أجندات عدوان فاشلة.. وخطوات تطبيع مذلة
ـ عادل الجبوري
خلال الأعوام الأربعة المنصرمة، حفلت المنابر السياسية، والمحافل الفكرية والثقافية، ووسائل الاعلام الغربية - وبعض العربية - بمفردات ومصطلحات عديدة، لها مقاصد ودلالات ومعان محددة ومحسوبة بدقة، من قبيل، "التحالف العربي"، و "صفقة القرن"، و "الناتو العربي"، و "الشرق الاوسط الكبير".
واذا كان المرور العابر على مثل تلك المصطلحات، يوحي بأن لكل واحد منها خصوصيته، فإن التمعن والتأمل فيها طويلا، يؤكد انها تدور في فلك واحد، وتتمحور على هدف محوري، وتتحرك بمسار محدد لا بمسارات متعددة.
وحتى تكون الصورة واضحة، فإنه من المفيد الاشارة الى ان "التحالف العربي"، أنشئ لاطلاق يد السعودية، ومن يقف وراءها لتدمير اليمن واسكات الاصوات المطالبة بالحرية والرافضة للتبعية والاستبداد والتسلط.
و"صفقة القرن"، هي عبارة عن المخطط الاميركي الذي طرحه الرئيس الاميركي دونالد ترامب، كصيغة لانهاء الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي، بطريقة تضمن وترسخ الهيمنة الصهيونية في مقابل الانهزام الفلسطيني - العربي - الاسلامي.
اما "الناتو العربي"، فهو عبارة عن فكرة انشاء تحالف عسكري بين الدول العربية للوقوف بوجه جبهة المقاومة، التي تبرز فيها الجمهورية الاسلامية الايرانية، ويمثل حزب الله اللبناني، وقوى المقاومة في العراق واليمن وسوريا والبحرين، عناصرها الاساسية والفاعلة.
في حين ينطوي مفهوم "الشرق الاوسط الكبير" على فكرة تفتيت الدول العربية والاسلامية واضعافها، لصالح، تعزيز قوة ومكانة وتأثير الكيان الصهيوني والاطراف التابعة للولايات المتحدة الاميركية في المنطقة.
ولعل الاشارة السريعة لحقيقة وماهية كل مفهوم من المفاهيم الانفة الذكر، يتيح عملية الربط فيما بين الاهداف المقاصد التي يراد من خلالها الوصول اليها.
ولاشك ان المقاربة بين تلك الاهداف والمقاصد، والبيئات والظروف التي تم التحرك فيها، يساهم بقدر أكبر في تحقيق فهم أكبر وأعمق للمخططات والمشاريع الاستراتيجية للقوى الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الاميركية.
وفيما يتعلق بالاهداف والمقاصد، يمكن الإشارة الى مايلي:
- محاصرة واضعاف وتدمير الجمهورية الاسلامية الايرانية، سياسيا واقتصاديا وامنيا ومجتمعيا، عبر الادوات والوسائل المختلفة، وهذا واضح جدا، ولا نحتاج الى البحث والتقصي كثيرا للعثور على أدلة وبراهين ومصاديق لاثباته.
- ارتباطا بالهدف الاول، العمل على انهاء كل الوجودات والعناوين والمسميات، التي تعمل وتتحرك تحت مظلة جبهة المقاومة، سواء كان ذلك في العراق أو سوريا أو لبنان أو اليمن أو البحرين أو في أي مكان آخر، ويكفينا هنا أن نرصد ونلاحق مجمل المواقف والتحركات الاميركية - السعودية - الاسرائيلية طيلة الأعوام الأربعة الماضية، التي أريد من ورائها القضاء على الحشد الشعبي، رغم أنه كان العنصر الحاسم في الحاق الهزيمة بتنظيم "داعش" الارهابي.
ولا تختلف تلك المواقف والتحركات، عما يراد لحزب الله في لبنان، وما يراد لحركة "انصار الله" في اليمن.
- تفتيت وتقسيم الدول العربية والاسلامية التي تشكل خطرا على الكيان الصهيوني والمصالح الغربية - الاميركية، مثل العراق وسوريا ومصر، وان لم يكن ممكنا تفتتيها وتقسيمها، فيصار الى اشغالها بمشاكل وازمات سياسية واقتصادية واجتماعية داخلية متواصلة.
- تهيئة الأرضيات والمناخات الملائمة لتحقيق اختراقات صهيونية - اسرائيلية في الواقع العربي والاسلامي، تمهد لفرض صيغة التسوية التي تريدها "تل ابيب" وواشنطن للقضية الفلسطينية، بدلا من انتظار حصول تلك التسوية اولا، لتكون مدخلا وسبيلا لوصول "تل ابيب" الى مساحات جديدة من العالمين العربي والاسلامي.
ومن دون شك، فإن واشنطن ومعها حلفائها، مثل الرياض و"تل ابيب" وابو ظبي، أحرزت بعض النجاحات، وحققت قدرا من الاختراقات، وفق المعطيات والحقائق والوقائع الماثلة على الارض، من قبيل محاصرة ايران اقتصاديا، واشغال العراق وسوريا بكم من المشاكل والازمات الامنية والسياسية والاقتصادية، وارباك الاوضاع العامة في عدد من بلدان المنطقة، ووصول الصهاينة علنا الى عواصم اخرى غير القاهرة وعمّان، مثل مسقط وابو ظبي والرياض.
بيد ان تلك النجاحات العابرة، لا تعد شيئا ذا قيمة وأهمية في اطار الحسابات الاستراتيجية، في مقابل، نجاح ايران بتجاوز الكثير من الضغوطات، وافشال الكثير من المؤامرات عليها، وفي مقابل اتساع نطاق جبهة المقاومة، وتحقيقها انتصارات كبيرة ومهمة في ميادين متعددة، وفي مقابل فشل العدوان السعودي الى اليمن رغم انفاق أموال طائلة وتوظيف امكانيات وقدرات هائلة، وقد ترتب على ذلك الفشل الذريع، ارتباكات وتصدعات وتخبطات واضحة وفاضحة في منظومة الحكم السعودية، عكست جانبا منها قضية تصفية الكاتب الصحافي السعودي جمال خاشقجي في داخل مبنى القنصلية السعودية بمدينة اسطنبول التركية، بطريقة ساذجة وغبية الى حد كبير.
ورغم أن الولايات المتحدة الاميركية ومعها قوى دولية واقليمية مختلفة، أنقفت مليارات الدولارات، وجندت الكثير من المنابر السياسية والوسائل الاعلامية، والنخب الفكرية والثقافية، الا انها لم تفلح في الانتقال من مرحلة التسويق النظري الاعلامي للمفاهيم والمصطلحات التي اشرنا اليها في بداية هذه السطور، الى مرحلة التطبيق العملي، فالناتو العربي والتحالف العربي، وصفقة القرن، باتت مجرد امنيات بقيت تدور في فلك الاروقة السياسية والمخابراتية والاعلامية، ولم تقترب من الواقع بالمرة.
هذه الحقيقة الصادمة لواشنطن وحلفائها واتباعها، ينبغي ان تكون حاضرة في اذهان من فتحوا ابواب عواصم بلدانهم لكبار ساسة الكيان الصهيوني ومسؤوليه، في سياق خطوات تطبيع مذلة ومهينة لا تنسجم مع مظاهر الرفض الشعبي الواسع - عربيا واسلاميا - للسياسات العدوانية لـ"تل ابيب"، والدعم الاميركي - الغربي لها.
وطبيعي انه حينما نشهد فشلا للاجندات العدوانية، وتطبيعا مذلا من قبل بعض المنهزمين مع الكيان الصهيوني، فذلك يعني اننا نعيش مرحلة انتصار المباديء الحقة، والتوجهات الصادقة، والارادات الصلبة.