بين الدور الحيادي وناقل الأفكار الأميركية: جير بيدرسون مبعوث أممي جديد إلى سوريا
حسين مرتضى
من كوفي أنان الى الاخضر الابراهيمي وصولا الى ستيفان دي مستورا، ينتقل قريبا الملف الدبلوماسي الاممي حول سوريا الى الدبلوماسي النرويجي، يأتي ذلك على وقع اشارات ايجابية اقليمية دولية استجدت، ومواقف تبدلت، بعد انتصارات الجيش السوري، تلك الاشارات قد تساهم في دفع مهمة المبعوث الاممي الى سوريا قدما. وأمام هذه العناوين تبقى تفاصيل مُهمة امام بيدرسن يجب اخذها بالحسبان، وبالذات الاخطاء التي وقع فيها دي مستورا اثناء ادارته الملف، وهي بأهمية المهمة الموكلة اليه.
المبعوث الجديد للامين العام للامم المتحدة الدبلوماسي النرويجي جير بيدرسون ولد في النروج عام 1955، وبين 1998 و2003، شغل منصب ممثل النرويج لدى السلطة الفلسطينية. وكان ممثلاً للأمم المتحدة في لبنان بين عامي 2005 و2008، كما شغل منصب مندوب بلاده لدى الأمم المتحدة بين عامي 2012 و2017، وعمل سفيرا لبلاده في جمهورية الصين، وشغل قبل ذلك منصب المدير العام لإدارة الأمم المتحدة والسلام والشؤون الإنسانية، في وزارة الخارجية النرويجية، واكتسب الدبلوماسي المخضرم بيدرسون كما تصفه الصحف الأوروبية، خبرته الدبلوماسية قبل 25 عاماً عندما كان عضواً في الفريق الذي تفاوض سراً على اتفاقيات أوسلو بين السلطة الفلسطينية والكيان الاسرائيلي. واستطاع الامين العام للامم المتحدة الحصول على موافقة الدول الدائمة العضوية في مجلس الامن على الاسم، وقبلها كان التشاور الواسع عند اتخاذ هذا القرار، مع حكومة الجمهورية العربية السورية، التي لم تعترض عليه، بعد ان عرض الامين العام عدة اسماء على الحكومة السورية قوبلت بالرفض لاسباب كثيرة، ومن الاسماء التي عرضت على الدولة السورية ولاقت رفضا قاطعا، وزير الخارجية الجزائري السابق، رمطان لعمامرة بالاضافة الى المنسق الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف، الذي واجه اعتراضات من قبل دمشق فضلا عن فيتو روسي، والمبعوث الأمم الخاص للعراق يان كوبيتش.
مهمة المبعوث الجديد جاءت بعد ان كرّست استقالة دي مستورا واقعاً لمهمة اي دبلوماسي يصل الى هذا الملف
مهمة المبعوث الجديد جاءت بعد ان كرّست استقالة دي مستورا واقعاً لمهمة اي دبلوماسي يصل الى هذا الملف، وهي ان الجميع لا يعول على مهمة المبعوث الاممي، لأن عمله هامشي يبقى ضمن حلبة الكباش السياسي الخاص بسورية، ولا يقاس عليه كون المعركة الحقيقية في مكان آخر، وبالذات في انهاء وجود المسلحين في ادلب والمنطقة الشرقية، ضمن معركة عسكرية وامنية، تفرض فيها دمشق والحلفاء ايقاعا خاصاً على اي حراك سياسي، وكون بيدرسن سيتابع ما بدأ به دي مستورا، من المفروض ان يكون اكثر ليونة مع الملفات التي كُلف بها وبالذات، ملف اللجنة الدستورية، الذي تعتبره الحكومة السورية ملفاً سيادياً، وما يتعلق بوحدة الاراضي السورية، وبالاجمال فإن الرجل جاء في مهمة لم يستطع قبله كوفي عنان ولا الاخضر الابراهيمي ولا حتى دي مستورا، أن يفعلوا شيئاً يذكر، كونهم كانوا يتعاملون مع الملف من باب المنفذ الامين لما يريده الغرب، على اعتبار ان خيوط اللعبة الدولية معلقة بأطراف الاصابع الامريكية ومن حالفها من دول.
المبعوث الجديد الذي سيحل مكان ستيفان دي ميستورا، عليه ان يعي تماما ان المشاريع التي حاول سلفه إمرارها، هي جزء اساسي من فشل مهمة دي مستورا، وأن ما يجب ان يتحلى به هو الالتزام بمهامه كمبعوث اممي، وليس ناقلاً للافكار الامريكية، والمشاريع الغربية، وان لا يخرج عن نص المهمة المكلف بها، والافضل ان يمارس دبلوماسيته بعيداً عن الضغط السياسي، في ملف كُتبت فصوله السياسية على إيقاع الجيش السوري، وضُبطت حدوده ومساحته التي تجاوزت الشرق الاوسط لتصل الى الاقليم والعالم، وهنا نذكر كيف خسر سلفه القدرة على الانجاز، ووصل الحد الى إبلاغه في اكثر من مرة انه شخص غير مرغوب به في سورية، وكان آخرها الزيارة الاخيرة التي قام بها دي مستورا الى دمشق، حيث رفضت استقباله بعد ان قدم استقالته، لولا تدخل العديد من الدول لدى الحكومة السورية، التي قالت للوسطاء، فليأتِ وسنأخذ معه صورة تذكارية.
مهمة المبعوث الدولي كما نعلم جميعا، لا تتعدى جزءا من الديكور للامم المتحدة، ونعلم ان هذا المنصب فقط لسد ثغرة في الحراك السياسي، ولا يعول عليه، لذلك فإن الرسالة لبيدرسون قبل وصوله، ان لا يتعهد للراعي الامريكي والغربي، بأي انجازات تفوق طاقته ودور مهمته، وأن لا يكون شاهدا جديداً على الفشل الاممي في سورية، والتي ما زالت تدور في فلك الولايات المتحدة الامريكية والقوى الاخرى.