“مذكرة الحرب” التركية على سورية: فيتو إيراني- كردي- عربي
إسراء الفاس
بتأييد غالبية قوامها 298 برلمانياً ومعارضة 98 آخرين، فوّض البرلمان التركي، قوات بلاده القيام بعمليات عسكرية في كلٍ من سورية والعراق، تحت عنوان” مواجهة جميع المخاطر التي من شأنها تهديد الأمن القومي التركي”، وهو قرار وصفه حزبا "الشعب الجمهوري” و”الشعب الديموقراطي الكردي” بأنّه "مذكرة حرب”.
وفور صدور القرار وصف نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد التفويض بأنّه بمثابة "عدوان” يُشن على سورية، فيما قرأت إيران فيه تعقيداً للأوضاع المتأزمة بالمنطقة، أما مصر فرفضت المس بمبدأ وحدة وسيادة الأراضي السورية والعراقية. بالمقابل، سارعت الولايات المتحدة للترحيب بالقرار، وفرنسا رأت فيه انخراطاً في "التحالف الدولي”، الذي تقوده أميركا تحت عنوان الحرب ضد داعش، وهي رؤية صححّها مصدر تركي في تصريح لصحيفة "الشرق الأوسط” السعودية، موضحاً أن التفويض لا يعني مشاركة في عمليات التحالف!
في مقابلة مع موقع قناة المنار، أكّد أستاذ العلاقات الدولية في جامعة دمشق الدكتور بسام أبو عبد الله أن التفويض التركي أتى بعد الحرج الذي تسببه نشوء "التحالف الدولي”، "فتركيا لم يعد بمقدروها عزل نفسها عن القرار الأميركي ولا يمكنها ضرب داعش”.. خصوصاً أنها دعمت داعش وأخواتها، من المجموعات التكفيرية، بعد صمود سورية وسقوط "مشروع الأخونة” في مصر.
ويرى د. أبو عبد الله -الذي يدير مركز الدراسات الاستراتيجية في دمشق- أن القرار التركي لا يهدف إلى "ضرب داعش - ولو أنه ظاهرياً أتى بهذه الصورة - بل الاستمرار في الحرب ضد سورية، وهو كلام عبر عنه أردوغان، في تصريحاته التي أدلى بها للصحافيين، لدى عودته من نيويورك، وأكده أوغلو علناً بالقول إنه يجب ألا يغيب الهدف الأساسي وهو القضاء على الدولة السورية، في الحرب ضد داعش”.
التدخل التركي سيحرق المنطقة بما فيها تركيا
وبحسب قرائته السياسية يستبعد أبو عبد الله، الذي يدير مركز الدراسات الاستراتيجية في دمشق، إقدام تركيا على ما يصفها بـ”حماقة” إدخال قواتها العسكرية للأراضي السورية "ولو بذريعة تأمين حماية لقبر سليمان شاه”، مشيراً إلى أنه في حال حصول ذلك "فإن تركيا ستدفع ثمناً باهظاً، سيرتد مباشرة على الاقتصاد التركي، نظراً لحاجة الحرب إلى تمويل”... وقال إن تفويض البرلمان التركي يتأرجح "إما فن الممكن الذي تحول فيه تركيا دون الدفع بالمنطقة لمزيد من التأزيم، أو "الحماقة” التي لن تتسبب إلا بحريق يلتهم المنطقة، وأولها تركيا نفسها!”
بسام أبو عبد الله وخطورة القرار التركي يتحدث عنها الكاتب التركي مصطفى اونال، في صحيفة "زمان”، وفق ما ينقل الخبير بالشأن التركي محمد نورالدين في صحيفة "السفير” اللبنانية: "تركيا في مواجهة خطر أن تكون جزءا من حرب... المذكرة امتحان لنواب حزب العدالة والتنمية. لا يمكن أن يتم التعامل معها بخفة. المسألة لا تتعلق فقط بداعش بل ستحدد مصير تركيا”.
ورغم الصمت الخليجي حيال تفويض البرلمان التركي إلا أن أستاذ العلاقات الدولية في جامعة دمشق، يؤكد في حديثه لموقعنا، أنّ دول الخليج الفارسي تجد نفسها مضطرة "لإدانة القرار التركي، لأن دعم تركيا في عدوانها على دولة عربية سيتيح مستقبلاً لتنفيذ أي عدوان ضد أراضٍ عربية أخرى، بمعزل عن الصراع الاقليمي الدائر بين الجانبين”.
ورغم الترحيب الغربي، يلفت أبو عبدالله الى أن الولايات المتحدة والتحالف أكدا أنه ليس هناك من هدف لإيجاد منطقة عازلة. وقال إنّه ليس بمقدور تركيا استحصال موافقة مجلس الأمن على هذه الخطوة. ويعتبر أن الغرب "إذا دفع باتجاه دخول قوات تركية إلى سورية والعراق، فإن ذلك سيكون بدافع تغطية الفراغ الناجم عن الفراغ الذي تحدثه الضربات الجوية للتحالف”، إلا أن موسكو لن تسمح بأي تدخل تركي، نظراً لأنه سيمس بمناطق تعتبرها "حساسة، نظراً لكونها تبعد 150 كلم فقط عن القاعدة العسكرية الروسية.”
ويجزم أبوعبدالله أن الرفض الإيراني للقرار التركي” لن يبقى في إطاره الدبلوماسي”،مبرراً أن بيد إيران أوراق سياسية عديدة ستستخدمها ضد تركيا، "التي تحرص على عدم تأزيم علاقتها بإيران”.
العدوان التركي سيطيح بالتسوية مع الأكراد
ولعل الهاجس الأبرز الذي تخشاه تركيا، هو الموقف الكردي جراء انخراطها في عدوان مباشر ضد سورية. يقول أستاذ العلاقات الدولية في جامعة دمشق إنه رغم رغبة تركيا في إزالة أي وجود للأكراد من كوباني، الذين ترى فيهم فرعاً آخراً لحزب العمال الكردستاني، إلا أنها تخشى أن تطيح خطوتها بجهود تسوية الأزمة الكردية في تركيا، وهو ما حذّر منه عبد الله أوجلان”. فيقول بسام أبو عبدالله إن "العدوان التركي على سورية سيعيد تركيا إلى نقطة الصفر، وسيدفع الأكراد للتحالف مع سورية وايران”.
ويحذر الكاتب التركي جنكيز تشاندار حكومة بلاده من اللعب بالنار الكردية. ويقول في صحيفة "راديكال” أنّ " تركيا الآن تريد أن تدفّع أكراد سوريا وتركيا ثمن استبعاد الموالين لـ(رئيس إقليم كردستان مسعود) البرزاني، وعدم وقوفهم في البداية مع الجيش السوري الحر ضد النظام في سوريا. ولكن كيف يفسر داود اوغلو وقوفه صامتا، والقول إن داعش هو نتيجة وليس سببا، بينما هو يرتكب من الجرائم ما لم يرتكبه حتى المغول والصليبيون؟ ثم يقول إن على العالم أن يقف ضد حزب العمال الكردستاني؟ عندما يلعب حزب العدالة والتنمية بالنار فإن صفحة جديدة من توازنات القوى في الشرق الأوسط يمكن أن تفتح”.