تقوية العلاقات مع سورية حاجة لبنان الملحة
بعد الحرب المدمرة التي فُرضت على سوريا قبل سبع سنوات، أصبحت الاخيرة اليوم على أبواب الدخول في مرحلة البناء والإعمار، وفي نفس الوقت يتنامى القلق في لبنان إثر اصرار تيار الـ 14 من آذارعلى مواقفه المناهضة لسوريا تحت ضغوط الغرب وبعض المشيخات العربية المطلة على الخليج الفارسي، ان يتخلف لبنان عن الفرصة الثمينة للمشاركة في إعادة إعمار سوريا، والتي تعود بالنفع على إقتصاديات البلدين، خاصة الاقتصاد اللبناني المهزوز أساسا.
ويرى بعض الاقتصاديين اللبنانيين ان إعادة الإعمار في سوريا تُشكل فرصة لإنقاذ الأقتصاد اللبناني من مشاكله، في وقت تكون الأرضية مهيأة لتنمية التعاون بين البلدين، وخاصة ان اقتصادي البلدين يكمل بعضهما البعض. ففي لبنان تشنط المؤسسات المصرفية والتأمين، الأمر الذي تفتقر اليه سوريا في الوقت الراهن، وعليها ان تستنجد بالشركات الاجنبية لإعادة إعمار مرافقها ومؤسساتها، وفي المقابل تتمتع سوريا بأراض زراعية خصبة واسعة، يفتقر إليها لبنان. أضف الى ذلك أن مساهمة لبنان في إعادة إعمار سوريا ستعود بالنفع عليه، ليتمكن من إستثمار هذه الفرصة الذهبية، لمعالجة اقتصاده الذي يعاني من مشاكل عصيبة اساسا.
وما أن طُرحت قضية إعادة بناء سورياعلى الارض، حتى تسارعت بعض الأطراف اللبنانية بتسجيل المئات من شركاتها في العراق ولبنان وروسيا والصين واروبا، لتدخل معترك المنافسة لإعادة بناء سوريا، علها تفوز بحصة الأسد. وما يلفت الإنتباه في ظل هذه الأجواء أن الكثير من التيارات اللبنانية المتشددة في معارضتها لسوريا والتعاون معها، مازالت لاتعي أهمية هذه الفرصة الثمينة. في حين أن بعض الجهات التي مازالت تعارض سياسة سوريا، راحت تُشكل شركات عملاقة وبتسميات أخرى، علها تفوز بالحصول على موطئ قدم في إعادة بناء سوريا. لكن المراقبين يستبعدون ذلك، خاصة أن المواقف السابقة لتلك الجهات، حيال الحرب على سوريا، قد تحول دون فوزها بالمشاركة في إعادة بناء وإعمار سوريا. لأن الحكومة السورية، ونظرا لعلاقاتها العريقة وتواجدها المتواصل في لبنان، يسمح لها من تحديد هوية هؤلاء الاشخاص وفضح شركاتهم المُنَقَبَة بمُسميات مزورة، ومن الآن راحت تشير إليها بالبنان. بحيث ان سفير سوريا في لبنان يقول: "ان دمشق تعتقد ان لبنان لايحكمه صوت واحد، والخلافات بين الاطراف السياسية كبيرة جدا، فبعض التيارات اللبنانية شاركت في الحرب والعدوان على سوريا، فيما وقفت غالبية التيارات الأخرى الى جانب حكومة وشعب سوريا وقارعت الإرهاب والجماعات الارهابية، وقد تنقب البعض ليدخل الاسواق السورية، لكننا مازلنا قادرين على تحديد العدو من الصديق". ومن هنا اذا ما اراد لنبان ان يكون له دور في إعادة بناء سوريا، فعليه توثيق علاقاته مع دمشق، لأن في ظل سياسته الحالية، لاتعدو المشاركة في إعادة إعمار سوريا والفوز بالفرصة الذهبية التي تخدم الإقتصاد اللبناني إلا خيالا فارغا.
ومما تجدر الاشارة اليه ان هناك ثلاثة تيارات سياسية تقليدية في لبنان، عملت على تمتين العلاقات مع دمشق، وفي المقابل عملت ثلاثة تيارات اخرى على عرقلة تطبيع علاقات البلدين، وبالرغم من ان سوريا أضحت اليوم على ابواب الانتصار الحاسم في الحرب على الارهاب ميدانيا، الا أن الخلاف في لبنان بالنسبة لتنمية العلاقات مع سوريا ما زال قائما، وقد يتجلى ذلك تحت عنوان التأكيد على إعادة المهجرين السوريين من لبنان الى بلادهم. فالطرفان المختلفان بهذا الشأن هما تيار الثامن من آذار والرابع عشر من آذار اللذان طفحا على الساحة بُعيد إغتيال رئيس الوزراء الرئيس رفيق الحريري عام 2005، وكان اختلافهما منذ البداية حول الموقف السياسي من سوريا وتيار المقاومة في لبنان. فتيار الرابع عشر من آذار يتكون من ثلاث جهات رئيسية هي: تيار المستقبل برئاسة سعد الحريري، والحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة وليد جنبلاط، وحزب القوات اللبنانية(الكتائب سابقا) بزعامة سمير جعجع، بحيث شارك كل منها بشكل وبآخر في الحرب على سوريا وكان يحلم بإسقاط نظام الرئيس بشار الاسد في سوريا. لكن هذا التيار اليوم خسر رهان الحرب على سوريا، ويشعر بأن علاقاته مع السعودية وامريكا مازالت تمنعه من الموافقة على حوار الحكومة اللبنانية مع نظيرتها السورية بشأن عودة المهجرين السوريين. وكلما تمظهر بمظاهر انسانية بشأن عودة اللاجئين السوريين، وتذرع بالحرص على أمنهم وسلامتهم، إلا أن الشواهد تؤكد عدم صدقه حتى أن الوثائق الموجودة تؤكد انه حاول قضية استغلال اللاجئين سياسيا وماليا لصالحه، بحيث إنه لم يكن يصرف الأموال التي كان يحصل عليها بإسم اللاجئين، عليهم وكان يتركهم في اوضاع صحية مزرية. وما بثته الشاشات عن أوضاع اللاجئين الذين كانوا تحت اشراف هذا التيار توضح اسلوب تعامل حكومة الحريري معهم، وكيف كانوا يقضون ايامهم دون ان تصلهم المساعدات الدولية.
وخلافا لتيار الرابع عشر من آذار، هناك تيار الثامن من آذار الذي كان له موقفا صارما لضرورة تنمية العلاقات مع سوريا مؤكدا أنها تعود بالنفع على البلدين. وبدوره يتكون هذا التيار من ثلاثة اضلاع هي تيار حزب الله، وحركة امل، وتيار الوطني الحر بقيادة الرئيس الجنرال ميشيل عون وحزب السوري الوطني الاجتماعي. كما أن جبران باسيل أحد ابرز شخصيات تيار الوطني الحر يقول: ان كل الطرق السياسية والشعبية والاقتصادية ستكون مفتوحة بين لبنان وسوريا، وبتشكيل الحكومة الجديدة، سنشهد نقلة نوعية في التعامل بين البلدين بما يخدم مصالحهما بشكل يتماشى و ميزات وحجم العلاقات الثنائية للبلدين. كما يطالب هذا التيار بفتح حوار مع الحكومة السورية على مختلف المجالات بما فيها كيفية إعادة المهجرين السوريين والتنسيق بين جيشي البلدين فيما يخص مكافحة الارهاب، وقضية المخطوفين، والقضايا الاقتصادية المشتركة والتجارة العابرة بين البلدين. وقد حصل هذا التيار على عدد لابأس به من مقاعد البرلمان في الإنتخابات النيابية الأخيرة، وينتظر تشكيل الحكومة الجديدة وتسوية الخلافات والمشاكل العالقة بين البلدين بشكل جاد، لكن إفتعال العراقيل المعرقلة لتشكيل الحكومة الجديدة من قبل التيارات السياسية وخاصة الرابع عشر من آذار، ورفعه شعار المحاصصة، مازالت تحول دون تشكيل الحكومة. لكن يبدو أن نتيجة لإستمرار الإنتصارات المتتالية للجيش السوري والقوات الرديفة، وتغيير مواقف الغرب وبالتحديد المواقف الامريكية تجاه الأزمة السورية تحت وطأة ضغوط الراي العام، وإنحسار دور هذا التيار داخل لبنان، أضحى تيار الرابع عشر من آذار مضطرا لتغيير بعض مواقفه السياسية واستجابة المطالبات الموجودة على الارض.
د.محمد بجنوردی