’الذئاب المنفردة’.. هل تتمكن أوروبا من مواجهتها؟
محمد محمود مرتضى
يُطلق اسم "الذئاب المنفردة" على أهم وأصعب التشكيلات الأمنية؛ حيث يتولى شخصٌ واحدٌ تنفيذ العمليات.
تتميز عمليات "الذئاب المنفردة"، بأنها غير تقليدية؛ لأنها عشوائية، ولا تعتمد على مركزية قيادية، وهو ما يشكل تحديًّا صعبًا أمام أجهزة الاستخبارات لكشف المنفذين.
عانت أوروبا من الذئاب المنفردة لتنظيم "داعش" الإرهابي؛ الذي مرر كثيرًا من عملياته للعواصم الأوروبية عبر هذه الاستراتيجية، نظرًا للتشديد الأمني وصعوبة تنفيذ عمليات تقليدية جماعية، وسهولة اختراقها للمجتمعات الأوروبية عبر شبكات الإنترنت. ولذا أصبحت الذئاب المنفردة هي الوسيلة المناسبة لاختراق القبضة الأمنية ووكالاتها الاستخباراتية.
ركز "داعش" على "الذئاب المنفردة" لعدة عوامل، أهمها تراجع التمويل في التنفيذ، وصعوبة الملاحقة الأمنية والاستخباراتية.
لم تكن سياسة "الذئاب المنفردة" حديثة العهد، فقد استخدمتها حركة "طالبان" في أفغانستان ضد الاتحاد السوفياتي في تسعينيات القرن الماضي، وكان أبرز المنظرين لها أبو مصعب السوري، ثم تطورت هذه الآلية مع تسخير الثورة الرقمية لخدمة أهدافها.
رغم تطور الجماعات الإرهابية في استخدام استراتيجية الذئب المنفرد لتنفيذ عملياتها خارج أماكن سيطرتها، وتصدير هجماتها حول العالم، فإنها لم تكن الجماعات الأولى أو الوحيدة التي تستخدمها. فعلى سبيل المثال لا الحصر، في عام 2010 ارتكب الإرهابي النرويجي اليميني المتطرف "أندرس بهرنغ بريفيك" أعماله الوحشية التي تستهدف أنصار الجناح اليساري والأحزاب السياسية، فبعد تفجير سيارة مفخخة خارج مبنى حكومي في أوسلو، فتح النار على معسكر صيفي نظمته رابطة شباب حزب العمل النرويجي.
لكن السؤال الأهم دائما والذي يطرح نفسه هو: كيف يمكن أن يتحول الفرد إلى ذئب متطرف؟ وفق عدة دراسات أجريت على "الذئاب المنفردة"، تم رصد عدة عوامل تحفيزية تدفع الفرد للتحول منها: تحديد الهوية الاجتماعية والدينية والتفاعل الاجتماعي، والأسرة والصديق والوضع الاجتماعي الاقتصادي، والخلفية الإجرامية لكثير من الذئاب، والخلط ما بين الإحباطات الشخصية مع الأيدولوجيات المتطرفة، وإلقاء اللوم على البيئة الخارجية في خلق مشاكل خاصة بهم (فقدان العمل، أزمات مالية، والاكتئاب).
الا أن هذا التشخيص يبدو ناقصاً اذ ركز على العوامل السيكولوجية والسوسيولوجية لكنه تجاهل عوامل أخرى ترتبط باطلاق اليد للفكر الوهابي بالانتشار وتسلمهم للكثير من المساجد في أوروبا.
يعتبر الإنترنت واحدًا من أهم العوامل المعززة لتطرف الأشخاص، إذ تمكن الشبكة العنكبوتية الذئب من التواصل مع الآخرين الذين يتشاركون المواقف والأيديولوجيات؛ حيث يمكن للأشخاص الذي يملكون قابليات للتحول الى التطرف، تعزيز آرائهم والتعبير عن شكاواهم واحتمال إحساسهم بأنهم جزءٌ من مجموعة أو قضية..
ولأهمية الإنترنت في تعزيز عمليات الذئب المنفرد، نشر تنظيم "داعش" كتاباً بعنوان "المبادئ التوجيهية للسلامة والأمن من أجل مجاهدي الذئاب المنفردة" والذي تضمن عددًا من نصائح التنظيم للمتعاطفين معه وذئابه المنفردة، من أجل الإفلات من القبضة الأمنية. فعلى سبيل المثال لتلك النصائح والإرشادات، منع اللباس الديني، وتفضيل الملابس المدني المشابهة للعوام من الناس، منع ارتداء الساعة في اليد اليمني، استبدال تحية الإسلام "السلام عليكم" بتحية أخرى على حسب المكان الذي يوجد به الذئب، تفضيل لبس سلسلة عليها السيد المسيح أو الصليب مرسومًا، إذا لم يكن اسم الذئب إسلاميًّا.
تمتلك عناصر "الذئب المنفرد" خصائص فردية، حيث تعيش في ملابس مدنية. قد يكون المهاجم قريبًا أو صديقًا ويتجنب الفرد الاتصال الخارجي بالتنظيم الأم. وهذا يزيد من صعوبة قيام أجهزة الأمن والاستخبارات بتحديد واعتقال مهاجم الذئب.
أدخلت الثورة الرقمية مزيدًا من التعقيد والتشابك على تتبع العمليات الإرهابية ومرتكبيها، إذ أنها تشكل عالمًا افتراضيًّا يصعب ملاحقة الإرهابيين فيها، كما أنه يمثل مناخًا خصبًا للشباب في التزود بالمعلومات عن العمليات المنفردة، فلم يعد "الذئب المنفرد" يذهب إلى ساحات المساجد أو التقرب لأحد شيوخ التطرف والتشدد، وإنما أصبح له شيخ إلكتروني يمكن من خلاله استلهام الأفكار المتطرفة، وتلقي المساعدة في كيفية التدريب والتنفيذ، كل ذلك دون الاحتياج لأحد.
يرتكز دور الاستخبارات في تحجيم توسع "الذئاب المنفردة" وبخاصة داخل الاتحاد الأوروبي، عبر مكافحة التنظيم ميدانياً وإلكترونيا، وتتمثل المواجهة الميدانية، في المراقبة والتشديد الأمني حول العائدين من أرض الميدان في سوريا والعراق، وتتمثل المكافحة الإلكترونية حول البرامج السيبرانية لمواجهة الدعاوى الإرهابية لتجنيد أو صناعة "ذئاب منفردة" عبر شبكات الإنترنت.
أيقن الاتحاد الأوروبي بجميع مجالاته الاستخباراتية ضرورة مراقبة المحتوى للتنظيمات الإرهابية على شبكات الإنترنت، والعمل على إزالته. الأمر الذي دعا شرطة اليوروبول لإنشاء وحدة سيبرانية خاصة بإزالة المحتوى الإرهابي تسمى بـ"وحدة الإحالة".
تختلف وكالات الاستخبارات في آلية العزل والحماية من خطر العائدين، ولكن تتشابه جميعها في الاحتمالية الكبرى لتحول العائدين لذئاب تهدد الأمن القومي.
تواجه وكالات الاستخبارات تحديًّا أمام تهديد الذئب المنفرد، ولم تستطع حتى الآن تقديم سياسة فعالة لمواجهته، ما يحتم التنسيق مع أجهزة الدولة الأخرى لا سيما ممن لهم باع طويل في مكافحة الارهاب كسوريا وايران وغيرهما.