عن العنف الداعشي والاتهامات بالردة والكفر
محمد محمود مرتضى
تتصدر اخبار داعش وسائل الاعلام، لا سيما اعمال العنف التي يقوم بها هذا التنظيم بشكل مدروس ووفق سياسة إظهار "الغلظة والشدة” التي يجاهر بها. وبغض النظر عما كتبه علماء النفس في ظاهرة العنف المجرد، يبدو السؤال الأهم هنا هو: هل ما نشهده من مشاهد العنف التي تروجها داعش يندرج تحت مسمى "العنف السياسي”، أم أننا أمام ظاهرة جديدة ينبغي رسم محدداتها المفاهيمية قبل الشروع بدراستها كظاهرة؟
تعريف العنف
عُرّف العنف إجمالا بانه عبارة عن الفعل المتمثل في ممارسة الغلظة والخشونة والقوة غير المشروعة بالمقدار الذي يترك خوفا ورعبا عند الانسان. وشدد "ينبورغ” على ان العنف يهدف اساساً الى تحقيق أغراض تتمثل في تغيير سلوك الجماعات الأخرى، فيما اعتبره آخرون انه نوع من أساليب الضغط المادي أو المعنوي غير المشروع للتأثير على الآخرين.
في دراسته حول "أسباب العنف في العالم العربي” يرى محمد محفوظ أن "العنف كأي ظاهرة مجتمعية، بحاجة الى تعريف دقيق وتحديد علمي ومعرفي لمسبباته وعوامله وموجباته...ومن ثم فإن الوقوف على العوامل التي افرزت ظاهرة العنف يتطلب التفسير الدقيق لمعنى العنف..”( مجلة النبأ، العدد78).
هذا ما يتعلق بالعنف بمعناه العام، أما العنف السياسي تحديداً فهو استعمال أدوات الضغط والإكراه للتأثير على العملية السياسية، أو الحصول على مكاسب سياسية، وجعل الطرف الآخر يذعن لمطالب محددة.
بهذا المعنى قد يكون العنف السياسي مصدره "الحكومة” تجاه افراد أو جماعات أو حكومات اخرى، وقد يكون من أفراد أو جماعات تجاه أفراد أو جماعات أو حكومات.
اسباب العنف
سعى بعض الدراسات لتحديد العوامل التي تدفع للعنف والتي يمكن إرجاعها الى اربعة عوامل:
- العوامل السياسية: وتمثل في الصراع بين السلطة والجماعات في عملية التنافس على السلطة المحتكرة. إن ظهور الصراع السياسي في المجتمع يؤدي بالضرورة الى ظهور مفهوم "السلطة متعددة السيادة”.
- العوامل السيكولوجية: وتلحظ الحالات الانفعالية أو الساخطة اللازمة للغضب والقلق.
- العوامل السيسيولوجية: وتلحظ حالات الاختلال في النسق الاجتماعي، أو الاجتماع السياسي ما يؤدي الى فشل النظام في إحداث تغييرات تواكب المتغيرات، أو فشل في إحداث توازن مجتمعي ما يؤدي الى حدوث عنف سياسي.
- عوامل الصراع الطبقي: وهو اتجاه يعود لأفكار ماركسية في تفسير ظاهرة العنف السياسي.
من هنا يبدو العنف دائماً ملازماً لحالة بعينها قد تكون اضطهاداً فكرياً أو سياسياً أو اختلالاً اجتماعياً بل وحتى نفسياً.
أخطر انواع العنف هو الملازم للتطرف
الا ان أخطر أنواع العنف هو ذلك الذي يكوم ملازماً للتطرف والتعصب، والذي ينتهي الى تقديس الفكرة الذاتية بوصفها تحتكر الحقيقة "والحق المطلق” وتنحو نحو إلغاء الآخر.
وترتكز خطورة ظاهرة "العنف المبني على التعصب والتطرف” في كونه لا يكتفي بأن يبقى أداة مؤقتة تُستعمل في ظروف استثنائية، بل يتحول الى منظومة ثقافية عامة تستحوذ على الأطراف المشكّلة للبنية التنظيمية لهذه الجماعات.
وبهذا المعنى يخرج العنف من كونه عملاً استثنائياً الى كونه سلوكاً دائماً، ويدخل في حيّز محددات شخصية الانسان، وجزءاً من منظومة سلوكه "كفرد”.
ولا نقصد هنا بالتطرف خصوص التطرف الديني، وإنما كل نزعة قومية أو عنصرية او دينية او ثقافية او سياسية او اجتماعية تؤدي بصاحبها الى نوع من الاستعلائية تجاه "الآخر”.
بهذا التحديد يصح القول ان ظاهرة "العنف المبني على التطرف” تنطبق ايضاً على اساليب التدريب التي تنتهجها "مشاة البحرية الاميركية” والاكاديميات العسكرية الاميركية والتي تُنتج تطرفا يرتكز على نزعة "التفوق الاميركي”.
وبنفس المعنى ينطبق مفهوم "العنف المبني على التطرف” على "المناهج التربوية التعليمية” للجماعات اليهودية والتي ترتكز على نزعة "الفوقية” او "الجنس البشري الاعلى”.
أما في حالة داعش والجماعات التكفيرية فتتعقد محاولة رسم هذه المحددات، في كون المجموعات التي تمارس هذا العنف عبارة عن مجموعات تتداخل فيها عناصر "الحقانية” مع عناصر "الهداية” وعناصر "التوحيد” مع عناصر "الحاكمية”.
بمعنى آخر في الحالة اليهودية فان العنف المبني على التطرف يرتكز على فكرة افضلية الانسان اليهودي على غيره ، فالعنف تجاه الآخر لا يسعى لتقويم الآخر وهدايته الى "اليهودية” وانما يرتكز على عنصر "مشروعية” قهر الآخر واستعباده.
العنف عند داعش عقيدة
اما في حالة الجماعات التكفيرية فتبدو الامور اكثر تعقيدا لأن هذه الجماعات تعتبر نفسها " خير امة أخرجت للناس”، بيدها المفاتيح الى الملكوت الاعلى، وهي المكلفة "بهداية الناس الى شرع الله القويم”، وليس فقط الى "توحيد الربوبية” بل الى "توحيد الحاكمية” التي أسس اركانها "سيد قطب”، وشرحها شقيقه "محمد قطب” في كتابه "جاهلية القرن العشرين” وجعلها ركنا رابعا من اركان التوحيد.
إن مكمن خطورة هذا الاتجاه أنه ادخل مبحث الحاكمية الى فضاءات "البحث العقدي” بكونه بحثا يقابل الشرك الاعتقادي. وهو ما تم إدخاله، بفعل إسهامات "القطبية”. وبحسب "الاصول” والمنهج التكفيري فإن توسعة البحث العقدي ليشمل "توحيد الحاكمية” سيلزم منه بالضرورة توسعة في مروحة الفئات الخارجة عن الاسلام، والتي سينطبق عليها تلقائياً مفهوم "الكفر”.
وعليه، فلم يعد "الكفر” ينطبق حصراً على الشيعة والصوفية او بعض "السلوكيات الشركية” كما تحكم على ذلك الوهابية، بل بهذا المعنى اصبح الكفر ينطبق على كل من لا يرى شرعية للحاكم المنصب من قبلهم.
من هنا يظهر بوضوح أن هذه الجماعات لا تصطدم مع فئة بشرية بعينها، بل تضع نفسها في صدام مع الجميع باستئناء "الانا” او الـ "نحن”.