kayhan.ir

رمز الخبر: 79158
تأريخ النشر : 2018July18 - 20:05

المجتمع السعودي بين القوانين الإصلاحية والضوابط الأخلاقية!!


ف.رفيعيان

تعتبر الأخلاق أهم الدعائم والأسس التي يقوم عليها نظام الحياة البشرية، ومما لاشك فيه أن المستوى الأخلاقي للأمة مقياس حضارتها وأساس بناء مجتمعها.

وتعتبر مكارم الأخلاق علامةً لكمال الإيمان وسمة من سمات المؤمن ومقصدًا لرسالته ومهمته، فهي أشد حاجة للافراد والمجتمع البشري، وغاية من أسمى الغايات الإنسانية، ومن أعظم المقومات للحضارة الإنسانية، لا يمكن الاستغناء عنها في أي نوع من الأنواع البشرية ولا بأي مجتمع من المجتمعات الإنسانية.. من أجل ذلك منذ أول وجود المجتمع الإنساني كانت المهمة الأخلاقية من أحسن المهمات لسائر الأديان والمذاهب.

ويعيش المجتمع السعودي في نطاق منظومة مشددة من القوانين والأنظمة الاجتماعية والدينية والأخلاقية والقيمية!!.. التي كان يزعم بأن الهدف منها هي المحافظة على النسق الأخلاقي المرتبط بالتعاليم الدينية الموروثة.

ولعل السعودية هي الدولة العربية الوحيدة التي أنشأت شرطة دينية لهذا الغرض! وعلى مدى عشرات السنين، أطبقت التعاليم الدينية التي صاغتها المؤسسات الدينية الرسمية على حياة المجتمع السعودي، وأصبحت جزءا من عاداته وتقاليده وقيمه وثقافته المعروفة.

ويعاد إنتاجها من خلال نظام تعليمي وثقافي وإعلامي يديره الشيوخ الداعية السلفية بحجة الالتزام القسري بالدين السائد، اعتباراً أن السعودية دولة دينية والمجتمع السعودي مجتمع متدين، إلا ان ما يبدو وعلى مدى أكثر من نصف قرن من تطبيق الرأي السلفي في المجتمع السعودي ورغم كل ما قام به محمد بن سلمان، من تغييرات اساسية معارضة مع ماكانت متجذرة في بنية السعودية الإجتماعية تحت عنوان الإصلاح، فان النتائج والمخرجات على الأرض تبدو متناقضة مع أهدافها الموضوعة.

في بلد يوصف بأنه القلعة الحصينة للإسلام السلفي وأغنى بلاد العالم، لما تحتويه أراضيه من موارد طبيعية ضخمة وموقع استراتيجي هام، إلا إن واقع التنمية البشرية والاقتصادية وخاصة المعطيات الاجتماعية المتعلقة بأسلمة المجتمع، من خلال المعطيات المتوفرة، تقل بكثير عن الشعارات المرفوعة وتصوير أجهزة الإعلام والأهداف والغايات الكبرى التي أقيم من اجلها هذا الإنفتاح الإصلاحي!! الذي كان يهدف إلى نهضة المجتمع وتطوره مع الالتزام التام بالتعاليم الدينية والقوانين الشرعية!...إلا إن كلا الهدفين لم يتحققا على ارض الواقع أبدا، فلم يصبح المجتمع مجتمعا دينيا ملتزما بتعاليمه وقوانينه إلا في إطار نسبي، ولم يحقق أي تنمية فعلية يعتد بها.

وكل ذلك بسبب عدم القدرة على تنمية المجتمع بما يتلاءم مع المتطلبات الحقيقية والواقعية لاستثمار الثروات الطبيعية والبشرية والتي تتناقض مع رأي النظم الحاكمة في السعودية.

وبسبب الانغلاق الخانق الذي عاشه المجتمع السعودي في بيئة اصطناعية ظاهرها الفضيلة المطلقة وباطنها الفضيلة النسبية وبسبب الإنفتاح الجامح الغیردقيق بيد ولي عهدها المتصابي، انتشرت في المجتمع السعودي المخالفات الصريحة لتعاليم ومكارم اخلاقية هناك وزادت نسبة الجرائم بما يفوق المجتمعات الأخرى.

وسجلت الإحصائيات جرائم مهولة في المجتمع السعودي، بحيث لم تحقق الحكومة والهيئات المسؤولة! أي انجاز لها في مضمار تدني نسبة الجرائم في المدن والحواضر السعودية.

كمثال قتل أب لأبنائه الثلاثة أمام والدتهم في الطائف، وما أطلق عليه في حينه، "جريمة اغتصاب بنت القطيف" في عام 2008.

وقتل سعودي زوجته دهسا بالسيارة، وقتل فتاتين سعوديتين لمسنة بدافع السرقة في الرياض، وقتل مواطن لابنه في الطائف، وحرق شاب لمنزل عائلته في القطيف و و و... غيرها

من الحوادث الرهيبة التي حدث في السعودية.

ففي كل الأحوال، لم تحقق الحكومة أي انجاز في هذا المجال الحيوي، ولم يصبح المجتمع السعودي مجتمعا يسجل أدنى النسب المرصودة في أعداد وأنواع الجرائم في المنطقة.

مثلا: أظهرت إحصائيات أن الجريمة بين الشباب السعودي العاطل عن العمل زادت بنسبة 320% .

ويقول احد الأطباء في مستشفى بالرياض: انه يشهد حادثا أو حادثين لإطلاق النار كل شهر في المتوسط، و معظمها غير متعمد، إلا أنه أصبح يشهد حاليا كثير من حوادث طعن وإطلاق نار كل أسبوع.

وحسب إحصائيات فقد ارتفع عدد الجرائم في السعودية ليصل إلى نحو 90 ألف جريمة جنائية بمعدل جريمة واحدة لكل 252 فرداً.

وفي عام 2008 زادت معدلات الجريمة بنسبة 14% عن عام 2007، وأوضحت التقارير أن عدد الجرائم المسجلة بلغ (78737) منها (27888) جريمة اغتصاب ومضايقة جنسية، أي ما يعادل 35% من مجموع الجرائم الكلي!

بينما في مملكة البحرين وفقا لإحصائيات عام 2006 فان عدد الجرائم المسجلة بلغ 22480، منها 249 جريمة تحت بند "تمس الدين والأسرة" بنسبة اقل من 1%! وإذا ما ألحقنا الجرائم الجنسية بتصنيف "جرائم واقعة على الأشخاص" البالغة (6659) أي بنسبة 29%.

وهي جرائم متعددة قد يكون من بينها جرائم جنسية، ففي كلا التصنيفين فان نسبة الجرائم الجنسية في البحرين لن تبلغ على نحو الإطلاق ما سجله المجتمع السعودي، بالرغم من تطبيقه لمنظومة فضيلة وعفة صارمة، بينما تسري في المجتمع البحريني القوانين المدنية والحياة الاجتماعية المفتوحة، بكل ما تحمله من مظاهر وآثار سلبية مخالفة للتعاليم الدينية.

وفي دراسة سعودية حديثة تبين إن أكثر من 70% من الملفات التي يتم تداولها بين المراهقين السعوديين عبر الهاتف المحمول تحوي مواد إباحية!

حيث قال الباحث البروفيسور عبد الله الرشيد "إن ذاكرة الهواتف المحمولة التي أخذت من مراهقين تظهر أن 70% من الملفات تحوي مواد إباحية و8.6% لها علاقة بالعنف!

كما انتشرت ظاهرة زواج القاصرات في المجتمع السعودي، دون المجتمعات الخليجية المجاورة له، حيث تزوج رجال سعوديون فتيات لم يتجاوزن العاشرة من أعمارهن، بينما بلغت أعمار بعضهم السبعين والثمانين من العمر!

والمعروف أن السعودية من الدول القلائل التي لا يحدد قانون الزواج فيها أدنى عمر للسماح بالزواج، وفي وقت سابق من عام 2008 أبطلت السلطات زواج طفلين لم يتجاوزا الـ11 من العمر، بعد انتشار خبر زواجهما في وسائل الاعلام واحدث ضجة واسعة النطاق آنذاك.

ومن الحالات التي شغلت الرأي العام زواج رجل في السبعين من ابنة الـ11 عام، وزواج رجل في الخمسين من ابنة الـ8 سنوات!، وزواج رجل في الثمانين بابنة الـ10 من العمر، ومعظم هذه الحالات لفتيات يعشن في اسر مشتتة، ووقعن ضحايا لعلاقات مشبوهة.

وسارعت أمهات معظمهن لرفع قضايا تطالب بطلاق بناتهن، إلا إن المحاكم في اغلب الأحيان رفضت ذلك بسبب كون الزواج مبني على موافقة ولي الأمر.

وسبب زواج القاصرات إشكالات واسعة وظلم اجتماعي كبير، وأكد الأطباء انه يسبب مشاكل صحية جسدية ونفسية للأطفال، لاسيما الفتيات، مما دفع بمنظمات حقوق الإنسان المحلية والإقليمية والدولية، علاوة على الناشطين الاجتماعيين والحقوقيين داخل المملكة إلى مطالبة السلطات السعودية بحظره.

وحدث أخير ليس آخرها...

هذا وتداول رواد مواقع التواصل الإجتماعي مقاطع فيديو عنيفة لأم تعذب طفلتها بسبب خلافات أسرية وهي تلف يدها بقوة حول رقبة الطفلة فيما بدت الطفلة منهارة من البكاء وشدة الألم.

وطالب المغردون بتدخل هيئة حقوق الإنسان ووزارة العمل والتنمية الاجتماعية والبحث عن هذه الطفلة وانقاذها ومحاسبة الأم.

فقال المتحدث الرسمي لوزارة العمل والتنمية الإجتماعية، خالد أبا الخيل أن مركز بلاغات العنف الأسري تلقى بلاغ التعنيف ويتم الآن التدخل بسرعة.

الجدير بالذكر أن مقطع فيديو متداول، وثق إقدام أم على تعذيب طفلتها بطريقة بشعة بخنقها من رقبتها حتى كادت الطفلة أن تفقد الوعي، حيث أثار حالة من الاستياء والاستنكار عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وهذه ما انتجته الإصلاحات السطحية في المجالات الفكرية و النفسية والإجتماعية في المجتمع السعودي...

أجل.. وما يزال مسلسل الآراء الشاذة والعدوانية ينطلق من البيئة الدينية في المجتمع السعودي.. الأمر الذي يهدد الأمن الاجتماعي والوئام الوطني واللحمة الدينية والوطنية للمجتمع، ويجسد ثقافة العدوان والتضييق والتفكير، ويجعل من التعصب والإرهاب الفكري والنفسي والاجتماعي ثقافة مستحكمة في الواقع الاجتماعي.

وهذا ما تعاني منه المجتمعات العربية بشكل عام بتفاوت، ومن ضمنها المجتمع السعودي بنسبة ليست بالقليلة، بل إن المجتمعات الخليجية الأخرى يندر أن تخرج منها آراء عدوانية ضد شرائح أو أفراد في المجتمع.

وتكاد هذه الظاهرة الخطيرة محصورة في المجتمع السعودي من بين مجتمعات دول مجلس التعاون المجاورة له، تتخذ ضد مثيري فتاوى ودعاوى التكفير والقتل والفتن الطائفية إجراءات قانونية وقضائية صارمة.

علاوة على ذلك فان مثل هذه المواقف العدوانية تتناقض تماما مع تعاليم الفضيلة التي تدعو إلى التسامح والمحبة وحسن المعاملة.

المجتمع السعودي بين القوانين الإصلاحية والضوابط الأخلاقية!!

ويمكن القول إن الهيئات الدينية في المجتمع السعودي أخفقت إلى جانب إخفاقاتها الأخرى في تكوين مجتمع بعيد عن هذه الآراء والفتاوى الغير مسؤولة، والتي تطل ما بين فترة وأخرى معلنة عن وجودها وتحولها إلى واقع فعلي.

لعل من اخطر آثاره تسجيل الشبان السعوديين نسبا متفوقة على معظم الشبان العرب الآخرين في الانتماء للمنظمات الخارجة على القانون، كمنظمة القاعدة، وبعض الجماعات الإرهابية في بعض الدول العربية والإسلامية.

وقد شكلوا خلايا مسلحة دخلت في مواجهات دامية مع قوى الأمن في السعودية، وقام بعضهم بأعمال وأنشطة إرهابية، ليست لها نهاية.