ترامب إحترس.. فيتنام ستكون نزهة
جمال كامل
كما كان متوقعا لم تمر ساعات حتى غير الرئيس الامريكي دونالد ترامب، كعادته، موقفه من تهديد ايران بلغة لا يمكن وصفها سوى بالبلطجية والسوقية، الى الاعلان عن استعداده للتوصل إلى اتفاق حقيقي مع ايران حول برنامجها النووي.
في الوهلة الاولى قد يبدو التغيير السريع في موقف ترامب ازاء ايران، يعود الى طبيعة ترامب المتقلبة، كما يرى البعض، ولكن في هذه القضية بالتحديد، لا يعود هذا الانقلاب السريع في موقف ترامب الى طبيعته النزقة، بل الى الرد الايراني القوي والحازم الذي وأد حرب ترامب النفسية ضد ايران في مهدها .
ترامب ومتطرفو ادارته اطلقوا التهديدات كبالون اختبار لمعرفة المدى الذي يمكن الوصول اليه في تهديد ايران لتغيير مواقفها، ازاء اهم القضايا المصيرية للامتين العربية والاسلامية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، والعدوان على الشعبين السوري واليمني.
السذج والمغرضون، هم فقط من صدّق تهديدات ترامب وطبل لها، اما الغالبية العظمى من المراقبين للمشهد السياسي لمنطقة الشرق الاوسط، تعلم جيدا ان من المستبعد جدا ان تكون هناك اية جدية وراء هذه التهديدات، فايران تملك من القوة والنفوذ في المنطقة، تجعل من حرب فيتنام نزهة بالنسبة لامريكا، اذا ما نفذت تهديدها.
من الواضح ان ايران اتخذت خيارا استراتيجيا، في الا تقف مكتوفة الأيدي امام مرور 18 مليون برميل من النفط يوميا عبر مضيق هرمز، بينما لا تستطيع هي من تمرير برميل من النفط من المضيق، كما هدد وزير خارجية امريكا بومبيو.
الاستراتيجية الإيرانية قائمة على قاعدة "اما الامن والتجارة في الخليج الفارسي للجميع، واما لا امن ولا تجارة لاحد”، فمن السذاجة، بل من الغباء، اعتماد استراتيجية اخرى، فمنع الدول، تحت التهديد والوعيد، من شراء النفط الايراني، هو اعلان حرب وبشكل سافر ضد ايران، ليس امام ايران للانتصار فيها، الا ان تغلق مضيق هرمز وتمنع النفط عن الجميع، فنتائج مثل هذا الاجراء لن تكون بسوء نتائج موقفها اذا ما تراجعت امام التهديدات الامريكية.
اكثر الاحتمالات تفاؤلا بالنسبة لترامب، بعد تهديداته الطفولية التي كتبها بالأحرف الكبيرة على تويتير ضد ايران، كان توقعه حصول حالة من الصدمه في ايران تُدخل قيادتها في حال الصمت، الا ان ما حصل كان على العكس تماما، فهناك في ايران من سخر بترامب ووضع تهديداته في خانة رعونته، بينما جاء الرد صاعقا من قبل القيادة العسكرية والسياسية لايران، الذي ذكّر ترامب بوقوع عشرات الالاف من الجنود الامريكيين، والمصالح الامريكية، ومصالح الدول الحليفة لامريكا، في مديات الصواريخ الايرانية.
في كل خطابات ترامب، منذ انتهاكه للاتفاق النووي، وحتى تهديده ايران بلغة رعاة البقر، توجد هناك جملة مشتركة، وهي انه على استعداد للتفاوض مع ايران، للوصول الى اتفاق افضل، وهي جملة تؤكد وبشكل واضح، ان فكرة شن حرب على ايران، لا تدور مطلقا في مخيلة ترامب، رغم كل الضجيج الإعلامي الذي يثيره عادة، فهذا السمسار، الذي ما انفك يعكر صفو علاقات امريكا مع دول العالم من اجل المال، والحصول على قدر اكبر من الارباح، يعرف جيدا ان أي مغامرة مع ايران ستجعل كلفة عدوان امريكا على العراق وافغانستان، تبدو اصفارا لا قيمة لها.
ترامب يعلم قبل غيره، انه قبل اربعين عاما، عندما كانت ايران وحيدة وفرضت عليها حرب عبثية استمرت ثماني سنوات، كما فرض عليها حظر شامل، الا انها لم ترضخ للإملاءات الامريكية، فمن باب اولى الا ترضخ لهذه الاملاءات اليوم، وهي الان في ذروة قوتها، وفي ذروة استعدادها، وفي ذروة انتصار محورها في المنطقة، وفي ظل هزيمة امريكا ومحورها من الحكومات الرجعية واذنابها من الدواعش والقاعدة، واخرها اصحاب "الخوذ البيضاء”، الذين تم تهريبهم الى اوروبا وامريكا وكندا عبر "اسرائيل”، لإخفاء شهود الزور في مسرحيات الكيمياوي التي اخرجهتها امريكا والغرب و”اسرائيل” والرجعية العربية.