خبراء في الشأن الأميركي لـ تصريحات بايدن ليست ’هفوة’ .. وتوثيق لمن سرّع تنامي ’داعش’ في المنطقة
محمد كسرواني
عاشت تصريحات نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن اياماً عدة .. التصريحات كشفت تورط تركيا ودول عربية أبرزها السعودية والإمارات بدعم الإرهاب في سوريا والعراق وخلق فتنة طائفية للقضاء على الحكومة السورية! وما ان انتشرت هذه التصريحات حتى سارع مكتب بايدن إلى تقديم اعتذار لتركيا والإمارات، وربما السعودية قريباً لكنه لم ينف ما كان قد ذكره بالسابق.
وفي حين يجمع محللون للشؤون الاميركية بأن "التوضيح" الأميركي للتصريحات، بحسب البيت الأبيض، لا يعني نفيها أو العدول عنها، اعتبروا أنها بمثابة استياء غربي ـ اميركي من السياسات الخليجية في المنطقة، والتي دفعت بالإرهاب الى أعلى مستوياته، تنفيذاً لمصالح إقليمية "رخيصة"!.
ورأى مدير مركز "الدراسات الأميركية في بيروت" المحلل السياسي والخبير في الشأن الأميركي الدكتور كامل وزنة، أن تصريح نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن، لا يمكن وصفه على أنه تصريح لمسؤول أميركي عادي فحسب، بل إنه يصدر عن أحد أرفع المسؤولين الأميركيين، وهو يعبر بحد ذاته عن الرؤية السياسية للولايات المتحدة.
يرى الدكتور وزنة أن كلام بايدن واضح ودقيق للغاية ولا يحمل توضيحات أو ملابسات، مشيراً الى أن التصريح الأخير، يأتي بعد اسبوعين من زيارة لوزير الحرب الأميركي الى تركيا حيث التقى مسؤولين رفيعي المستوى، وأبلغهم بضرورة إغلاق المعابر على الإرهابيين من والى سوريا والعراق، مشدداً على ضرورة وقف الدعم التركي للجماعات الإرهابية.
ويرفض مدير مركز "الدراسات الأميركية في بيروت" ما صنفه بعض التقارير الصحافية لتصريح بايدن بأنه "زلة لسان أميركية" معتبراً أن الغرب وأميركا يشعرون بالريبة وأن بعض أعضاء "التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب" لا ينوون القضاء فعلاً على "داعش" ويستمرون في دعم بعض الجماعات التكفيرية لمصالح خاصة، معتبراً أن التصريحات تعبير عن استياء أميركي ورسالة الى هذه الدول وعلى رأسها السعودية وقطر.
من جهة ثانية، يتحدث الخبير في الشؤون الأميركية الدكتور محمد النابلسي عن شخصية بايدن، وتأثيرها على تصريحاته. ويوضح في حديث لموقع "العهد" الإخباري، أن بايدن إنسان غير انفعالي، وتصريحاته ليست عشوائية، ومبدأ الهفوة عند هذا النوع من القيادات الاميركية مرفوض، ما يؤكد أن التصريحات عن الدعم السعودي الإمارتي التركي للجماعات التكفيرية صحيحة، والمعلومات التي أدلى بها بايدن توثق كل ما قيل سابقاً.
وإذ اعتبر التصريح بأنه يأتي بمثابة تهديد أميركي مبطن، يرى الخبير في الشؤون الأميركية أن العقل الأميركي لا يرى في التراجع أو الاعتذار عن التصريحات "مذلةً أو كسراً للعنفوان" كما رأته تركيا والإمارات.
وفي هذه النقطة، يشرح الدكتور النابلسي أن القادة الأميركيين لا يعتبرون التراجع عن تصريحاتهم أو تقديم توضيحات (كما وصفها البيت الأبيض) إنكاراً للمعلومات السابقة، بل إن الاعتذار هو أشبه بعمل دبلوماسي، انطلاقاً من ان الإدارة الأميركية تعمل وفق مصالحها، وحيث اقتضت الحاجة.
وكان قد قدم نائب الرئيس الأمريكي اعتذاره لدولة الإمارات العربية المتحدة بسبب تعليقات قال فيها إن دعم الإمارات للمجموعات المتشددة في سوريا أدى إلى صعودها. وأكد البيت الأبيض أن بايدن اتصل بولي عهد الإمارات الشيخ محمد بن زايد وقدم له اعتذاره بعد يوم واحد من تقديم نائب الرئيس الأمريكي اعتذارا مماثلاً لتركيا.
وأوضح بايدن أن حديثه "بخصوص المراحل الأولى من النزاع في سوريا لم يكن المقصود منه التلميح إلى أن الإمارات سهلت أو دعمت القاعدة أو أي مجموعات متشددة أخرى في سوريا". وقالت الإمارات إن هذه التصريحات "تتجاهل دور الإمارات في القتال ضد التطرف والإرهاب"، حسبما نقلت وكالة الإمارات للأنباء عن وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، أنور محمد قرقاش.
وكان بايدن قدّم اعتذاره إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن تصريحات نقلتها عنه وسائل إعلام أميركية، كشف فيها عن أن "تركيا ودولاً أخرى في المنطقة وفرت الدعم للتنظيمات "الإرهابية" في سوريا ومن بينها "داعش".
وقال بيان للبيت الأبيض نقلته وكالة "أسوشيتد برس" إن "بايدن اتصل بأردوغان وأبلغه اعتذاره عن تصريحاته في جامعة هارفارد"، وأضاف البيت الأبيض أن نائب الرئيس "اعتذر عن هذه التصريحات التي يفهم منها تلميحه باتهام تركيا بدعم الإرهاب في سوريا".
من جانبها، قالت وكالة "الأناضول" إنها حصلت على معلومات من مكتب رئاسة الجمهورية التركية تفيد بأن بايدن أبلغ أردوغان في اتصال هاتفي اعتذاره، وأنه يرغب في توضيح بعض التصريحات التي أدلى بها، خلال كلمة له أمام الطلاب في جامعة هارفارد. وأضافت أنهما اتفقا على التنسيق الدائم بين البلدين في مختلف المجالات العسكرية والسياسية والدبلوماسية، من أجل إعادة الأمن والاستقرار الى المنطقة.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد دان بشدة تصريحات بايدن، وقال في معرض رده على سؤال لصحفيين حول الموضوع في اسطنبول السبت إن "المقاتلين الأجانب لم يمروا عبر تركيا بأسلحتهم يوما ليدخلوا سورية"، داعيا نائب الرئيس الأمريكي الى الاعتذار من أنقرة.
من جهته، كان قد صرح رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو أنه "لا يحق لأحد أن ينتقد تركيا لأنها استضافت ملايين اللاجئين، القادمين من سورية والعراق، سنة وشيعة ونصيريين ومسيحيين وعرباً وأكراداً وتركمان وإيزيديين".
وشدد أوغلو في تصريح صحفي عقب أدائه صلاة عيد الاضحى في اسطنبول على أن "بلاده تواصل موقفها المانع لتدفق المقاتلين الأجانب إلى هذه المناطق عبرها"، ناقلا "المسؤولية التاريخية" في ذلك إلى عاتق "الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، فهي التي التزمت الصمت لمدة أربع سنوات حيال معاناة الشعب السوري".
ونسبت وسائل إعلام لبايدن قوله في كلمة ألقاها بجامعة هارفارد الأميركية إن "مشكلتنا الكبرى كانت حلفاءنا في المنطقة. الأتراك أصدقاء كبار لنا وكذلك السعودية والإمارات وغيرها، لكن همهم الوحيد كان إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد لذلك شنوا حربا بالوكالة بين السنة والشيعة وقدموا مئات الملايين من الدولارات وعشرات آلاف الأطنان من الأسلحة إلى كل الذين يقبلون مقاتلة الأسد".