الحوثيون ينتصرون مجدداً: حسم معركة التحالفات القبلية في وجه السعودية
ضياء أبو طعام
إلى خارطة اليمن مجدداً:
• محافظة الحديدة الساحلية تحت نفوذ اللجان الشعبية - أي "أنصار الله" - باتفاق مع محافظها "ولو كره الغاضبون".
• محافظة ذمار جنوب صنعاء تحت سيطرة "أنصار الله" مع اكتمال تحالفاتها مع القبائل.
• محافظة إب تفتح ذراعيها عبر وجهائها لـ"أنصار الله" ارتباطاً بالمنفذ البحري في الحديدة وحماية المنشآت الحيوية فيها.
• محافظة البيضاء تشهد طلائع انهيار مقاتلي تنظيم "أنصار الشريعة" التابع للقاعدة أمام الزحف الانتقامي الغاضب لمقاتلي "أنصار الله" بالتعاون مع الجيش اليمني بعد مجزرة ميدان التحرير الانتحارية، والمعارك تنتقل إلى قلب المحافظة بعد السيطرة على شمالها في رداع.
وهكذا، وبعد عمران والجوف ومأرب أصبحت صنعاء محاطة بدرع "اللجان الشعبية" التي تعلن "أنصار الله" أنها رديفة وداعمة للقوات الحكومية اليمنية.
لكن العين الدولية والخليجية متسمّرة على محافظة تعز، ففيها مضيق باب المندب، المدخل المائي الوحيد للبحر الأحمر بعد قناة السويس في شمال القارة الأفريقية. وبحسب المعلومات الواردة من تعز، فإن مخاوف القبائل فيها من تحول محافظتهم إلى مقصد لمسلحي تنظيم القاعدة الآتين من الصومال لتعزيز قوة التنظيم في اليمن يشكّل دافعاً للترحيب باتفاق مع " أنصار الله" على غرار اتفاق "الحديدة"، والدافع نفسه بدأ يطفو على السطح لدى دوائر القرار الغربية وتحديداً الأوروبية التي حرّكت قنواتها الدبلوماسية لحماية خط سفنها التجارية والنفطية. المتحدث باسم الممثلة العليا للشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي مايكل مان حثّ "جميع الفئات والأطراف اليمنية على تمكين الدولة من استعادة السيطرة الكاملة على المؤسسات الأمنية والعامة"، وعبّر عن قلقه "من تصعيد الأنشطة الإرهابية التي يشنها تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، لأن الإرهابيين يعملون ضد إرادة الشعب اليمني ويهددون الأمن والسلم الدوليين".
في نفس الوقت، وبعد غياب، شنت طائرة أميركية من دون طيار هجوماً على نقطة قيادية لتنظيم القاعدة في محافظة شبوة وقتلت قياديا في التنظيم مع بعض معاونيه، وسط "سكون" في الموقف الأميركي حيال اتفاق الحديدة الذي أعطى " أنصار الله" السيطرة على أهم ميناء بحري في اليمن.
خسارة السعودية معركة التحالفات القبلية
قبل أسبوعين تماماً، نقلت صحيفة "القدس العربي" عن مصدر رسمي يمني فضل عدم ذكر اسمه أن "السعودية تتحرك باتجاه ترتيب تحالفاتها مع شيوخ القبائل اليمنية لوقف - ما أسماه - التمدد الحوثي داخل اليمن الذي مثّل صدمة للرياض". وأضافت الصحيفة حينها: "جرت خلال الفترة الماضية مراجعات للموقف في القيادة السعودية، وأن الملك عبد الله قد كلّف خالد التويجري رئيس الديوان الملكي بالتواصل مع عدد من مشايخ قبيلة حاشد وغيرهم ممن حولوا ولاءهم للحوثيين وليسوا على ارتباط أيديولوجي معه".
لكن مسار الأحداث في المحافظات التي تتواجد فيها حاشد وخصوصاً في إب والبيضاء، أظهر بالحد الأدنى إخفاق الاتصالات السعودية في تحفيز القبائل للتحرك ضد الحوثيين، وخصوصاً أن السير في العملية السياسية عبر التوافق على اسم رئيس الوزراء الجديد قد ضمن مشاركة جميع المكونات اليمنية بما فيها آل الأحمر المنتمون لقبيلة حاشد، جنباً إلى جنب مع ممثلي حركة "أنصار الله"، التي بدورها نجحت في كسب شراكة وجهاء القبائل في أكثر المحافظات حيوية داخل اليمن تحت شعار التكاتف والتعاون لحفظ الأمن والتصدي لخطر الجماعات التكفيرية، والأهم أن كل ذلك يتم إلى جانب القوات الأمنية الحكومية من جيش وشرطة
الورقة الأخيرة: تحريك المطالبين بالانفصال في الجنوب
صور التظاهرة الشعبية لـ"أحد أجنحة الحراك الجنوبي" في عدن للمطالبة بانفصال الجنوب، تصدّرت واجهة الصحف الممولة سعودياً. ففجأة، وفي هذا التوقيت بالذات، ومن دون مقدمات، وبعدما بُحّ صوت الجنوبيين طوال عقود من تأثير السعودية في القرار الرسمي اليمني، جاءت وسائل إعلام الرياض لتسلط الضوء على مطلب الإنفصال الذي لطالما تصدت له المملكة ردحاً طويلاً من الزمن.
فإلى جانب صحيفتي الحياة والشرق الأوسط، نشرت صحيفة "عكاظ" مقابلة مع أمين عام حزب الشعب الديمقراطي اليمني صلاح الصيادي قال فيها: "إن على الرئيس عبد ربه منصور هادي إما أن ينتقل إلى عدن وينقل العاصمة معه مؤقتاً إليها كعاصمة يمنية لدولة موحدة، وإما أن يتكاتف مع القيادات الجنوبية السابقة ويعلن عودة دولة الجنوب مع أن هذا الأمر مؤسف...".
مصدر مسؤول في "الحراك الجنوبي" فضّل عدم الكشف عن اسمه قال لـ"العهد": "لقد دأب الرئيس هادي، ابن الجنوب، ومنذ توليه الحكم على شراء ذمم قيادات حزبية جنوبية وصلت إلى بعض الضعفاء في الحراك الجنوبي لكسب ولائهم له بعيداً عن مركزية القرار للحراك الذي يتزعمه الرئيس الجنوبي السابق علي سالم البيض. ويبدو أن هذه الورقة التي لطالما استخدمها الرئيس هادي في وجه مطالب الجنوبيين في الانفصال قد تغيّر دورها في هذا التوقيت، لكنها ورقة ستظل ضعيفة بغض النظر عن الاتجاه الذي تسير فيه ما دام أن القيادة الرسمية للحراك الجنوبي ليست هي صاحبة القرار في التحرك، وهذا الأمر واضح لجميع الجنوبيين الذين لا يمكن أن تخدعهم ألاعيب الخارج الممسك بقرار الرئيس هادي، الذي بدوره فقد شعبيته لدى الشعب الجنوبي منذ زمن بفعل سياساته التي أضرّت بقضية الجنوب وحاولت ضرب وحدة الموقف بشأنها".
وحول فقدان الشعبية، كان مفاجئاً ما نشره الكاتب اليمني "عبد الخالق عطشان" الذي لطالما اشتهر بدفاعه عن الرئيس هادي: "لقد حاول الرئيس أن يستعيد شيئاً من هيبته أو هكذا أوعز إليه (في إشارة إلى تكليفه مدير مكتبه أحمد بن مبارك رئيساً للوزراء)، ليوضع أو يضع نفسه في موقف ينقذه مما وضع نفسه فيه، لكن ما زاده ذلك إلا ضعفاً وافتضاحاً. لم يعد هناك متسع للرئيس في الاستمرار في غض طرفه فقد أصبح كالضرير ويقودنا ويقود نفسه إلى مصير سيئ وآن له أن يتدارك الأمر فيؤثر الرحيل".
ويختم عطشان: "يستغرب بعض القراء من بعض الكتّاب أنهم كانوا يمتدحون هادي في السابق واليوم ينتقدونه، فاليوم أغلب الشعب ساءهم سياسة هادي الاستسلامية، وما انتقاده بعد مدحه سوى امتداد للسخط الشعبي الذي قال بمقولة الشيخ البيحاني: ظننتُ ظناً فخاب ظنّي:: ظننته شيخاً طلع مغنّي".
إذاً، فكل الأوراق التي يمكن استخدامها ضد "أنصار الله": الأمنية منها والسياسية والقبلية والخارجية، قد استُهلكت، والنتيجة: الحوثيون ساروا في رحلتهم القياسية من جبال صعدة المعزولة داخل اليمن، مروراً بمركز القرار في صنعاء، وصولاً إلى مشارف باب المندب المفتوح على العالم. كل ذلك... في سبعين يوماً.