kayhan.ir

رمز الخبر: 8509
تأريخ النشر : 2014October15 - 20:09

أمريكا والمناطق العازلة .. وفن الإغراء والإغواء

حسن شقير

لماذا ترفض أمريكا المنطقة العازلة والحظر الجوي على الحدود السورية مع تركيا، في حين أنها شجعت وباركت إقامتها في الجولان السوري المحرر ؟

سؤالٌ لا بد من الإجابة عليه وفق الرؤية التي نعتقدها، من مشروع أمريكا والكيان الصهيوني في المنطقة .. والتي – مع الأسف – تثبت الوقائع يوماً بعد يوم، أن أوان تنفيذها، قد أضحى فعلا ً واقعاً على الأرض .

عندما افتعلت الحرب في سوريا وعليها، كانت المعادلة التي تحكم يوميات الحرب هناك، وذلك بفعل تفاهم ضمني بين الدول الممسكة والداعمة لأطراف النزاع فيها، تتلخص في عدم جواز اللعب تحت الحزام، وبالتالي يُحظر على الجميع في الداخل، وكذا في الخارج، أن. يتخطوا الخطوط الحمراء التي فرضت نفسها بقوة في هذه المرحلة من عمر صراع الأمبراطوريات المتراجعة والصاعدة، وكذا في زمن اللانظام الدولي، و إعادة صياغته من جديد

ضمن هذا السقف، عبثت أمريكا وحلفائها القدامى والجدد، في سوريا والمنطقة برمتها، لا بل أن محطات الصراع التي انطلقت، مع بداية الحرب على سوريا، تُثبت أن أمريكا، كانت بين الفينة والأخرى – وبفعل ذرائع متعددة – تختبر تلك المعادلة، ومدى استمرارية المحور المقابل لها في التمسك بها والوقوف عندها، والشواهد على ذلك كثيرة

لم تكن بدعة المناطق العازلة، الجديدة – القديمة، تحيد عن تلك الإختبارات الأمريكية، سواء بشكل مباشر منها، أو عن طريق حلفائها، كما هو الحال مؤخراً مع تركيا … إلا ّ نموذجاً وتجسيداً لفحص الجاهزية والمبدئية لدى كل من محور الممانعة وروسيا وباقي الدول المساندة

أطلقت تركيا بالون اختبار المنطقة العازلة في فضاء الأزمة السورية .. ولم تكد تمضي أيام قلائل، حتى انجلت الغبرة، عن موقف إيراني وروسي، جلي وواضح … وذلك تذكيرا ً بالمعادلة أعلاها، لا تلعبوا تحت الحزام، ولا تتخطوا الخطوط الحمراء .

هذان الموقفان، الإيراني والروسي، رسما من جديد حدود الصراع في سوريا، ومن حولها … وبما أننا كنا منذ البداية، ندرك أن المشروع الحقيقي لأمريكا في المنطقة – إضافة إلى المنافع الأمريكية المباشرة وغير المباشرة –، يتمثل أولا ً في حماية الكيان الصهيوني، ولفترة مدديدة من السنين والعقود … فلأجل ذلك، لم يكن مسموحاً لأحد في ذاك التحالف الأمريكي، والذي يرفع شعار محاربة الإرهاب في المنطقة، أن يعرقل أو أن يتجاوز ما رسمه ديمبسي في أخر زيارة له إلى الكيان الصهيوني … وما تمخضت عنه تلك الزيارة من رسم لهوامش الحركة لدى كافة دول الإلتحاق العربي والإسلامي، على حد سواء .

إذا، ومن اليوم الأول اعتقدنا أن مشروع أمريكا في سوريا، والذي كشف عنه ديمبسي، وتطرقنا إليه في مقالة " ديمبسي يكشف مستور التحالف في المنطقة "، يتمثل في تفتيت سوريا، وتقسيمها كأمر واقع، يستجد لاحقاً في مرحلة جديدة من مراحل الحرب على الإرهاب، والذي يتمثل في الرهان على ملء فراغ الدواعش المنزاحة، من قبل " المعارضين المعتدلين "، وتشكيل الإطار السياسي والعسكري لهؤلاء … وقد فصلّنا باقي المخطط في تلك المقالة ..

من هنا فإن مشروع المنطقة العازلة التركية، يتخطى معادلة الخطوط الحمراء، وينسف خيوط التفاهم الأمريكي – الصهيوني، التي نسجها ديمبسي لحماية الكيان الصهيوني، حيث يُفضّل هذا الأخير " الأحزمة المُستنزِفة " لضرب الثلاثيات الذهبية، ونماذج حزب الله في المنطقة .. وقد تطرقنا لها أيضاً في مقالة " ثلاثيات التهديد .. وأحزمة الإستنزاف " .

مؤخراً، زاوجت أمريكا بين مشروعها المشترك مع الكيان الصهيوني، والمشروع التركي في سوريا والمنطقة، حيث أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، عن انتهاء الخلاف مع تركيا بشأن المنطقة العازلة والحظر الجوي على جزء من الأرض السورية … وذلك عبر قبول تركيا بالتخلي – ولو ضمنياً – عن هذه الفكرة المفجّرة للخطوط الحمراء، وذلك لصالح فكرة تدريب المعارضين المعتدلين على الأراضي التركية، وذلك في مساواة أمريكية لتركيا بالسعودية، والتي هي في الضفة الثانية من التحالف حولها

السؤال البديهي : ما الذي يمكن أن تكون قد وُعدت به تركيا، لقاء تخليها عن مشروعها الأساس ؟ وهل يمكن لتلك الوعود أن تلبي طموح أردوغان، وإعادة الإعتبار لمصداقيته، ولمصداقية مشروع الإخوان الذي تعثر في المتطقة ؟

لا شك، أنه وقبل محاولة استشراف ذلك، لا بد أن نذّكر أن السعودية التي وافقت على دخول التحالف الأمريكي، وقبلت بمشروع تدريب من تصفهم بالمعارضين المعتدلين … كانت – وخلافا ً لما يعتقده كثر – قد استحصلت على وعد أمريكي جازم بعدم جعل الحرب على داعش، نافذة جديدة في إعادة تعويم النظام السوري وتجديد " شرعيته " في أي حال من الأحوال .. هذا فضلا ً عن الخلفية السياسية والعسكرية لتلك القيادة التي تحدث عنها ديمبسي، ومواطن ولاءاتها الفعلية

ما نعتقده فعلاً، من أن أمريكا التي أرجعت النار إلى تحت رماد الأزمة المستعرة ما بين قطر وباقي الدول الخليجية، وذلك ببعض التنازلات المتبادلة بينهما … وذلك خدمة للمشروع الأم في التحالف .. هي نفسها أمريكا التي دوزنت – ولو على الورق لغاية اليوم – المصالح التركية والسعودية في الكعكة السورية المفترضة … وذلك بشكل لا يتعارض مطلقاً مع النصيب الأكبر والأوفر لها وللكيان الصهيوني فيها

إذا، وتأسيساً على ذلك، ستبدأ النقاشات الأمريكية – التركية – السعودية، العتيدة في الاتفاق على الحصص السياسية والعسكرية للمنتج المعارض بحلته الجديدة، وبعيدا عن حلة الإئتلاف اليوم، والذي تبدو أنها قد دخلت في عصر الأفول … تمهيداً لإعادة صياغتها من جديد بين هذه الأطراف الثلاث، ووفقاً لما تفتضيه مصلحة الثالوث أعلاه .

اعترضت تركيا على ازدواجية التعاطي الأمريكي للمناطق العازلة في سوريا، ففي حين أن الكيان الصهيوني قد أسهم بشكل رئيس في إقامة الإرهابيين للمنطقة العازلة في الجولان، ومن ثم حمايتها صهيونياً، ومدها بمقومات الصمود والإنعاش، لا بل والتمدد أيضاً … الأمر الذي لم تقبل به أمريكا على الحدود السورية – التركية .. وذلك لغاية اليوم !!!

ما نعتقده أن التبريرات التي ساقتها واشنطن تفيد، أن الإختلاف يقع في تلك المنطقتين على الحدود السورية، يكمن من خلال الموقع الجغرافي والأهداف التي توضع لكليهما .. ففي حين أن المنطقة العازلة في الجولان، لا تصلح لأن تتحول إلى دويلة سورية، يُنصّب لها قادة سياسيين وعسكريين .. ومن ناحية أخرى فإنها لا تتخطى في أهدافها، إفشال ووأد الثلاثية الذهبية على الحدود السورية مع الكيان، هذا فضلا ً عن تحويلها إلى حزام أمني يستنزف هذه الثلاثية، والتي ستسعى على الدوام للتماس مع هذا الكيان، وألا ّ تعيش – أي هذه الثلاثية – الاستقرار أبداً، و حتى لو بقيت في مواقعها الخلفية

العكس تماماً هو الذي ساقته على ما يبدو أمريكا في تبريراتها لتركيا، وذلك من حيث الموقع الجغرافي المؤهل لإنشاء.

الدويلة الموعودة، والتي يمكن – بحسب الإغراء الأمريكي -، أن تكون لتركيا الحصة الوازنة فيها .. إن هي سارت بالركب الأمريكي، وهذا الذي يبدو أن الإتفاق مع تركيا قد أنجز حوله، ولتترك التفاصيل للوفد العسكري الأمريكي القادم إلى تركيا قريباً .. فالمنطقة العازلة بحلتها التركية، يمكن تشذيبها وجعلها تحقق المطلوب منها لاحقاً، دون أن تتجاوز الخطوط الحمراء مع روسيا ومحور الممانعة، والتي ربما تفتح الصدام معهم، وهذا ما لا ترغبه أمريكا بالتأكيد، ولأجل ذلك، تسعى أمريكا لإقناع تركيا بأن الأهداف الكبرى لتركيا من خلال إقامتها تلك المنطقة، ستتحقق لاحقاً بأيدي سورية، بدلا ً من أن تكون أطلسية أو حتى تركية .

خلاصة القول، لقد أثبتت التطورات المتسارعة في المنطقة، أن أمريكا لا تزال قادرة على إدارة الخلافات بين دول التحالف من حولها، وذلك عندما تكون القضية متعلقة بالمصالح الأمريكية في المنطقة، أو حتى بالأمن الصهيوني، وآن هامش الحركة لضفتي التحالف من حولها، يتوقف عند المس بأي منهما … أما ما دون ذلك، فهو مسموح …لا بل ربما يكون مرغوبا أيضاً …فهي تتقن فعلا ً فن الإغراء والإغواء على حد سواء.

ماذا وراء عرقلة وصول السلاح الإيراني إلى لبنان؟

روزانا رمّال

عندما تعترض الولايات المتحدة على أيّ مسألة في الشرق الاوسط يعني أنّ "إسرائيل” هي التي تعترض. عندما تتحدث الولايات المتحدة عن خطر إيراني يعني أنّها تتحدث بلسان "إسرائيل”. عندما تتعرقل صفقات تسليح الجيش اللبناني التي ليست تحت العين الاميركية، يعني أنّ "إسرائيل” هي التي تعرقل.

وعلى اية حال، ليست المرة الاولى التي تتدخل فيها الولايات المتحدة سريعاً للتخريب على أي مساعدة او هبة مقدمة إلى الجيش اللبناني، والحديث اليوم عن الهبة الإيرانية التي وجد فيها اللبنانيون كغيرها من الهبات فسحة أمل بعد القلق الذي ساد من ضعف الإمكانات والقدرات العسكرية لدى الجيش اللبناني للدخول في معركة حساسة كهذه.

الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني كان قد أعلن في زيارته إلى بيروت انّ الهبة ستصل سريعاً…

لماذا الاستغراب إزاء اعتراض نتنياهو وكلامه الأخير أمام الجمعية العامة للامم المتحدة، الذي كان مفاده انّ إيران المسلحة نووياً ستمثل خطراً أكبر بكثير على العالم من مقاتلي "داعش”، وعليه إذا كانت إيران أخطر من "داعش”؟ فكيف ستسمح الولايات المتحدة ان يصل هذا السلاح غير المشروط الى لبنان عبرها…؟

في الواقع انّ ما وراء محاولات العرقلة الاميركية لوصول السلاح الإيراني إلى الجيش اللبناني أكبر بكثير من مسألة محاربة إرهاب او تركه يتمدّد، وهو لا يتعلق بمنع الجيش من قتال "داعش”، أو خوض هذه المعركة بدليل أنّ السلاح عبر غير إيران وحلفائها مسموح بغضّ النظر عن ماهيته، كما انّ الهدف من العرقلة ليس حصر التسليح بأميركا او بحلفائها من عرب او غرب، او حتى منع التواصل مع إيران على أهمية كلّ هذا…

انّ قبول مرور السلاح من ايران الى لبنان بالنسبة للأميركيّين ومن ورائهم "الإسرائيليين” يعني الآتي:

أولاً: انّ تسليح الجيش اللبناني بهذه الطريقة المجانية وغير المشروطة قد يكون مقدمة لفتح قناة دائمة مع الوقت بين الجيش اللبناني وبين إيران، وبالتالي حصول الجيش للمرة الأولى على سلاح نوعي يزعج "إسرائيل”…

ثانياً: انّ وصول سلاح نوعي للجيش اللبناني للمشاركة في معركة مكافحة الإرهاب هذه تحت عين كلّ من يعنيهم الأمر من دول، يعني تسليط الضوء أكثر على سوق السلاح الإيراني حول العالم ولفت الأنظار حول ما سترسل وماهية الأعتدة وطبيعتها وصناعتها، ومستوى التطور التكنولوجي فيها، وهذا فيه من الضرر ما يكفي للسلاح الاميركي الذي تسعى واشنطن الى فتح أسواق جديدة له، والتي لطالما استغلت شعوب الشرق الاوسط ونكباتها لبيعه.

ثالثاً: وصول السلاح للجيش اللبناني يعني تقويته، وهذا ما كان مرفوضاً منذ عقود على الرغم من الأصوات التي تعلو دائماً في وجه حزب الله داعية إياه الى التنحّي جانباً، وترك أمر السلم والحرب بيد الجيش اللبناني، إلا أنّ أحداً من أصحاب هذه الأصوات لم يسع الى العمل على تقوية الجيش اللبناني، أقله لإسقاط الحجة أمام حزب الله بالمعنى السياسي، وهذا فيه ما يؤكد أنّ هناك من لا يريد تسليح الجيش اللبناني ولو بالمجان كما يحصل اليوم، وكما حصل في كلّ مرة حاولت فيها أي دولة إرسال سلاح نوعي إلى الجيش، لأنّ وجود جيش قوي كبير ومنظم يلتفّ حوله اللبنانيون بإجماع على الجبهة ضدّ "إسرائيل” هو امر مرفوض تماماً.

رابعاً: انّ اي مساعدة إيرانية للجيش اللبناني ستشكل حتماً حالة من الالتفاف الشعبي والامتنان اللبناني لهذا البلد الذي قدم المساعدة، والذي يُعتبر بالنسبة إلى "إسرائيل” وأعوانها داعماً للارهاب، وهذه الحالة أخطر ما يمكن ان يطرأ على النسيج الداخلي اللبناني بالنسبة إلى الولايات المتحدة وحلفائها داخل لبنان وخارجه.

يبدو جلياً أنّ محاولات العرقلة الأميركية ستستمرّ مهما كان الثمن، هذا ما تحدثت عنه المصادر المتابعة، فاللغة الاميركية الحادة تدلّ إلى انّ هذا الملف مصيري بالنسبة إلى الاسرائيليين ولا يمكن ان يمرّ من دون ان يرتب على لبنان تبعات مباشرة.

وعليه… من غير المستبعد ان تسارع الدول التي عرضت على لبنان مساعدة جيشه إرسال الدعم له… هذا الجيش الذي تنتظره استحقاقات كبرى في معركته ضدّ الإرهاب الذي يجتاح الشرق الاوسط.

صحيفة لبنانية