حربٌ مديدةٌ على داعش .. هذه أسبابها وحوافزها .
حسن شقير
بعد زيارته الأخيرة للولايات المتحدة الأمريكية واجتماعه مع الرئيس أوباما ، أقر رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو، بأن الخلافات الصهيونية – الأمريكية حول الملف النووي الإيراني، وكيفية معالجته، لا تزال عالقة وموجودة بينهما ، وتحديداً لجهة الإختلاف في كلا النظرتين لأليات وأفاق التعاطي مع هذا الملف، وذلك في محطته النهائية.
لقد تناولنا هذا الملف الحساس ، والمؤثر جداً في العلاقات والتحالفات القائمة واللاحقة في المنطقة والعالم ، وذلك في أكثر من مقالة سابقة، وذلك منذ بدء زمن التفاوض الأمريكي -الإيراني، ضمن مجموعة الخمسة زائد واحد، وحتى ما قبلها أيضاً..
لقد شكل ظهور داعش ، وتمددها السريع في الجفرافيا ، عنصراً جديداً ومؤثراً بشكل مباشر وغير مباشر على ملف التفاوض ذاك ، لينسحب من خلاله أيضاً، تشكيل التحالف الجديد بقيادة أمريكا بحجة القضاء على الخطر الإرهابي الذي يمثله هذا التنظيم … وخصوصاً فيما نعتقده من تهديد لمحور الممانعة بالدرجة الأولى ، كوننا كنا وما زلنا نرى أن هذا الإرهاب ، ما هو إلا ّ عاملا ً حيوياً في الإستراتيجيتين الأمريكية والصهيونية على حد سواء ، وذلك في دفع وتنفيذ مشاريعهما في المنطقة العربية ، وتحديداً بعد أن بقيت كلاً من إيران وروسيا ، خارج الإطار الرسمي لذاك التحالف المزعوم .
إنطلاقاً من المبدأ الأمريكوصهيوني الثابت في استغلال الفرص والأحداث الطارئة – والتي يُجمع كثيرون أن أمريكا والكيان بارعان في هذا المضمار – ، وكذا الإستثمار والبناء عليها ، لم يكن عاموس يادلين رئيس مركز دراسات الأمن القومي في الكيان الصهيوني ، مخطئاً في مقالته في صحيفة يديعوت أحرونوت بتاريخ ٣٠- ٠٩ ٢٠١٤ ، عندما ذكر "بأن صعود داعش ، يقدم لإسرائيل فرصاً استراتيجية للتعاون مع الدول المعنية بالقضاء عليه ..” وقد أسهب في شرح تلك الفرص، مبيناً ذلك على صعيد العلاقة الصهيونية مع كل من أمريكا وأوروبا ودول المنطقة المعنية بمحاربته ( الدول السنية المعتدلة )، محدداً في تلك المقالة مجموعة من الحوافز الصهيونية التي يمكن أن يستثمر بها الكيان في تحسين علاقاته الخارجية…
فعلى صعيد العلاقة مع أمريكا، ذكر أن التعاون الإستخباري واللوجستي والدبلوماسي معها، وذلك من بوابة داعش ، يمكن أن يطور العلاقة فيما بينهما، ويُحسّن من العلاقة المتوترة ما بين أوباما ونتنياهو.. مستكملا ً أن هذه الحوافز نفسها، يمكن لها أن تُستغل صهيونياً في تطوير العلاقة مع الأوروبيين، ليصبح هؤلاء أكثر اقتناعاً بأن عقيدتهم ، وعقيدة الكيان الصهيوني في محاربة التطرّف هما واحدة.. أما بالنسبة لباقي الدول العربية والإسلامية المعنية، فيمكن لهذه الحوافز الصهيونية، أن تُشكّل معبراً واسعاً "لإقامة علاقات عمل وثيقة بين الأجهزة الأمنية” التابعة لهذه الدول، مع نظرائهم في الكيان الصهيوني.
لقد ركّز يادلين في مقالته تلك، في بدايتها ونهايتها ، على مسألتين رئيستين، أولهما "أن داعش لا تشكل خطراً على إسرائيل في الأمد القريب ” ، وثانيهما أن هذه الحوافز الصهيونية، ينبغي ” أن تبقي خطر النووي الإيراني، هو الخطر الأول في العالم ، وألا ّ يتحول هذا الملف، إلى ملف ثانوي أمام محاربة داعش”.
قد يعتقد البعض أن يادلين يتحدث حول وجوب عدم تحوّل إيران إلى دولة عند العتبة النووية العسكرية ، أو حتى السلمية. إلا ّ أن ما قصده يادلين في جوهره ، هو أن سيف العقوبات الدولية على إيران يجب أن يبقى مصلطا عليها ، حتى تقدم تنازلات لما بعد النووية ، تتعلق مباشرة بالأمن الصهيوني في المنطقة … ودليلنا على ذلك، هو إقرار سابق ليادلين نفسه في محاضرة ألقاها في مركز دراسات الأمن القومي – جامعة تل أبيب ، وذلك في ١٥-١٢- ٢٠٠٩، والتي كانت تحت عنوان "التحديات الإستراتيجية لإسرائيل في القرن الحادي والعشرين” يتحدث فيها صراحة عن أن "الساعة التكنولوجية في البرنامج النووي الإيراني قد اكتملت دورتها”، ودليلنا الثاني، ما كشفته إيران مؤخراً عن محاولة أمريكا التطرّق في المفاوضات إلى الصواريخ الإيرانية البعيدة المدى… الأمر الذي رفضته طهران جملةً وتفصيلا.
من خلال طرح يادلين ، واستبعاده لخطر داعش القريب على الكيان الصهيوني، لا بل أنه يمكن لمحاربته أن تُشكل فرصا استراتيجية لكيانه، والكلام الأخير لرئيس الأركان في كيان العدو بني غانتس، حول ضرورة بقاء الإرهاب في المربع الأول من حربه في المنطقة بمواجهة قوى "عدوة”، أو حتى صديقة للكيان الصهيوني… بحيث ينبغي العمل على عدم وصولهم – أي الدواعش – إلى المحطة الثانية من حربهم المفترضة على الكيان الصهيوني..(مقابلة أجراها المعلق العسكري لصحيفة يديعوت أحرونوت رون بن يشاي مع بني غانتس ، وتم نشرها في ٠٣-١٠-٢٠١٤ )…
فهل يمكن لكل ذلك أن يكون مرتبطاً بالإستراتيجية الأمريكية المديدة – الزمن في الحرب على داعش ؟ أم أن محاربة هذه الأخيرة ترتبط بظروف التحالف وتطورات الأوضاع في الميدان ، والبعد الزمني فيها تابعاً وليس أساسياً؟
لنناقش المسألة من خلال فرضيات ثلاث :
- الأولى : تزخيم داعش وتعاظم خطرها
لعل هذه الفرضية في تزخيم داعش، لا بد لها من أن تنطلق من السماح لداعش بالتفلت والإنزياح إلى جغرافيات الدول المسماة معتدلة، إضافة إلى من سبقها من دول الممانعة، وهذا بالتأكيد سيجعل من استثمارالحوافز الصهيونية، التي تحدثنا عنها سابقاً غير ذات قيمة ، وذلك بفعل انفلات الأمور في تلك الدول المعتدلة، وبالتالي اهتزاز السلطات فيها ، فضلا ً عن أن الإستثمار الأمريكي والغربي، السياسي والإقتصادي ، وكذلك المادي للحرب على داعش، قد يُصبح في مهب الريح، وخصوصا إذا ما تطورت الأمور إلى أكثر من اهتزاز لآنظمة تلك الدول، بل ربما إلى مرحلة من اضمحلالها أيضاً.
أما على الصعيد الصهيوني فإن هذا التزخيم لداعش ، سيضرب بلا شك تطلعات عاموس يادلين في المنطقة العربية والإسلامية ، وكذا الحال ، سيجعل من استراتيجية غانتس في إشغال الدواعش بالأعداء والأصدقاء ، تتطور إلى مرحلة جديدة ، ربما يكون عنوانها وضع الدواعش المتفلتة وجهاً لوجه أمام الكيان الصهيوني … وكلا الأمرين لا يحبذهما الكيان .
-الثانية : تهشيم داعش وتسريع القضاء عليها
تفترض هذه الفرضية، أن تكون الحرب الأمريكية على داعش صادقة في القضاء على الإرهاب الداعشي، وحتى أخواته… وذلك ضمن استراتيجية ضخ "المعتدلين” في المناطق التي تسيطر عليها داعش حالياً ..
إن هذه الفرضية، تفترض أيضاً أن تُسرّع فيها الضربات على الإرهاب، وذلك تنفيذاً لما يدعيه أعضاء التحالف، من أن خطره داهم على بلدانهم، وأنهم يعيشون قلقاً حقيقياً من ارتداده عليهم.. وذلك بغض النظر عن عدم جهوزية "المعتدلين” في المرحلة الحالية لتسليمهم المناطق التي سيطرد منها داعش..
وهذا يعني أن المستفيد الأول من تنفيذ هذه الفرضية، هو النظام السوري، ومحور الممانعة من خلفه، كونه الوحيد المرشح لملء الفراغ، إذا ما حدث ذلك، وبالتالي تُنسف نظرية الحوافز الصهيونية، قبل أن تصبح واقعاً على الأرض، هذا فضلا ً عن نسف أهداف التحالف الكبرى في هذه الحرب… وهذا بالتأكيد ليس لصالحهم على الإطلاق.
– الثالثة : دوزنة الحرب على داعش
إذاً ، وتنفيذاً لخدمة مصالح أمريكا وحلفائها من الغربيين تحديداً، وتقاطع ذلك، وبشكل واضح، مع استراتيجية الحوافز الصهيونية ، والتي ينوي الكيان الصهيوني أن يقدمها على مذبح داعش لمعظم تلك الدول المشتركة في التحالف ضد الأرهاب … لم يتبقى أمام كل أولئك إلا ّ السير بالفرضية الثالثة، والتي تخدمهم جميعاً ، والتي سيكون عنوانها ، وبلا شك ، ضبط إيقاع الحرب على داعش … وهذا ما تثبته الأيام يوماً بعد يوم ، ولعل في المعارك الدائرة حول كوباني، الدليل الساطع على ذلك .
خلاصة القول، لقد تقاطعت أهداف أمريكا ومعها الغرب، مع الحوافز الصهيونية، في استثمار داعش وخطرها وحتى في الحرب عليها… ولعل الخاسر الأكبر في ذاك التحالف، هي تلك الدول العربية، والتي اعتادت أن تكون بقرةً حلوب من تاريخ نشوئها، ولغاية اليوم… يليها في الخسارة -وبكل أسف – محور الممانعة برمته، والذي يُراد له أن يقبع في مرحلة الإستنزاف المديد… إلى أن تشهد المنطقة والعالم تطورات فوق الدراماتيكية ، يمكن لها أن تقلب الصورة رأساً على عقب ..
باحث وكاتب سياسي