بعد استعادة الجنوب السوري.. متى تنسحب أميركا من سوريا؟
سركيس ابو زيد
تكتسب منطقة الجنوب السوري خصوصيتها من أهمية موقعها الجغرافي الحدودي مع فلسطين المحتلة والأردن، عدا عن قربها من العاصمة السورية، ولأنها منطقة استراتيجية كان من الطبيعي أن تكون الهدف التالي بعد الغوطة الشرقية، وأن يتحرك الجيش السوري لاستعادة سيطرته عليها إما عن طريق القوة والحسم العسكري، وإما عن طريق المصالحة والتسوية والاستسلام على غرار ترتيبات طبقت في محيط دمشق وريفها على قاعدة ترحيل الفصائل المسلحة الى إدلب.
لكن الذي حصل في الجنوب السوري، وانطلاقا من درعا، كان مزيجا من الحسم والتسوية. فمن جهة عملية عسكرية بدأها الجيش السوري في درعا، وبغطاء جوي روسي، ومن جهة ثانية تفاهمات روسية - أميركية، وبعد عودة درعا الى حضن دمشق والى سيطرة الجيش السوري، ستقفل جبهة الجنوب السوري ولا يعود لإعلان نهاية الحرب رسميا إلا إقفال ملف إدلب في الشمال. هذه التفاهمات الأٌقرب الى "صفقة" تعزز فرضية الانسحاب الأميركي الذي يستعجله ترامب من الشأن السوري بشقيه السياسي والعسكري. وقبل صفقة الجنوب، كنا شهدنا صفقة أميركية - تركية في الشمال لسحب المقاتلين الأكراد من مدينة منبج الحدودية. الأميركيون تخلوا عن "الجيش الحر" في الجنوب وعن الأكراد في الشمال، ويظهرون ميلا واضحا الى التخلص من إلتزاماتهم ازاء الفصائل العسكرية، أكرادا وعربا، شمالا وجنوبا. لذلك شملت المشاورات الأمريكية في هذه الصفقة موقف الإسرائيليين أيضا، في وقت توقعت "تل أبيب" الهجوم السوري - الروسي وتتخوف من اقتراب حزب لله وإيران من خط وقف النار مع الكيان الاسرائيلي في قلب الجولان المحتل.
وفي تفاصيل اللقاء الروسي - الأميركي كانت الرسالة الإسرائيلية حاضرة، فتم التوافق على ترتيبات نهائية على خلفية التطورات الميدانية الجارية حاليا في المنطقة، خصوصا وأن واشنطن أعلنت عدم نيتها التدخل عسكريا، والخطوط العريضة للاتفاق باتت واضحة نسبيا: عودة الدولة السورية الى كامل مناطق الجنوب، وعودة الجيش السوري الى الحدود، وإقامة منطقة عازلة موازية لخط الهدنة في الجولان ، وإعادة العمل باتفاقية الفصل بين قوات الاحتلال الاسرائيلي والقوات السورية لعام 1974، بما في ذلك إعادة نشر قوات الأمم المتحدة لمراقبة فك الاشتباك.
خبراء في شؤون الشرق الأوسط يرون أن قرار إعادة الجنوب السوري إلى حضن الدولة السورية كان ثمرة تفاهماتدولية بين موسكو وواشنطن، على قاعدة "ضبط" الحضور الإيراني في سوريا في مقابل وعد بمغادرة القوات الأمريكية قواعدها في شرق هذا البلد وشمال شرقه، ووقف التصريحات المطالبة برحيل الرئيس بشار الأسد واستعجال المرحلة الانتقالية، وتسهل عملية الإصلاحات التي رسمتها موسكو لإدخال بعض الإصلاحات الدستورية تمهيداً لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في 2021 بعد نهاية الولاية الحالية للرئيس الأسد.
لكن، الكرملين يعرف أن قدرته على تقليص النفوذ الإيراني تظل لها حدود ومحاذير. مثلما يعرف أن الرئيس ترامب يرغب قبل حلول موعد الانتخابات النصفية أن يعلن نهاية الحرب على "داعش"، وكذلك قراره بسحب قواته من سوريا، من دون أن تنسحب هذه القوات فوراً كما ترغب موسكو ودمشق. هدفه دعم مواقف الحزب الجمهوري عشية الانتخابات. كما أن صقور الإدارة يعون بالتأكيد أن استعجال سحب القوات من سوريا يجرد واشنطن من أي أداة للضغط إذا أخلت موسكو بوعودها، أو عجزت عن الوفاء بها.
صحيفة "نيزافيسمايا غازيتا" الروسية نقلت عن مستشار وزير الخارجية الأميركي السابق لشؤون "الانتقال السياسي في سوريا" فريدريك هوف، قوله إن الاجتماع المرتقب بين بوتين وترامب منتصف الشهر الجاري قد يناقش الوجود الأميركي العسكري في شمال شرقي سوريا ضمن مواضيع أخرى. وأضاف هوف أن "الانسحاب المحتمل للجيش الأميركي هو امتياز قد يساعد ترامب على إنقاذ ماء وجهه. وسيكون على روسيا في المقابل تقديم بعض الالتزامات، مثل ضمان أمن "إسرائيل" والأردن"، معتبراً أن ترامب "مهووس بفكرة سحب القوات من سوريا". ولذلك تتجه الأنظار الى لقاء القمة الذي سيجمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنظيره الروسي فلاديمير بوتين في 16 تموز الجاري في هلسنكي، وهو أول لقاء يجمع الرئيسين من أجل مناقشة ملفات ضخمة: الاستقرار الاستراتيجي ومكافحة الإرهاب الدولي، والمشكلات الإقليمية التي تشمل كل حالات الصراع المعروفة، والملف الأبرز في هذا اللقاء سيكون الملف السوري الذي سيتم مناقشته بشكل شامل ومعمّق. فروسيا أصبحت شريكا إقليميا لا غنى عنه يساعد في حفظ التوازن، وتلعب دورا كانت تضطلع به ذات يوم الولايات المتحدة. فهل سينجحان في الوصول إلى حل للأزمة السورية المعقدة التي بدورها ستكون مفتاح الحل لمشاكل المنطقة؟ فلنراقب.