السويد والاعتراف بفلسطين
محمد عبيد
من حق رئيس الوزراء السويدي الجديد ستيفان لوفين أن يتساءل عن أسباب وخفايا الموقف الأمريكي من قرار السويد الاعتراف بدولة فلسطين، ذلك أن الرجل يدرك من خلال الممارسة الديمقراطية والالتزام بمبادئ حقوق الإنسان وحرياته، أن القضايا الإنسانية والحقوقية في العالم تعالج بالأدوات والمقاربات والمعايير ذاتها، من دون ازدواجية أو كيل بمكيالين، كما درجت العادة لدى واشنطن وربيبتها "إسرائيل”.
لم يلبث السياسي المنتمي للتيار الاشتراكي الديمقراطي أن أطلق تصريحه حتى انبرت واشنطن ومن خلفها الكيان لمواجهة الموقف، ولعل ما سخّن رد الفعل من الحليفين التقليديين يكمن في أن القرار السويدي أعلن من المكان ذاته وفي الوقت ذاته الذي قدم فيه لوفين تشكيلة الحكومة الجديدة، الأمر الذي قد يكون أرسل إشارة إلى الولايات المتحدة والكيان، تمت قراءتها على أنها توجه حقيقي غير دعائي نحو الاعتراف بفلسطين، أو أن الحكومة السويدية الجديدة أرادت أن تعلن موقفاً من القضية التاريخية في لحظة مهمة ومع بداية مشوارها في الحكم.
السياسي السويدي المستغرب للموقف، لم يدرك حقيقة أن الولايات المتحدة وكيان الدم والاحتلال والضم لا يحتملان أن يخرج من المعسكر الغربي من يغرد خارج السرب، أو من يحاول الحكم على القضايا باستقلالية ومن دون تأثر بتوجهاتهما. ولعل القارئ العربي يستطيع فهم رد هذا الفعل، إن قرأ ما قاله الرجل خلال إعلان حكومته، المتمثل في أن "الصراع بين "إسرائيل” وفلسطين يمكن أن يحل فقط عبر الحل على أساس دولتين، والذي يتم التفاوض بشأنه وفقاً للقانون الدولي”، وإنه "يجب علينا الاعتراف بدولة فلسطين حتى نتمكن من مواصلة السير نحو حل الدولتين”.
كلام معقول ومقبول ومشجع للفلسطيني والعربي، لكنه معاكس تماماً للسياسة الأمريكية المرتبطة عضوياً بحاجات الاحتلال ومطالبه، إذ إن واشنطن سرعان ما ردت قائلة إن "الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية أمر سابق لأوانه”، وهذا صحيح وسليم، حتى إن الأمر ليس "سابقاً لأوانه” وحسب، بل ممنوع ومحرّم طالما أن الفلسطيني لم يرضخ للإملاءات والشروط والضغوط والابتزاز السياسي، وهو مستبعد وغير ممكن أيضاً في ظل الإصرار "الإسرائيلي” على اقتلاع الفلسطيني وإبادته ونهب أرضه. لم يكن التعاطي الدولي مع القضية الفلسطينية منذ البدايات وحتى اللحظة، قائماً على الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في دولته وأرضه والحفاظ على كرامته وإنسانيته، بقدر ما كان سلسلة من الأفعال وردود الأفعال غير المتناسقة حيناً، والمتضاربة أحياناً، نتيجة استفراد الأمريكي و”الإسرائيلي” بالقرار الدولي، ومحاولاتهما ابتزاز الدول والقوى الأخرى في سبيل الحصول على دعمها وأصواتها، ونتيجة لضعف وتهالك التمثيل العربي الرسمي على المستوى الدولي، وعدم قدرته على إحداث أثر سياسي يذكر.
لذلك فإن من الطبيعي والمفهوم أن تستشيط واشنطن و”تل أبيب” غضباً، فهما ليستا في وارد أن تبدأ دول أخرى في المعسكر الغربي التفكير جدياً في خطوة مماثلة، بصرف النظر عن رضاهما من عدمه، خصوصاً أن ما يشجع الكثيرين حالياً يكمن في أن فلسطين ممثلة في المنظمات الدولية، وقد تنضم إلى معاهدات ومنظمات أخرى، وهناك عشرات الدول التي تعترف بها وتتعاطى معها كدولة لا كسلطة حكم ذاتي انتقالية، ولعل أكثر ما يقلق الحليفتين أن ينفرط العقد، وتتوالى الاعترافات.