kayhan.ir

رمز الخبر: 85685
تأريخ النشر : 2018November19 - 19:46

رسائل الجولة الخارجية الأولى للرئيس العراقي


عادل الجبوري

في مقال له، حظي بانتشار واسع في مختلف وسائل الاعلام الالكترونية، تحت عنوان "الاصلاح الداخلي والتكامل الاقليمي"، كتب الرئيس العراقي برهم صالح قائلا "ان العراق يسعى الى بناء أفضل العلاقات مع عمقه العربي والخليجي، والتعاون مع اشقائه في إرساء قواعد حسن الجوار والتكامل الاقتصادي والنهوض الثقافي المشترك، كما تجمع بين العراق والجمهورية الاسلامية الايرانية روابط علاقات متينة، نطمح الى تنميتها وتقوية أسسها لتكون بدورها مثالاً للتعاون من أجل نماء واستقرار المنطقة، وان علاقات متميزة تربط العراق بتركيا تحمل بدورها آفاقاً مفتوحة للتطور، وهذا ما يعزّز فرص سلام ناجز تستحقه المنطقة وشعوبها".

يؤكد الرئيس صالح في مقاله أن "مصلحتنا الوطنية تكمن في حسن الجوار واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، ورفض سياسة المحاور، والتمسك بالدور العراقي المحوري في بناء منظومة أمن إقليمي يستند الى الاحترام المتبادل للسيادة وحقوق شعوب المنطقة، وان التعاون والتكامل الاقتصادي والثقافي والأمني والانمائي، هي مفاتيح أساسية للنهوض بمنطقة الشرق الأوسط برمتها، عبر استبدال لغة الخلاف بالاتفاق، والتناحر بالتعاون، والبناء على المشتركات، قبل الوقوف أمام الخلافات".

ولأن توقيت نشر المقال جاء متزامناً مع بدء أول جولة خارجية له منذ توليه رئاسة الجمهورية في الثاني من شهر تشرين الاول - اكتوبر الماضي، فقد بدا واضحاً أن الرئيس الجديد أراد أن يطلق من خلاله عدة رسائل لمن سيزورهم، وليشرع فيما بعد بترجمتها الى واقع عملي على الأرض. في ذات الوقت ربط الرئيس التكامل الاقليمي بين قوى المنطقة بالاصلاح الداخلي، سواء بالنسبة للعراق أو جيرانه وأشقائه، وفي هذا الشأن يقول "من الممكن أن تكون هذه المرحلة هي البداية الحقيقية لخروج العراق من دوامة أزماته، وبالتالي الاسهام في تجاوز المنطقة بالكامل لأزماتها، والطريق بات أكثر وضوحاً لدى العراقيين نحو الضفة الاخرى، وهو مرتبط بأستحقاقات داخلية، وأخرى خارجية متبادلة مع الأشقاء والجيران ودول العالم، والقيادة العراقية الجديدة في المستويات التشريعية والتنفيذية تمتلك الرؤية الواضحة لمثل هذه الاستحقاقات".

ومع أن الكثير من الجدل والسجال قد أثير حول الجولة الاقليمية المبكرة والسريعة والمكثفة للرئيس العراقي، التي جاءت بعد أقل من شهر ونصف الشهر على توليه المنصب، واستغرقت ثمانية أيام، وشملت كلًّا من الكويت والامارات والاردن وايران والسعودية، الا انه في الاطار العام، كان من المهم أن ينطلق حراك سياسي عراقي على مستوى عال تجاه الفضاء الاقليمي. وبما أن رئيس الوزراء الجديد عادل عبد المهدي، أكد أنه لن يقوم بأية سفرة خارجية قبل انجاز جملة من الأولويات الداخلية الملحة، فإنه من المفيد والضروري جداً أن يبادر رئيس الجمهورية الى المبادرة للتحرك، وبالتالي تهيئة الأجواء والأرضيات والظروف المناسبة، لتعزيز علاقات العراق مع محيطه العربي والاقليمي من جانب، ومن جانب آخر الشروع بحلحلة المشاكل والأزمات، وإعادة بناء الثقة بما يرسخ ويكرس المصالح المتبادلة والقواسم المشتركة بين الأطراف المعنية.

ومن تابع بدقة تفاصيل مباحثات صالح في كل من الكويت وابو ظبي وعمّان وطهران والرياض، لاشك وجد أنه في كل عاصمة من العواصم التي زارها، طرح رسائل قد تكون مختلفة عن ما طرحه في العواصم الأخرى، ارتباطا بطبيعة ومستوى العلاقات التي تربط بين بغداد وكل واحدة من تلك العواصم، وما هو قائم من عقد واشكاليات بحاجة الى حلول ومعالجات واقعية وعملية.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، أكد صالح من العاصمة الايرانية طهران على "ان العلاقات الوثيقة بين الشعبين العراقي والإيراني، أتاحت مجالات منقطعة النظير للعراق وإيران لضمان مصالحهما المشتركة، وذلك في ظل القواسم المشتركة الدينية والثقافية والعقائدية والإرادة الراسخة لقادة البلدين"، مع الاشارة الى عدم قبول العراق بالاجراءات التي تتعارض مع الأمن الإقليمي، والمسببة في تقويض استقرار وأمن بعض الدول، أو إضعافها عبر فرض العقوبات اللاقانونية"، وهذا تعزيز وتجديد للموقف العراقي الرافض للعقوبات الاقتصادية الاميركية ضد ايران.

بينما شدد الرئيس صالح من العاصمة السعودية الرياض على ضرورة التعاون من أجل مكافحة الفكر المتطرف - وهي اشارة ضمنية الى الفكر الوهابي التكفيري - والتعاون الجاد بين مختلف دول للحفاظ على السلم الاجتماعي في المنطقة، وحماية المجتمعات العربية من ذلك الفكر الظلامي المتخلف.

والى جانب رسائل صالح الخاصة بكل عاصمة من العواصم التي جال عليها، فإنه اطلق رسائل عامة تعني وتهم الجميع، من قبيل، رغبة بغداد في أن تكون عامل تفاهم واتفاق لا تقاطع وصراع، وأن تدخل بشراكات حقيقية بناءة بعيداً عن سياسات المحاور والمحاور والمضادة.

ولاشك أن الاطراف الاقليمية التي حرصت على مد جسور التفاهم والتعاون مع العراق منذ وقت مبكر، ستجد في ظروف ومعطيات المرحلة الجديدة فرصة مؤاتية ومناسبة جدا لتعزيز ما تحقق من خطوات ايجابية ومهمة بمختلف المجالات والاصعدة السياسية والامنية والاقتصادية والثقافية، خلال الخمسة عشر عاما المنصرمة، بما يخدم مصالحها ومصالح العراق على السواء.

وستجد الأطراف التي كانت سبباً وعاملاً في عرقلة مسيرة التقدم والاصلاح السياسي والاقتصادي والامني في العراق، نفسها ملزمة بتصحيح سياساتها وتعديل مواقفها، ومغادرة عقد الماضي، والتحرر من مخاوف الحاضر، وتجنب الوقوع بأفخاخ هواجس المستقبل.

ولاخلاف على حقيقة، أن الفرصة الراهنة للانطلاق الى الأمام، وبناء الثقة، تبدو فرصة ذهبية، لابد من استثمارها وعدم التفريط بها، لاسيما وان المخاطر والتحديات كبيرة وكثيرة، بحيث لم تعد شعوب ودول المنطقة تحتمل وتتحمل المزيد من المآسي والكوارث والويلات.

لذلك ينبغي الرد على الرسائل الايجابية العراقية بالأفعال لا بالأقوال فقط.