السعودية والإمارات وحرب اليمن.. آخر العلاج النفط
صلاح السقلدي
بعد ساعات من إعلان الحركة الحوثية ”أنصار الله” باليمن عن استهدافها لبارجة حربية سعودية بالبحر الأحمر سارعت الرياض مباشرة للإعلان عن أن ناقلتي نفط عملاقتين تابعتين للشركة الوطنية السعودية للنقل البحري تحمل كل منهما مليوني برميل من النفط تعرضتا لهجوم من قبل القوات الحوثية صباح الاربعاء بعد عبورهما مضيق باب المندب. فهذا الصمت السعودي عن الواقعة، والتأخير بإعلانه الى بعد الإعلان الحوثي، فضلاً عن امتناع المملكة ـ حتى صباح الخميس ـ عن نشر أية صور للناقلتين المفترض أنّهما تعرضتا للقصف يرجح صحة الرواية الحوثية عن الرواية السعودية.
وبعد هذه الواقعة وبشكل مفاجئ للجميع بمن فيهم المجتمع الدولي أعلنت السعودية عبر وزارة النفط وشركة ارامكو عن ايقاف كل شحنات النفط الخام عبر باب المندب, مما يعني وضع المنطقة على فوهة بركان وهي المنطقة المشتعلة أصلاً, كما يضع المجتمع الدولي في مأزق من الحرب الدائرة باليمن منذ أكثر من ثلاثة أعوام وهو أي المجتمع الدولي يرى اقتراب شررها من براميل النفط العالمي, مما يعني ذلك بالنسبة للحرب ولليمن وللسعودية إمّــا أن يمضي المجتمع الدولي لوقف الحرب بخُــطى حثيثة ويشد من عضد المبعوث الدولي الى اليمن "مارتن جريفيت” الذي أعلن أن المفاوضات بين فرقاء الحرب اليمن ستستأنف بعد عيد الاضحى، أو دخول هذه الدول والمنطقة برمتها في أتون صراع خطير بالتوازي مع الأوضاع المتأزمة بهذه المنطقة وهي الأوضاع التي تذكي نارها واشنطن و"اسرائيل" في إطار تصعيدهما ضد إيران، خصوصا بعد أن دخل النفط كعنصر جديد بالصراع في المنطقة بعد قرارات ترامب بخنق إيران اقتصاديا وفرض عقوبات على الشركات التي تستورد النفط الإيراني, وتهديد طهران بإغلاق مضيق هرمز أمام النفط الخليجي كأجراء يجابه المساعي الامريكية الخليجية لخنقها.
مع ترجيحنا بأن المجتمع الدولي الذي حذر التحالف والإمارات بالذات من خطورة التصعيد بالبحر الأحمر ومن إدخال مدينة الحُــديدة ومينائها المتبقي أمام إيصال المساعدات الغذائية والدوائية لملايين الجياع والمرضى اليمنيين, سوف تدفعه هذه الواقعة الى ممارسة مزيدا من الضغوطات لإيقاف الحرب ليس فقط بسبب سوء الأوضاع الإنسانية باليمن ولكن لخطورة الأوضاع على ممر الملاحة الحيوي.
فهذا التطور الخطير الذي حصل الأربعاء بالبحر الأحمر وما تلاه من قرار لوقف مرور النفط السعودي يتماشى سعوديا مع الحرب الأمريكية الاسرائيلية ضد أيران, فهي أي السعودية التي تزعم أنها اتت بطائراتها وأساطيلها لتعيد سلطة شرعية يمنية الى صنعاء، تتخذ من اليمن ساحة لتصفية حساباتها مع إيران أولاً، ولإرضاء الجانب الأمريكي ثانيا، بعد أن تحاشت الدخول بحرب مباشرة مع طهران بأكثر من مكان في العراق وسورية ولبنان اتقاءً لأية خسارة عسكرية، خصوصاً وأن لإيران خبرة عسكرية طاغية وعزيمة قتالية ايدلوجية لا نظير لها بالمنطقة مقابل خبرة عسكرية سعودية متواضعة للغاية اتضح ذلك جليا بهزالة تعاطيها بالحرب باليمن أمام طرف محاصر ومنهك تفوقه عُدة وعتاد وامكانيات ومال ودعم دولي لا حدود له.
وعطفا على ما تقدم وعلى التعثر العسكري للتحالف في اقتحام مدينة الحديدة والظفر بمينائها الهام أرادت الرياض اقحام الملاحة الدولية في هذا الصراع لعل ذلك يشكل مزيدا من الضغوطات على الحركة الحوثية ويحشد ضدها وضد إيران العالم كله، سيما والأمر هنا يتعلق بمورد النفط والطاقة الدوليين، مع أن المملكة السعودية والإمارات لا تحتاجان لأي سند دولي فهما تتسلحان بالدعم الدولي الى أقصى مدى ولا ينقصهما إلا شد حيلهما على الأرض، وهذا ما لم يحصل حتى الآن بشكل حاسم برغم اختلال ميزان القوتين لمصلحة الطرف "السعواماراتي”.!
يقيني أن كانتا السعودية والإمارات استطاعتا اقتحام مدينة الحُديدة والاستيلاء على مينائها فلن تثيران موضوع الناقلة حتى وأن كان المستهدف هي فعلا ناقلة نفط وليس بارجة حربية، وكانتا ستصوران الأمر على أنه طبيعي جد، و أن ممر الملاحة سالك جدا. فالتحالف السعودية الإماراتي لم يعمد الى ذلك إلا حين تأكد له يقينا استحالة الظفر بالمدينة الساحلية ومينائها،وهو الهدف الرئيس الذي تتوق لها الامارات بقوة لتستكمل به سيطرتها على كل الشريط الساحلي اليمني ـ تقريبا ـ وعلى كل الموانئ والجزر, وحين تعثر ذلك عليها بالحُديدة لجأت الى آخر العلاج وهو النفط لعل ذلك يختصر لها الطريق الى المدينة الساحلية، ولكنه رهان محفوف بالمخاطر ليس فقط على مستقبل اليمن ولكن على المنطقة برمتها وعلى السعودية والإمارات بالذات، بعد أن صارت سمعتهما باليمن وخارجه بسبب هذه الحرب في أسوأ حال.