ماذا تريد أمريكا والسعودية وإسرائيل من العراق ؟
د. علي المؤمن
بعد غزوها العراق في العام 2003، شرعت واشنطن بتنفيذ مخططها بالتأسيس لدولةٍ عراقية تابعة لمشروعها في أبعاده السياسية والأمنية والفكرية، وتكون ركيزة أساسية لمنظومتها الشرق أوسطية؛ حالها حال إسرائيل والسعودية. كما خططت أمريكا لنظامٍ سياسي عراقي لصيقٍ بأجنداتها، وديمقراطيةٍ علمانية متغربة تقضي على تأثير الإسلام والتشيع المقاوم في الواقع الرسمي وشبه الرسمي، وتطبق هذه الإجندات حكومات عميلة؛ وإن تشدّقت بالنضال والوطنية في الظاهر؛ ليكون العراق الجديد نموذجاً تعيد أمريكا إنتاجه في سوريا وتركيا وإيران وبلدان عربية وإسلامية أخرى.
ولكن الذي حدث كان مفاجِئاً للولايات المتحدة الأمريكية؛ فقد قوبل مشروعها بواقع إسلامي شيعي عراقي فاعل رافض، يتمثل في أضلاع المثلث الشيعي التاريخي المقاوم: الضلع الثوري، والضلع السياسي، والضلع الديني، والذي قلب الطاولة على معظم مفاصل المشروع الأمريكي؛ ليس في العراق وحسب؛ بل في المنطقة برمتها، وحوّل العراق الى أحد مرتكزات رفض السياسات الأمريكية والإسرائيلية والسعودية في المنطقة، بدءاً من الإصرار على الانتخابات والدستور الدائم، وانتهاءً بصعود الإسلاميين الشيعة الرافضين لتطبيق المشروع الأمريكي في العراق؛ الأمر الذي جعل الواقع العراقي الجديد عرضةً لكل ألوان التآمر السياسي والتخريب الأمني والتدمير الإقتصادي والتسقيط الثقافي من أركان محور الهيمنة الأمريكي الإسرائيلي السعودي. وهذا لايعني أن واشنطن فشلت بالكامل في تحقيق أهدافها؛ لكنها لم تستطع حتى الآن تحقيق أكثر من 20 بالمائة من أهداف مشروعها؛ برغم استخدامها لكل الوسائل غير المقبولة إنسانياً وسياسياً وأمنياً.
أما تل أبيب فقد كانت تطمح لعراق يطبّع معها سياسياً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً، ويرفع علمها فوق سفارةٍ إسرائيلية فاعلة في بغداد، كما هو الحاصل في القاهرة وعمّان وغيرهما، ويسمح لليهود الإسرائيليين بالحضور الى العراق بكل العناوين؛ لكنها فوجئت بممانعة عراقية حقيقية حالت دون فتح ثغرة رسمية وشعبية في الواقع العراقي؛ باستثناء ثغرات صغيرة تحميها أمريكا بكل وسائل الإبتزاز في الشمال العراقي، وهي موجعة للعراقيين؛ برغم صغرها.
بينما ظلت الرياض تخطط لاستثمارات سياسية ومذهبية وايديولوجية في المحافظات السنية العراقية؛ بهدف اختطافها وجعلها حديقة خلفية للسعودية، من خلال جماعاتها وعملائها السياسيين والدينيين، وكذا فتح ثغرات سياسية واجتماعية ومذهبية في المحافظات الشيعية لتشكل جدار حماية لمشروع النفوذ السعودي العميق في مفاصل الدولة العراقية. إضافة الى إعادة تدوير المليارات التي سبق للسعودية أن دفعتها لصدام حسين لتدمِّر بها العراق وإيران. وفضلاً عن أهداف السعودية المشتركة مع أركان محور الهيمنة؛ فإن لها هدفاً ايديولوجياً خاصاً؛ يتمثل في تدمير تجربة المشاركة الشيعية في حكم العراق، وعدم السماح للعراق باستعادة هويته التي تمثلها الأغلبية الشيعية. وهذه الايديولوجيا تنطلق من عقيدة التكفير التيمية الوهابية التي تعدّ الشيعة أو ماتسميهم بالرافضة، كفرة أنجاساً مهدوري الدم. ورغم أن النظام السعودي لايصرح بهذا الهدف غالباً، إلا أنه لايزال يسعى بكل الوسائل الى تحقيقه على الأرض.
بيد أن النظام السعودي تفاجأ ـ هو الآخر ـ بعمق الحالة الإسلامية الوطنية الشيعية التي ترفض حتى رائحة الوهابية أو أي نفوذ للسعودية، كما أنه تلمّس حجم الحساسية الكبيرة والكراهية المتأصلة تجاه العقيدة الوهابية التي تمثل ايديولوجيا مشروع النفوذ السعودي. ولم يستطع النظام السعودي ـ رغم كل وسائل الابتزاز والضغط والدعاية والمال ـ خداع الرأي العام العراقي ببرائته من خلق الجماعات التكفيرية الوهابية ودعمها؛ ليس بدءاً بالقاعدة، وليس انتهاءً بداعش. وإذا استطاعت السعودية أن تحقق بعض الإنجازات في الواقع العراقي؛ فإنما هي إنجازات تخريبية لاتمت بصلة الى الشرف والضمير والإنسانية، وفي مقدم ذلك العمليات الإرهابية وإرباك العملية السياسية وتخريبها من الخارج والداخل، عبر الشخصيات الأجنبية والمحلية التي تنفذ أجندتها.