الدور التركي بين المراوغة وسياسة المماطلة
حسين مرتضى
تدافعت التطورات السياسية والعسكرية في سورية، عشية التحضير لاجتماعات استانا بين الدول الضامنة، تطورات يجمع بينها الحضور التركي، من أنطاكيا وسائر الحدود التركية السورية، بلوغا نحو حدود المنطقة منزوعة السلاح في ارياف حلب وحماة وادلب واللاذقية، يترافق ذلك مع ضرب صناع القرار السوريين زنارا من النجاحات المتنقلة، كان ابرزها الهرولة العربية لاعادة العلاقات مع دمشق.
السمة الابرز لهذه المرحلة هي المماطلة التركية، والتي تتكئ فيها على تفاهمات واضحة مع الولايات المتحدة الاميركية، انطلاقا من الاعلان عن خارطة طريق في الشمال السوري، ونشر نقاط مراقبة اميركية على الحدود السورية التركية، وتوقيع اتفاق بين الولايات المتحدة من جهة وما تسمى بـ "قسد" من جهة اخرى، لضمان تواجد اميركي طويل في الشمال السوري، على الاقل لمدة سنتين، وكل ذلك مع الاستمرار في التسويف والممطالة التركية، والتهرب من تنفيذ التزاماتها في اتفاق سوتشي، الذي وصلت فيه الى حدود الازمة مع الجانب الروسي، ما دفع الاتراك للهروب الى الاحضان الاميركية، وخلط الاوراق مجددا في الشمال.
وضمن حلبة صراع القوة، تبدو الخارطة من عفرين السوري في ريف حلب الشمالي حتى منبج ومنها نحو الحسكة والقامشلي، في مواجهة اقرار وضع عسكري وسياسي جديد، تحاول من خلاله تركيا، فرض امر واقع على جميع الاطراف، وبالذات على دول الحلفاء الضامنين لاتفاق استانا، من خلال قضم مساحات جغرافية جديدة، بالتوافق مع استمرار واشنطن في زج كل مقومات البقاء لما يسمى بقسد، لحامية مشروعها الخاص في الشمال السوري، مع ضمان انهاء تخوفات الاتراك في تلك المنطقة.
وبالمحصلة، لايمكن النظر الى مايجري في الشمال السوري بعيدا عما يجري في ادلب، وان الجانب التركي من خلال التحضير لعمليات عسكرية جديدة شرق الفرات، لا يسعى الا لكسب الوقت، وتأخير عمليات الحسم العسكرية او السياسية في ملف ادلب، واعادة احياء فكرة المنطقة العازلة شمال سورية، وفتح باب التفاوض حول مناطق جديدة يدخلها، كما حدث اثناء معركة ريف ادلب وهجومه على منطقة عفرين، وهذا ما يدفع المجموعات الارهابية المدعومة من تركيا، من اكتساب نقاط ميدانية جديدة، لاستغلالها في عمليات التفاوض، بالاضافة الى تثبيت واقع ميداني على الارض، وما التحالف مع الولايات المتحدة الاميركية الا ضمن حكم الضرورة الذي تتبعه القيادة التركية، وبحثها عن ركام بدائل، بعد احراجها من الروسي والايراني، فيما يخص مناطق ادلب وارياف حماة وحلب، ومحاولتها لتحقيق اختراق واضح للخروج من الازمة مع الجانب الروسي، عبر ادوات سياسية متاحة، وهي الاتفاق مع الولايات المتحدة الاميركية، في براغماتية سياسية واضحة، لخلط المعادلات الجديدة في الشمال السوري، واعادة تدوير القضايا وبالذات موضوع ادلب.
ويبقى السؤال مفتوحاً، كيف ستُواجه التحركات التركية الاخيرة، من الروسي والايراني، وكيف سينتهي استخدام الاتراك لادواتها في الشمال، وتجفيف الدعم والتمويل والتسليح لهم، وسحب ذرائع المتاجرة بالمناطق التي ستهاجمها في البازار السياسي.
ان المماطلة التركية والقفز نحو ازمات جديدة، تستدعي عدم الانتظار اكثر، وتقضي التحرك السريع من جانب الحلفاء، وان يُقرأ السلوك التركي بلغة الرسائل السياسية، بعيدا عن الذرائع التي تسوقها حكومة العدالة والتنمية، غير المعنية بخطورة ما يحضر في الشمال، والذي من الممكن ان يجر المنطقة الى حرب دولية، وتأزيم الملفات اكثر، وخلق ازمات جديدة وتصديرها، لوقف اي عملية سياسية او حل قريب في سورية، وهذا اصل فكرة التحالف الاميركي التركي، الذي يحاول اغراق اي تحرك سياسي او عسكري بهوامش وتفاصيل جديدة، في واقع ميداني يؤكد على تنفيذ خيار الدولة السورية بانهاء اي احتلال او تواجد اجنبي او من الارهابيين على كامل الجغرافية، لتأتي حكومة انقرة وتحاول الاطاحة بتفاهمات مع الجانب الروسي، وما المماطلة بتنفيذ اتفاق سوتشي، وتنفيذ الحد الادنى منه، الا دليل على ان تركيا ما زالت تستخدم تكتيك التسويف، والالتزام برؤية الولايات المتحدة الاميركية، بأن ادلب هي الفرصة الاخيرة المتاحة لواشنطن لتحقيق مطامعها على حساب وحدة الاراضي السورية، ومنع اي تقدم في العملية السياسية، ومنع الروس والايرانيين للضغط على تركيا للانسحاب من الاراضي السورية.