هل بدأ “يَنفَرِط” عقْد التحالُف السعوديّ- الإماراتيّ بعد مقتل خاشقجي؟
خالد الجيوسي
مُستشار وليّ عهد أبو ظبي "يُغَرِّد مُتمنِّياً” رؤية زميلته العزيزة "الجادّة” المُعتقلة في السعوديّة قريباً والسعوديون بالمِرصاد "يتمنّون” أيضاً رؤية المُعتقلين الإماراتيين.. ثلاث فرضيّات حول أسباب "غياب” الأمير بن سلمان عن لقاء نظيره الشيخ بن زايد
يبدو خط المسير الإماراتي، غير مُتوافقٍ مع الأحداث السعوديّة المُتوالية بعد مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قُنصليّة بلاده على الأراضي التركيّة، أو بالأحرى غير مُرضِيٍ للسعوديين أنفسهم، فبعد أن "غاب” الأمير محمد بن سلمان عن لقاء وليّ عهد أبو ظبي العلني الشيخ محمد بن زايد الذي زار السعوديّة منذ ثمانية أيّام، واستقبله الملك سلمان في قصر العوجة بالدرعية في الرياض، وأكّد الأخير الزائر بحسب ما نقلت عنه وكالة الأنباء "واس″، قوله أنه في خندق السعوديين، لا يبدو الأمر مُطمئناً للسعوديين، إلا إذا كان ثمّة ما يُخفيه الحليفان الخليجيّان الأوثق بينهما، وأرادا ظُهور عدم التوافق بالاتفاق بينهما أمام عدسات الكاميرات، بحسب تقدير أحد روّاد صالون سياسي في الداخل السعودي.
الإعلام الإماراتي هو الآخر، يرمي بين الحين والآخر، مقالات وصفها الإعلام المحليّ السعوديّ بالاستفزازيّة، والمُريبة، فماذا يعني أن تقول صحيفة محليّة إماراتيّة بارزة، أنّ حادثة مقتل خاشقجي، لهِيَ مِثالٌ على سُوءِ إدارة الأزمات، وتقول أخرى تصدر في الخارج بدعم إماراتي، أنّ قتله ليس إلا عبثاً، وتوريط يُضاعف أزمات المملكة، المُتورّطة أصلاً بحرب اليمن، وحصار قطر، وما إلى هُناك من أزماتٍ محليّةٍ شبيهةٍ بالاعتداء على أُمراء وتعذيبهم، وقتلهم، في واقعة ما يُعرف بواقعة "الريتز كارلتون”، والاعتقالات التي طالت أُمراء "النخبة” أو الصف الأول، وعلى رأسهم الأمير متعب بن عبدالله رئيس الحرس الوطني، ورجل الأعمال الوليد بن طلال، تحت عناوين مُكافحة الفساد وما شابه، حسب ما أعلن واعترف الأمير بن سلمان ذاته، ووثّق الفيلم الوثائقي لقناة "البي بي سي” الذي وضع الأخير تحت المجهر، تلك الانتهاكات التي ارتكبت داخل "الريتز″، وبشهادات مُوثّقة علنيّة، وأخرى مخفيّة.
الإمارات يقول ضابط أمني سعودي لرأي اليوم، كان على رأس عمله الاستخباري في التسعينات، ونهاية الألفين، ليست معنيّةً بالمُغامرة بسُمعتها، وحضورها العالمي، كُرمى حليف ويقصد الأمير بن سلمان، لا يلتزم بقواعد الأمان المُتّبعة بين كل من أولياء العُهود بن زايد، وبن سلمان للبلدين، وتحديداً في مُغامرته للتخلّص من خاشقجي بهذه الطريقة الدمويّة البشعة، وإن كان استبعد الضابط المذكور أن تذهب الإمارات بعيداً في التخلّي عن بن سلمان، لكن ثمّة ما يفرض على الإمارات خُطّة الابتعاد رويداً رويداً، إن "اقتضت” مصلحتها.
يذهب الداخل السعودي ومن شخصيات نخبويّة كان لها وزنها في عُهود سابقة استمع لهم كاتب هذه السطور، إلى تحليل "سر” غياب الأمير بن سلمان عن لقاء ولي عهد أبو ظبي الشيخ بن زايد، مع الإشارة إلى أنّ الأمير محمد بن سلمان، كان يبدو في غاية السُّرور، والود، وحفاوة الاستقبال في لقاءات سابقة جمعته أمام العدسات مع ولي عهد أبو ظبي، وهي رسائل سعوديّة كان الغرض منها التأكيد على عُمق هذا التحالف السعودي- الإماراتي، أمام بقيّة دول مجلس التعاون من العماني المُتحالف مع الإيراني وحتى القطري مع التركي، ومُروراً بالكويتي "المُحايد”، فما الذي يكون قد تغيّر بعد مقتل خاشقجي، وما هو "السِّر في غياب الأمير بن سلمان:
الفرضيّة الأولى: أن يكون الشيخ محمد بن زايد قد "اشترط” على السعوديّة خلال زيارته التضامنية لها، عدم لقاء الأمير بن سلمان، ليُقدّم لقيادتها أو "مليكها” دون ولي عهده الدعم، أو كما قال الوقوف في خندق السعوديين، أو تحديداً غير المسؤولين أو المتورّطين في قضيّة خاشقجي، وعلى رأسهم الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي لم يرد اسمه في قائمة الاتهامات لا من قريب أو بعيد.
الفرضية الثانية: أن يكون الأمير بن سلمان قد "تمنّع” شخصيّاً عن لقاء حليفه، لغايات الإحراج، أو الامتعاض، وارتباك الرواية السعوديّة وتخبّطها منذ اختفاء خاشقجي، ووصولاً إلى الاعتراف بقتله، وتقطيعه، وحتى الاعتراف ربّما بتذويب جُثّته بالأسيد مُستقبلاً، وعليه قرّر تجنيب نفسه حرج مُجريات اللقاء التفصيليّة، أو الخوض في تَبعات التخلّي الإماراتي عن التحالف معه في الملفّات السياسيّة التي جمعتهما ما قبل مقتل خاشقجي غير المسؤول.
الفرضيّة الثالثة: قرّرت الإمارات الابتعاد عن حليفها السعودي "علناً” فقط، والتقى بن زايد ببن سلمان خلف الكواليس، واتّفقا على خطّة مُواجهة المرحلة المُقبلة، مع الحرص الإماراتي الدائم على عدم توريطها بشكلٍ أو بآخر بقضيّة المغدور خاشجقي بحُكم تحالفها الوثيق مع بن سلمان.
فيما يبدو، ومن حدّة الهُجوم الافتراضي الذي شنّه السعوديون في العالم الافتراضي على الإمارات في الساعات القليلة الماضية وتحديداً على "تويتر”، بدا للمُراقبين أنّ قرار التخلّي الإماراتي أقرب إلى الواقع منه إلى التخطيط، فها هو مُستشار ولي عهد أبو ظبي عبد الخالق عبدالله، وجّه انتقاداً مُبطّناً لحليفة بلاده السعوديّة، وهو الرجل الذي لا ينطق عن هواه كما يقول مُنتقدوه، بل يُمثّل "تويتريّاً” السياسة الإماراتيّة، وإن كان ينفي الرجل صلته بصُنّاع القرار في بلاده، ويعتبر نفسه أُستاذَاً جامِعيّاً للعلوم السِّياسيّة فقط، وهذا بالفِعل ما يرد في تعريفه لنفسه في حسابه المُوثّق على "تويتر”.
المُستشار عبدالخالق عبدالله غرّد، وأحدث صدمةً سلبيّةً بين السعوديين، ووصفوه بالغادر المُتربّص، واعتبروا تغريدها توقيتاً حسّاساً لما تمر به المملكة بعد مقتل خاشقجي، حيث قال:”صديقة عزيزة وزميلة أكاديميّة جادّة أتمنى أن أراها قريباً”، وأرفق عبدالله مع تعليقه التغريدي هذا صورةً للناشطة الحُقوقيّة البارزة فتون الفاسي، والمُعتقلة في السعوديّة على خلفيّة دفاعها عن قضايا المرأة، وحُقوق النساء، وهي أستاذة في جامعة الملك سعود بالرياض.
التغريدة الإماراتيّة اعتبرها السعوديون شبه رسميّة، لما لمكانة عبدالخالق عبدالله وقُربه من ولي عهد أبو ظبي، فما كان منهم إلا نشروا على طريقته صوراً لنُشطاء مُعتقلين في الإمارات، منهم المهندس أحمد غيث السويدي، والحُقوقي البارز محمد الركن، وعلّقوا عليه بأمنيات شبيهة، بالقول: "رجال أفاضل نتمنّى أن نراهم قريباً”.
هذا التراشق "الافتراضي” السعودي- الإماراتي، يقول مراقبون أنّه غير مسبوق، ويأتي بالتأكيد على خلفيّة مقتل خاشقجي، ومدى بشاعة الجريمة، بل والإخفاق في تنفيذها، وحتى تغطيتها لاحقاً، في أكثر جرائم التاريخ كشفاً، وسذاجة بحسب توصيف صحف غربيّة، وقد يحمل في ثناياه خارطة تحالفات مُختلفة، مع طرح السُّؤال الأكثر حُضوراً في الداخل السعودي، هل يستطيع الأمير بن سلمان الاستمرار في الحُكم بعد تقرير الاستخبارات الأمريكيّة "سي آي إيه” الذي اتّهمه بالمسؤوليّة المُباشرة عن الجريمة وإعطاء أمر القتل، وما هي ردّة فعله في حال كان هُناك قراراً أمريكيّاً بعزله بالسٍّلم أو بالقُوّة عن الحُكم؟