لماذا تنتظر أمريكا وتركيا سقوط كوباني؟
ماجد حاتمي
اذا ما نظر المرء نظرة انسانية بحتة، بعيدا عن اي تاثيرات سياسية، الى ما يجري في مدينة كوباني الكوردية السورية على الحدود مع تركيا، والتي تقاوم الموت منذ اكثر من ثلاثة اسابيع، ينتابه شعور ضاغط بان جريمة كبرى ترتكب في هذه المدينة امام مرأى ومسمع العالم اجمع، دون ان يحرك هذا العالم ساكنا لوقف الموت الذي التهم ثلث المدينة.
الوجدان العالمي يتهم ثلاث جهات تشارك في ارتكاب جريمة قتل مدينة كوباني، وهؤلاء المتهمون؛ "داعش” و تركيا وامريكا، اما باقي حلفاء امريكا فهم يتحركون على الايقاع الامريكي، لا حول لهم ولا قوة، ولكن عجزهم لا يبرأهم من مسؤولية ما يجري في كوباني.
"داعش” آلة الموت التي صنّعتها المختبرات الامريكية، من تركيب مواد باتت معروفة طبيعتها للجميع، فهي تحمل ذات العناصر التي تكونت منها القاعدة و”جبهة النصرة” و "انصار الشريعة " و "انصار بيت المقدس” و "بوكو حرام” وباقي التنظيمات التكفيرية الاخرى، دورها الوظيفي بالدرجة الاولى زرع الموت والدمار والفوضى، بهدف اخراج الاسلام من حياة الشعوب كدين الهي، واخراج المسلمين من الحياة كجماعة بشرية لا تستحق هذه الحياة، وإغراق المجتمعات الاسلامية في دوامة من العنف العبثي لالهائها عن كل المخاطر الحقيقية التي تهددها مثل الخطر الصهيوني، والاطماع الغربية بالنفط والماء والارض، ومخاطر إهدار الفرص للتطور ومواكبة الركب الحضاري الانساني.
لذا فان دور "داعش” في كوباني وان كان الابرز من بقية ادوار الاخرين في الجريمة التي تُرتكب هناك، الا انه لا يخرج عن نطاق الدور الوظيفي لاي تنظيم تكفيري آخر، فممارسات "داعش” الدموية في كوباني تصب في صالح تركيا وامريكا وباقي اعضاء التحالف الدولي لمحاربة "داعش”!!
المأساة التي تعيشها كوباني من وجهة نظر تركيا، هي فرصة تاريخية لا يجب تفويتها او اضاعتها، لتحقيق احلامها في التخلص من النموذج الكوردي المُقلق الذي ظهر في خاصرتها الجنوبية، فهي ترى الحرب التي تخوضها "داعش” ضد الكورد في كوباني حربها، وان "داعش” تخوضها بالنيابة عنها، فانقرة ترى في الخطر الكوردي خطرا وجوديا، اما خطر "داعش” فهو بالنسبة لها خطر امني، اذا ما خرج عن السيطرة، وشتان بين الخطرين.
ولهذا السبب يمكن فهم رفض تركيا لكل المطالب الدولية الداعية لها للتدخل لوقف المجزرة ضد الكورد في كوباني، بل ان تركيا ذهبت الى ابعد من ذلك برفضها دخول متطوعين كورد الى المدينة، بل انها رفضت حتى ارسال اسلحة خفيفة الى المقاتلين في كوباني الذين يقاتلون الالاف من عناصر "داعش” المسلحين بالمدفعية والدبابات وراجمات الصواريخ.
اما الضربات التي تنفذها طائرات التحالف الدولي ضد "داعش” وفي مقدمتها الطائرات الامريكية، يبدو انها تاتي في سياق رفع العتب، او لاقناع الراي العام العالمي ان امريكا تحاول ان تفعل شيئا، والا فان مأساة كوباني، من وجهة نظر شعوب المنطقة، حكمت وبشكل قاطع، بفشل استراتيجية اوباما التي كانت تهدف الى اضعاف "داعش” بتوجيه ضربات جوية الى مواقعها في العراق وسوريا، الا ان هذه الاستراتيجة ليست فاشلة من وجهة نظر امريكا، فهي تُطبق وبنجاح وفقا لما خُطط له في دوائر صنع القرار في امريكا.
استراتيجية اوباما، وفقا للرؤية الامريكية، تحقق نجاحا باهرا، فهذه الاستراتيجية لم يكن من بين اهدافها اصلا القضاء على "داعش”، فمن غير المعقول ان تقتلع امريكا وتركيا مسمار جحا من سوريا، فهذا المسمار سيكون المبرر المقنع لتحقيق اهداف اكبر في المستقبل لا يمكن تحقيقها الان، كاقامة المنطقة العازلة وفرض حظر جوي شمال سوريا او حتى تقسيم هذا البلد في المستقبل، كما ان القضاء على العمود الفقري للتنظيمات المسلحة في سوريا يعني بالمقابل تعزيز موقف الجيش السوري، وهو ما لا تريده امريكا وتركيا، لذا و وفقا للاستراتيجية الامريكية، لابد من ايصال الوضع العسكري والامني والانساني في سوريا الى النقطة التي يمكن عندها، تطبيق البنود الهامة التي تعتبر الاهداف الحقيقية للاستراتيجية الامريكية، بسهولة اكبر من الان.
البعض يسخر من الدور الذي انيط لتركيا في محاربتها ل”داعش” وهو تدريب معارضة سورية "معتدلة”!! ، ومن حق هذا البعض ان يسخر لو كان يفهم الاستراتيجية الامريكية كما يروج لها الاعلام الامريكي والتركي والعربي الخليجي، فحقا هو امر مضحك ان يُهدد مئات الالاف من الناس بالذبح والسبي على يد "داعش” في اي لحظة، بينما امريكا وتركيا تخططان لتدريب "مسلحين معتدلين” ليكونوا على اهبة الاستعداد للتصدي ل”داعش” بعد سنة او اكثر من الان !!، ولكن السخرية تتحول الى غضب وحنق لو عرفنا ان هذا التسويف والضحك على الذقون هي جزء من الاستراتيجية الامريكية الحقيقية، فهذا الوقت الذي حدد بالعام لتكون "المعارضة المسلحة المعتدلة” جاهزة، يكفي، من وجهة نظر امريكا، لتكون الاوضاع في سوريا قد نضجت للانتقال الى المرحلة التالية من الاستراتيجية، وهي مرحلة وان كانت ضبابية لحد الان، الا انها خطيرة جدا على مستقبل سوريا كوجود وعلى مجمل اوضاع الاقليم.
ولكن "يمكرون ويمكر الله” وليس دائما حساب البيدر كحساب الحقل، صحيح ان امريكا وتركيا وبعض حلفاء امريكا في المنطقة يضعون الاستراتيجيات والمخططات، للوصول الى اهداف ليس لشعوب المنطقة فيها ناقة ولا جملا، ولكن ما اكثر المخططات الامريكية والصهيونية التي اصطدمت بارادة الشعوب وتكسرت على صخرة مقاومتها، ولا اظن نتيجة الاستراتيجية الامريكية الحالية ستكون افضل حالا من نتائج الاستراتيجيات السابقة، وما المقاومة الاسطورية التي اصابت "داعش” بالجنون، لثُلة من الفتيات والشباب الكورد في مدينة كوباني، الا جانبا من ارادة شعوب المنطقة.