هنري كيسنجر والمأزق الاستراتيجي الاميركي المتجدد...!
محمد صادق الحسيني
كاهن الديبلوماسية الامريكية ومخضرمها كان في بكين في الساعات القليلةالماضية بعد غياب عقود في لقاء يعتبرة الخبراء المعنيون في قراءة المتحولات الدولية بانها فاتحة محطة جديدة في العلاقات بين الغرب والشرق.
عندما استقل هنري كيسنجر ، مستشار الرئيس الاميركي ريتشارد نيكسون ، لشؤون الامن القومي في بداية سبعينيات القرن الماضي ، الطائرة من باكستان الى بكين ، للقيام بزيارة سرية ، استمرت من ٩/٧/وحتى ١١/٧/١٩٧١ ، اجتمع خلالها مع رئيس وزراء الصين انذاك ، تشونلاي ، وعدد من المسؤولين الصينيين كانت الولايات المتحدة تعاني مأزقا استراتيجيا مميتا ، بسبب غرقها في الحرب الفيتنامية ، التي لم تكن واشنطن تجد فيها لا طريقا للنصر العسكري ، على الشعب الفيتنامي وثوار الفيتكونغ ، ولا طريقا لوقف هذة الحرب دون تكبد هزيمة ساحقة للولايات المتحدة ، ما يعني هزيمة لها على صعيد الصراع الدولي بينها وبين الاتحاد السوفييتي وحلفائة التقليديين انذاك .
وفِي ظل تلك الهزائم العسكرية ، التي كانت تمنى بها الجيوش الاميركية في فيتنام ، فقد عقد الرئيس نيكسون اجتماعا بينة وبين وزير دفاعة انذاك ، الجنرال اليكساندر هيغ ، ومستشار الامن القومي هنري كيسنغر ، قبل سفر الأخير الى باكستان ومن ثم الى بكين ، لوضع الخطوط العريضة للمحادثات التي سيجريها كيسنجر هناك .
وقد تم الاتفاق في ذلك اللقاء على ضرورة حرص هنري كيسنجر ، خلال مباحثاتة مع المسؤولين الصينيين ، ان لا يظهر ان التوجهات الاميركية التصالحية تجاة الصين الشعبية ستكون على حساب العلاقة الامريكية مع تايوان ، الدولة العميلة لواشنطن والمعترف بها من قبلها ، كما تم التاكيد على ضرورة ان يحاول هنري كيسنجر تعميق الخلاف بين الصين الشعبية والاتحاد السوفييتي .
ما اشبة اليوم بالبارحة . فالمأزق الاستراتيجي الاميركي ملازم لنظام الدولة الاستعماري العدواني ، والذي ازداد عدوانية وتخبطا مع وصول الرئيس ترامب الى البيت الأبيض منذ حوالي عامين ، وها هو مأزق السياسة الاميركية وهزائمها ، في كل ميادين المواجهة في العالم ، تتجدد وتتصاعد . فبعد فشل مخططات واشنطن لاسقاط الدولة السورية وضرب محور المقاومة وبالتالي فرض الهيمنة الاميركية الكاملة على المنطقة العربية ومعها الجمهورية الاسلامية ، وذلك بهدف ضرب الدور الروسي والصيني المتصاعدين ، في اطار عملية الصراع الدولي على إنهاء احادية القطبية التي نشأت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي .
فعلى الرغم من موجات التهديد والوعيد التي يرسلها الرئيس الاميركي بكل الاتجاهات ، والتي كان اخرها فرض عقوبات جديدة على ايران ، فان مسلسل الفشل الاميركي لا يتوقف . فها هي عقوبات ترامب ضد ايران قد فشلت قبل ان تبدأ وها هو النظام المالي الاستعماري ، المرتكز الى الدولار الاميركي ، يترنح تحت ضربات القوى الدولية الصاعدة وعلى رأسها روسيا والصين ، الى جانب تزايد الديون الخارجية الاميركية والتي تمثل مأزقا بحد ذاتها .
إذن فان هذا الواقع يشي بان التهديدات الاميركية غير قابلة للتطبيق وان ادارة ترامب ، ورغم كل الضجيج ، تبحث عن حلول لازماتها ، وكما في عهد نيكسون ، دون ان يبدو ذلك وكأنة تراجع اميركي امام الخصم .
فِي مثل هذة الاجواء قام كاهن الدبلوماسية الاميركية ، مستشار الامن القومي ووزير الخارجية الاسبق ، يوم ٨/١١/٢٠١٨ ، بالاجتماع مع الرئيس الصيني شئ جين بينغ ومع وزير الخارجية ، وانغ يي ، بشكل منفصل ، حيث بحث الطرفان جوانب العلاقة الاميركية الصينية المضطربة .
وذلك تمهيدا لانجاح اللقاء المقرر بين الرئيس الصيني والاميركي ، نهاية هذا الشهر على هامش اجتماع قمة العشرين في الأرجنتين .
اما الرسالة التي نقلها هنري كيسنجر الى القيادة الصينية ، وبعيدا عن ضجيج ترامب وصخب بيتة الأبيض ، فكانت اهم نقاطها كما جاء على لسان المبعوث الامريكي المخضرم فقد كانت كما يلي :
1. ان التعاون الصيني الاميركي يعتبر أساسياً للسلام والتطور في العالم وأنا اقدِّر عاليا الدور الصيني في هذا المجال ويجب على الولايات المتحدة والصين ان يفهم بعضهما بعضا بشكل افضل .
2. يجب العمل على تقوية التعاون الاستراتيجي بين الطرفين كما يجب توسيع المصالح المشتركة بينهما .
3. يجب على الطرفين ان يعملا على ادارة الخلافات واقناع العالم بان ما يجمع الدولتين من مصالح مشتركة هو اكبر من الخلافات .
وهذا يعني ان حقيقة الموقف الاميركي تختلف عن عنتريات ترامب وتهديداتة للصين وغيرها وسياساتة الحمائية التي تزيد التوترات والصراعات الدولية ، سواء على الصعيد الاقتصادي او حتى العسكري .
الامر الذي يعني ان رسالة كيسينجر " الواقعية " كما يسميها اصحاب النظريات السياسية في الولايات المتحدة على وجة الخصوص هي التي تأخذ طريقها حاليا الى التطبيق العملي وليس سياسات الرئيس ترامب .
وقد كانت رسالة الرئيس الصيني الى نظيرة الاميركي اكثر وضوحا وحزما من الرسالة الاميركية ، اذ ان اهم ما تضمنتة هو التالي :
١)ان الصين ملتزمة بسياسة تطوير العلاقات المشتركة مع الولايات المتحدة ولكن على قاعدة الندية والمنفعة المتبادلة ونحن مستعدون لحل المشاكل العالقة بين الدولتين من خلال المشاورات البناءة وعلى قاعدة المساواة والمنفعة
المتبادلة .
٢)يجب على الصين والولايات المتحدة ان يكون لديهما تقييما او فهما دقيقا للتوجهات الاستراتيجية للطرف الاخر .
٣)على الولايات المتحدة ان تحترم خيار الصين في اتباع الطريق الذي تراة مناسبا لتطوير البلاد كما عليها احترام مصالح الصين المشروعه.
اي ان الرئيس الصيني قد حدد مطالبة من الادارة الاميركية بشكل واضح وان بلهجة دبلوماسية ذكية . فهو يقول بان الصين ترفض اي إملاءات خارجية كما انها ترفض اَي سياسات تضر بمصالح الصين المشروعة . وهو بذلك يشير الى مصالح الصين في بحر الصين وفِي عدم التلاعب بموضوع جزيرة تايوان ويطلب التزام الولايات المتحدة بسياسة صين واحدة تكون تايوان جزءا منها وليست دولة انفصالية مستقلة كما ترغب بعض الاوساط الامريكية .
إذن فان الرئيس الصيني بذلك يكون قد ابلغ الكاهن كيسنجر بان عصر الإملاءات قد ولى الى غير رجعة وان الصين لن تتعامل مع واشنطن على غير قاعدة الندية حتى يقضي اللة أمرا كان مفعولا .
بعدنا طيبين قولوا الله