رحلة البحث عن البديل
يونس السيد
أكثر من عشرين عاماً قضاها الفلسطينيون في البحث بين كواليس المفاوضات المباشرة وغير المباشرة عن تسوية مع الاحتلال "الاسرائيلي” تتيح لهم استرداد بعض من حقوقهم المسلوبة، أو حتى بارقة أمل تلبي بعض تطلعاتهم للحرية والاستقلال من دون أي نتيجة.
وطوال هذه الفترة، لم تتوقف آلة القمع والاعتقال وعمليات هدم المنازل والتهويد والاستيطان التي تضاعفت أضعافاً كثيرة منذ التوقيع على اتفاق أوسلو عام 1993، تماماً كما هو الحال ما قبل أوسلو، لا بل تخللها حروب واجتياحات عديدة، توجت بالحرب العدوانية الأخيرة على قطاع غزة، التي ذهب ضحيتها أكثر من 2200 شهيد و10 آلاف جريح. لكن الحرب العدوانية الأخيرة على قطاع غزة، رغم مرارتها، فتحت أفقا جديداً أمام خيارات أخرى للعمل الوطني الفلسطيني، في طليعتها خيار المقاومة كسلاح أثبت نجاعته، ليس فقط في وقف العدوان، وتحويل إمكانية تحرير الأرض إلى إمكانية واقعية، بل في تحرير الفلسطيني من قبضة الرهان على مفاوضات عقيمة تنفرد برعايتها الإدارة الأمريكية، الداعم الأكبر والاستراتيجي للكيان الصهيوني، والتي ربما كان من السذاجة الاستمرار فيها كل هذا الوقت بمعزل عن الخيارات الأخرى.
لن نذهب بعيداً في الغوص داخل العقل الصهيوني ومفهومه للتسوية، فالكيان الصهيوني الذي جلب مهاجريه المستوطنين بقوة السلاح، ولد من رحم الحرب، ونشأ في ظلها، وحقق كل ما يمكن ان يسمى "إنجازات” له عبر الحروب وليس من خلال "السلام” الذي لا يعرف عنه المستوطن "الإسرائيلي” شيئاً لأنه لم يعشه ولم يره، ومع ذلك فقد ظل هذا الكيان يسعى دوماً لاستدراج الفلسطينيين إلى مفاوضات قد تستمر عشرات السنين، كما صرح قادته علنا، لاستغلالها في تثبيت أركانه وإحكام قبضته على الأرض الفلسطينية.
يدرك الفلسطينيون كل ذلك، ولكنهم تبلدوا أمام وعود وهمية، وصدقوا انه يمكن من خلال حسابات المصالح والتقاطعات أو التوازنات الدولية في لحظة معينة أن يحصلوا على بعض حقوقهم، ولكنهم استفاقوا على حقيقة أن الكرم "الاسرائيلي” لا يتنازل حتى عن بعض فضلاته، ولذلك بدأوا رحلة البحث عن البديل.
يذهب الفسطينيون اليوم إلى الساحة الدولية، وهي الأرحب والأوسع، ليجدوا حرباً شعواء بانتظارهم، تشنها واشنطن و”إسرائيل” معاً، إذ إنه ممنوع على الفلسطيني أن يذهب إلى مجلس الأمن للمطالبة بانهاء الاحتلال أو وضع جدول زمني له، وممنوع على الفلسطيني أن يخرج من تحت عباءة الإدارة الأمريكية الراعي الأوحد لعملية التسوية، كما أنه ممنوع على الفلسطيني ان ينضم إلى المعاهدات والمواثيق الدولية والتصديق على معاهدة روما التي تتيح للسلطة نيل عضوية محكمة الجنايات الدولية، وبالتالي طلب محاكمة قادة الكيان على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبوها بحق الفلسطينيين طوال هذه الفترة وما قبلها.
حسناً يفعل الفلسطينيون اليوم بالإصرار على تخطي كل هذه الحواجز، بعدما اكتشفوا الحقيقة عارية أمامهم، بلا رتوش أو أقنعة، بغض النظر عن التداعيات والتهديدات والعقوبات التي تنتظرهم، شريطة ألا يسقطوا الخيارات الأخرى من حساباتهم وفي طليعتها خيار المقاومة.