اجماع اممي على سوريّة الجولان.. ماذا يحمل في طياته؟
عبدالهادي الضيغمي
صوتت الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة وبالأغلبية الساحقة لصالح مشروع قرار يؤكد سيادة سوريا على الجولان المحتل واعتبار كل إجراءات الكيان الإسرائيلي فيه باطلة. فماذا يحمل التصويت الاممي في طياته من دلالات خاصة في ظل الفترة الراهنة التي يمر بها كيان الإحتلال الإسرائيلي المهزوز أساسا.
صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة، الجمعة، بالأغلبية الساحقة لصالح مشروع قرار يؤكد على سيادة سوريا على الجولان المحتل واعتبار كل إجراءات الاحتلال للكيان الإسرائيلي فيه باطلة ولاغية. وحظي مشروع القرار بموافقة 151 دولة فيما اعترضت عليه الولايات المتحدة وربيبها كيان الاحتلال الإسرائيلي فقط، وامتنعت 14 دولة عن التصويت.
فبالرغم من ان هذا القرار لم يكن الأول من نوعه في شجب احتلال الكيان الاسرائيلي لأراضي الآخرين إلا أنه يحمل في طياته أكثر من دلالة من حيث المصادقة والرفض والإمتناع، وكذلك في الفترة الراهنة التي يمر بها كيان الإحتلال الإسرائيلي المهزوز أساسا.
فهضبة الجولان التي إحتلها كيان الإحتلال الائرائيلي في حزيران عام 1967، وضمها الى باقي الاراضي المحتلة عام 1981 لم تذهب أدراج رياح النسيان، ولا الأوساط الدولية تناستها من حسن الحظ حتى الآن. وكان مجلس الأمن الدولي عقد إجتماعا طارئا في السابع عشر من ديسمبر عام 1981، لمناقشة ضم كيان الإحتلال للجولان وأصدر بالإجماع القرار رقم 497 مطالبا الكيان بإنهاء الإحتلال فورا وسحب قواته منه، لتعود الهضبة الى سيادة الدولة السورية.
وما يلفت إنتباه المراقبين في التمييز بين المواقف الدولية الداعمة لعودة الجولان السورية الى سيادة الارض الأم، وخروج أمريكا عن الإكتفاء بالإمتناع عن التصويت في الجلسة الى قرارها في التصويت ضد القرار يعكس الكثير من الأمور التي تستوجب إلقاء نظرة عابرة على اول قرار لمجلس الأمن الدولي بعيد ضم الجولان للأراضي التي يحتلها الكيان حتى الساعة.
فقد اكد مجلس الأمن الدولي في قراره الذي اصدره في 14 كانون الأول/ديسمبر 1981، أن الاستيلاء على الأراضي بالقوة غير مقبول بموجب ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وعليها يعتبر قرار إسرائيل بفرض قوانينها وسلطاتها وإدارتها على مرتفعات الجولان السورية المحتلة ملغياً وباطلاً ومن دون فعالية قانونية على الصعيد الدولي، وعلى كيان الإحتلال، إلغاء قراره فوراً. كما طالب البيان كيان الإحتلال إحترام جميع أحكام اتفاقية جنيف المعقودة بتاريخ 12 آب/أغسطس 1949 والمتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب، لأنها ما زالت سارية المفعول على الأراضي السورية المحتلة من قبل إسرائيل منذ حزيران/يونيو 1967، وعلى الأمين العام للأمم المتحدة ان يقدم تقريراً لمجلس الأمن بشأن تطبيق هذا القرار خلال أسبوعين، ويقرر أنه في حال عدم امتثال إسرائيل، يجتمع مجلس الأمن بصورة استثنائية، وفي مدة لا تتجاوز 5 كانون الثاني/يناير 1982، للنظر في اتخاذ الإجراءات الملائمة بموجب ميثاق الأمم المتحدة.
ويكفي ان يتذكر القارئ الكريم ان كيان الإحتلال الاسرائيلي قام بمصادرة الجولان بعد اكثر من اربعة اعوام من إحتلالها في وقت كان المنطقة ودولها تعيش حالة الصدمة من انتصار الثورة الاسلامية في ايران، حيث قام الاتحاد السوفيتي بغزو واحتلال افغانستان، وحرضت الولايات المتحدة عميلها صدام والمشيخات العربية المطلة على الخليج الفارسي ضد ايران ثورتها الفتية وأقحمته في حرب استنزافية تكاد تأتي على ثروات البلدين لولا سيطرة الجانب الإيراني على الحرب وتصديها لأي تقدم لقوات صدام التي وقفت وراءها كل الانظمة العملية لواشنطن أنذاك.
وفي تلك الظروف وفي ظل انغماس دول المنطقة في مشاكلها، تجرأ الكيان الإسرائيلي المحتل من ضم الجولان، لكن مجلس الأمن -ونقول ذلك من أجل الحقيقة والتاريخ- كان بالمرصاد لكيان الإحتلال الاسرائيلي، واصدر هذا البيان الذي مازال سار المفعول رغم مضي قرابة الأربعين عاما عليه.
واليوم وبعد ان فشلت واشنطن وحسب إعتراف كبار مسؤوليها في تدمير بلدان المنطقة وفي مقدمتها سوريا والعراق وايران من خلال زج الجماعات الإهابية فيها، يعيش كيان الإحتلال مرعوبا مرهوبا من تنامي قوة المقاومة ومديات صواريخها التي لم تترك الصهاينة آمنين في اي شبر من كل فلسطين المحتلة. وقد إزداد الكيان المحتل رعبا بعد ما تصدعت أكثر وزاراته تشددا واصيبت بالإضمحلال، ودفعت بكل الحكومة للتصدع والإنهيار.
أضف الى ذلك ان الشعب السوري وبعد صموده أمام مؤامرة زج الإرهابيين في بلاده، وتحرير معظم اراضيه من براثنهم، أضحى اقوى من أي وقت آخر ولم ينس الجولان المحتلة، وعلى مدى فترة احتلالها لم تهدأ له نائرة، وظل يطالب بتحريرها من براثن الصهاينة، بحيث شهدت الجولان هذه المرة إحتجاجات قلبت كل المعادلات والترتيبات الوضعية التي إفتعلها كيان الإحتلال فيها، وباتت قاب قوسين أو ادنى من لحظة الإنفجار بوجه العدو المحتل.
اجماع اممي على سوريّة الجولان.. ماذا يحمل في طياته؟
واذا ما راجعنا الفقرات التي نص عليها اول قرار لمجلس الأمن ضد احتلال الكيان الاسلائيلي لهضبة الجولان السورية، لوجدناها ترسخ في الأذهان الحالة العدوانية والتوسعية لهذا الكيان الذي ينتهز اي فرصة في ابتلاع واقتطاع اراضي الآخرين، خاصة اذا ما واجه نوعا من التساهل والميوعة في المواقف الإقليمية والدولية.
وتبقى رسالة التصويت الامريكي ضد القرار، أمام إجماع غالبية دول العالم، رسالة واضحة المعالم، خاصة وان ظروف العالم تكشف زيف الإدعاءات والدور الذي تتقمصه الولايات المتحدة بإعتبارها راعية لعملية السلام المزعومة في الشرق الأوسط. لأن من يريد السلام، عليه أن يحترم اولويات السلام قبل غيره، ويكون من طلائع المتحمسين لتشكيل تحالفات لإرساء اسس ومبادئ السلام في المنطقة أو العالم، في حين ان امريكا هي التي تقود أي تحالف عدواني ضد شعوب المنطقة، بل وهي من الداعين لتشكيل مثل هذه التحالفات العداوانية التي لاتحترم الشعوب ولا مصالحها.