحد أهم معاقل التنظيم.
كيف ستمهد السعودية لتنفيذ المشروع؟
من ناحية آخرى، يعرب المصدر عن خشيته، من الوعود السعودية المتمثلة بأن مشروع "إغناء الكثيرين” قادم! - في إشارة الى خطة نقل النفط، منبهاً من اشاعات بثها مسؤولون يمنيون مقربون من السلطات في الرياض، في حضرموت عن مشاريع استثمارية سعودية جديدة، في المحافظة لتوظيف ابناء العشائر.
وعن مشروعية الشركات التي ستتولى تنفيذ المخطط، يؤكد المصدر في سياق حديثه لـ "العهد” ان شركات خليجية كبرى تلقت تطمينات يمنية مسبقة بالموافقة على تلزيم المشروع. ويقول إن شركات سعودية ستكون من بين تلك التي ستتولى نقل النفط وبناء المرفأ والمصفاة، وسيكون على ملاكها عمال سعوديون، محذراً من أن بعض العمال السعوديين الذين سيدخلون اليمن كخبراء وعمال في مجال النفط، من المرجح أن يكونوا رجال مخابرات أو أمنيين، وهذا ما يثير قلق المصدر.
المصدر لا يغفل عن فكرة انتقاء العمال اليمنيين للعمل في المشروع، جازماً بأن أغلبهم سيكون من الحضرميين، وتحديداً من أبناء العشائر، التي يصفها المصدر بـ "الفاعلة” في المنطقة. ويرى أن ضم هؤلاء الى ملاك المشروع سيساعد على ترسيخ الولاء اليمني للسعودية، وسيحمي المشروع لاحقاً من اي تضارب أو تخبط.
الكلفة المادية للمشروع والأرباح المالية والسياسية
المصدر نفسه يسهب في سرد مخاطر المشروع الجيوسياسية على المنطقة، يقول "على الرغم من ارتفاع كلفة المخطط المالية فإنه في المقابل سيكون له مردود مادي مرتفع، خصوصاً على سعر كلفة النفط الخام”. ويوضح أن كلفة جرّ النفط وإيصاله الى المصفاة الأساسية هي ادنى بكثير من نقله من المرافئ من البحر الأحمر عبر مضيق باب المندب باستخدام البواخر، لافتاً الى أن المشروع سيوفر على الرياض الكثير، فيما ستكون نسبة اليمن من الأرباح باهضة جداً.
كما يرى المصدر أن مثل هذا المشروع يجب أن يكون يمنياً بامتياز (من حيث التخطيط والإنشاء)، وهو من يعرض نفسه على السعودية لنقل نفطها عبره. ويؤكد ان الهدف السعودي الأخير هو إبعاد ممر النفط الالزامي عندها (باب المندب) عن مناطق الخلاف والصراع في اليمن – التي هي بالأساس جزءاً من بلبلة الوضع فيها.
فلو نفذت الخطة سيصبح للنفط السعودي، بحسب المصدر، طريق بعيد عن شمال اليمن (حيث نفوذ حركة "أنصار الله”) وبعيداً عن سواحل جيبوتي، وبعيداً ايضاً عن سواحل الصومال (حيث تنشط القراصنة البحرية، ومراكز القاعدة).
ويختم حديثه لموقع "العهد” الإخباري بالقول "قد يظهر هذا المشروع الى حد ما بعيد المدى، إلا أن العمل السياسي الاستراتيجي "الوسخ” للرياض مستعد لأن يدفع باليمن اين ما شاء إذا ما اراد تنفيذ مشروعه”، مؤكداً أن "سفن الولايات المتحدة المنتشرة في خليج عدن، ستكون أول "الزبائن” على مصافي النفط، وستكون رحلتها بذلك اقصر الى الدول الغربية”.