kayhan.ir

رمز الخبر: 78892
تأريخ النشر : 2018July14 - 20:20

درعا.. نصرٌ استراتيجيٌ جديدٌ بعد حلب و دمشق


"نحن الخاسرون في الحرب السورية، الأسد سيصل إلى الحدود، أقول بتواضع أنه انتصار على "إسرائيل” أيضاً، وليس فقط على المتمردين”.

بهذه الكلمات تحدث معلق الشؤون العربية في القناة "الثانية” العبرية، "ايهود يعري” عما يجري جنوب سوريا، حاله كما حال أغلب الصحافة الإسرائيلية التي أقرت بالهزيمة ضمنياً بأن التقدير السائد في كيان العدو هو أن الرئيس الأسد قريب جداً من حسم المعركة مع التنظيمات المسلحة في جنوب سوريا، على ضوء تقدمه السريع في محافظة درعا، وأن الجيش السوري سيُعيد في الأسابيع المقبلة السيطرة على طول الحدود مع فلسطين المحتلة، ويجب على قوة الأوندوف أيضاً العودة بشكل فوري إلى المواقع والقواعد، التي تركتها مع اندلاع الحرب في سوريا في العام 2011، وفق قانون فصل القوات في العام 1974″.

فما من شكٍ في أن تحرير مدينة حلب ومحافظتي دمشق وريفها، وما أعقبه من تراجع في إمكانية "المعارضة السورية المسلحة” من تحقيق إنجازات عسكرية قد نشر جواً من الاحباط في صفوف المسلحين وداعميهم و "حاضنتهم الشعبية” التي وقفت مع "الثورة” في السراء والضّراء وقدّمت تضحيات من أجل نجاحها، فتحرير حلب أظهر الخِمار "الجهادي” المُسيطر على "جمهور الثورة” الذي لم يعد واثقاً من ثمار تضحياته بعد الانتكاسات المتتالية، وغير الخارطة الميدانية، وتحرير كامل دمشق وريفها قطع أوصال الجماعات المسلحة من شمال البلاد إلى جنوبها وزاد في إنعاش الدولة السورية عسكرياً واقتصادياً ورسم المعادلة السياسية الجديدة.

العملية العسكرية في درعا:

قبل انطلاق العملية العسكرية للجيش السوري في 22 حزيران/ يونيو من العام 2018، كانت الجماعات المسلحة تسيطر على مساحة كبيرة من محافظة درعا تقدر بـ 2350 كم2 من أصل مساحة المحافظة الكلي والبالغ 3900 كم2، أي ما يعادل 60% من المساحة الإجمالية، وفلول داعش "جيش خالد بن الوليد” تسيطر على مساحة تقارب الـ250 كم 2، أي 6% من المساحة الإجمالية، والجيش السوري يسيطر على مساحة تبلغ 1350كم 2، ما يعادل 34% من المساحة الإجمالية.

الجيش السوري عمد في تكتيكه جنوباً على مسارين متلازمين الأول عسكري حيث تمكن من استعادة السيطرة على كامل ريف درعا الشرقي المتداخل مع ريف السويداء الغربي (منطقة اللجاة) ومعبر نصيب الاستراتيجي وكامل الحدود الإدارية لدرعا مع الأردن باستثناء مقطع صغير غرب درعا حيث فلول داعش، والمسار الثاني عبر المصالحات الوطنية وتسوية أوضاع الراغبين وأبرز المدن والبلدات التي دخلت المصالحة في درعا هي مدينتي بصرى الشام وداعل وبلدات المزريب وانخل وكفرشمس ودرعا المدينة وغيرها من المناطق، حيث انقلبت المعادلة الميدانية كلياً فالجيش السوري بات يسيطر إلى الآن على 3200 كم مربع من إجمالي مساحة محافظة درعا، أي 82%، والفصائل المسلحة على 450كم مربع، ما يقارب مساحة الـ 12%، وفلول داعش 250كم مربع، ما مساحته 6%.

إذا، لا خطوط حمراء أمام تقدم الجيش السوري في الجنوب، والهدف الذي حددته القيادة السورية، هو إعادة الأمن إلى كل المناطق التي يتواجد فيها الإرهابيون على امتداد الجغرافية السورية.

الأهمية الاستراتيجية:

تشكل درعا نقطة التقاء المصالح الاقتصادية والسياسية – الأمنية وتتمتع بأهميّةٍ استراتيجيةٍ خاصةً بسبب موقِعهما الجغرافي الحدودي مع الأردن ولقُربِهما من العاصمة دمشق، كما تضم أيضاً معبر نصيب أحد أهم المعابر في منطقة الشرق الأوسط حيث كانت تنتقل عبره البضائع التجارية بين سوريا وكل من الأردن والخليج الغارسي، فهو يشكل بوابة البلاد الجنوبية وكذلك هو معبر مهم بالنسبة إلى لبنان.

السيطرة على درعا وما يمكن أن تعكسه على الواقع العسكري الجديد تغييرا في العلاقات السياسية بين دمشق وعمان وإعادة الشريان الاقتصادي خصوصا وأن رغبة الأردن في الآونة الأخيرة كانت بطرد المسلحين من على حدودها الشمالية، فضلاً أن درعا تمتلك خصوصية سياسية بتمتعها بوزن مهم في الحسابات الدولية الدقيقة وأبعاد سياسية معقدة بحكم الموقع الجغرافي وأهميتها الاستراتيجية كونها تحِد محافظة القنيطرة وبالتالي فلسطين المحتلة وهو الأمر الذي يقلق العدو الإسرائيلي بشكل فعلي ما يجعله يطالب بترتيبات أمنية بوساطة روسية.

الأهمية الاقتصادية:

لعل أبرز ما يمكن الحديث عنه من الناحية الاقتصادية هو إعادة تأمين الجيش السوري لطريق دمشق – عمان الدولي بالكامل، ما يعني أن الطريق الرئيسية الممتدة من مدينة حلب شمالاً حتى الحدود مع الأردن جنوباً باتت سالكة وهي الطريق الأطول في سوريا تمتد على مسافة أكثر من 450 كيلومتراً بدءاً من مدينة حلب ثم تجتاز حقولاً زراعية خصبة ومناطق صناعية ومدن رئيسية حماه-حمص-دمشق وصولاً لحدود الأردن، الأمر الذي يؤدي إلى ربط حيوي بين المحافظات السورية بالخارج عبر معبر نصيب وتشكل ثقلاً اقتصادياً عبر الفائدة التي يمكن ان يجنيها من مرور السلع والأشخاص من خلال المعبر إضافة إلى وصول المنتجات السورية إلى دول المنطقة والعالم وبالتالي تحسين الأوضاع التي يمر بها الاقتصاد السوري، فضلاً عن أن درعا لها أهمية كبيرة على الصعيد الزراعي والغذائي في سورية لتشكل بمقتضاها بعداً سيادياً للدولة السورية في تحقيق الأمن الغذائي والمحافظة على بقاء أسعار المواد الغذائية منخفضة .

الأهمية العسكرية والأمنية:

تشكل أهمية السيطرة الميدانية على درعا توسيع بقعة الأمان لمحافظة السويداء، إضافةً إلى زيادة الضغط على مسلحي القنيطرة الملاصقة لدرعا غرباً، والقضاء على الجماعات المسلحة التي كانت تخدم التطلعات والاهداف الإسرائيلية وهي خلق جدار بشري من هذه الجماعات كخط دفاع يفصلها عن القوات السورية في حال اندلاع حرب مباشرة، فضلاً عن أن تحرير المنطقة الجنوبية تباعاً يزيد الضغط على واشنطن بالانسحاب من قاعدة التنف كونها أنشئت بحجة محاربة داعش خصوصاً بعد تحرير كامل البادية الشرقية لسوريا.

الأهمية الرمزية:

تعتبر درعا من وجهة نظر المعارضة المسلحة "مهد الثورة السورية” فمنها انطلقت أولى شرارات الأحداث في العام 2011. وبسيطرة الجيش السوري على كامل المحافظة يكون الجيش السوري وجه صفعة معنوية كبيرة للمعارضة المسلحة التي خسرت جميع أوراقها في تلك الثورة المزعومة التي تكشفت حقيقتها "للحاضنة الشعبية للثورة” بشكل فعلي وبانت أنها ثورة مأجورة من خلال ما جرى في سوريا عموماً والجنوب خصوصاً، وما يؤكد ذلك خروج الأهالي في تظاهرات داعمة للجيش السوري في مناطق سيطرة المسلحين في درعا وغيرها من المناطق التي لم تعد تتحمل تجاوزات مسلحي "الثورة” الذي بات همهم الوحيد جمع الأموال والهروب لخارج البلاد بحسب تنسيقيات المسلحين.

أبرز الفصائل المسلحة في درعا:

1-جبهة النصرة.

2-حركة أحرار الشام.

3-جيش الأبابيل.

4-ألوية الفرقان.

5-فرقة الحمزة.

6-فرقة فجر الإسلام.

7-قوات تحالف الجنوب.

8-لواء المهام الخاصة.

9-ألوية قاسيون.

10-ألوية جيدور حوران.

11-جيش خالد بن الوليد (داعش)

12-فوج المدفعية الاول، بالإضافة إلى الكثير من التسميات المختلفة ضمن فصائل الجبهة الجنوبية.

فشل غرفة الموك في إدارة المعركة جنوباً:

غرفة الموك مقرها الأردن، وهي غرفة عسكرية خارجية ومركز قيادة استخباراتية وتنسيق وإصدار أوامر تديرها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا والاردن وبعض دول الخليج ( الفارسي )، تشكلت في عام 2013 لإدارة فصائل الجنوب التي أدركت ولو متأخرة انها لم تكن سوى أدوات فاشلة لدى غرف عمليات استخباراتية، سقطت بعد التقدم الميداني الكبير للقوات السورية خلال الأشهر السابقة، وهذا ما أكده تصريح واشنطن قبل بدء العلمية العسكرية للجيش السوري بالتخلي عن دعم الفصائل، ما أجبر المسلحين في 20 حزيران من العام الحالي أي قبل يومين من بدء العملية على إحداث مراوغة عسكرية عبر تشكيل غرفة عمليات مركزية في الجنوب السوري لصد تقدم الجيش في المنطقة، إلا أن حجم التخبط وتقاذف التهم والخيانات التي بانت بشكل واضح على تنسيقيات المسلحين تثبت مدى فشل تلك الفصائل وداعميها التي أعلنت عن تشكيل غرفة عمليات ثانية تحت مسمى "جيش الجنوب”، لذات الغرض في دلالة واضحة على انعدام التنسيق والفشل الذريع.

الدعم الإسرائيلي للجماعات المسلحة جنوباً:

لم يعد خافيا على أحد حجم الدعم الذي يقدمه العدو الإسرائيلي للجماعات المسلحة في جنوب سوريا، سواءً أكان لوجستياً عبر التداوي في المشافي الإسرائيلية وتقديم المواد الطبية وغيرها، أو عبر الدعم العسكري وهذا ما كشفته بعض الصور للأسلحة التي كانت تستخدمها الجماعات المسلحة في درعا.

العدو الإسرائيلي حاول وطيلة الفترات السابقة كسر جو الانتصارات الذي يحققه الجيش السوري عبر قصفه النقاط السورية ودفعه المسلحين لخلق معركة هنا واشتباك هناك جنوباً إلا أن التصريحات التي نقلها الاعلام العبري وآخرها لصحيفة "يديعوت أحرنوت” عن أحد المسلحين قوله، بأن استسلام "المتمردين” يرمز في الواقع إلى انتصار الرئيس الأسد على خصومه، مضيفاً "لقد انتهوا اليوم من درعا، حيث انتهت معها الثورة أيضاً”، وعندما سُئل عن مكانه، أجاب أنه كان في القنيطرة ، لكن "لا أحد يعرف ما حدث لها، أتمنى أن تتوسع الحدود مع "إسرائيل” وأن تشملنا ، وبهذه الطريقة لن يصل الأسد إلينا”.

كل ما سبق يكشف حجم الهزيمة التي منيت بها الجماعات المسلحة جنوباً والتي ارغمت العدو الإسرائيلي على التراجع عن فكرة خلق جدار بشري من هذه الجماعات كخط دفاع يفصله عن القوات السورية وكل ما يملكه العدو الصهيوني اليوم هو دعوته للعودة بشكل فوري إلى المواقع والقواعد، التي تركها مع اندلاع الحرب في سوريا في العام 2011، وفق قانون فصل القوات في العام 1974″.