رهان واشنطن على الداخل الإيراني: المعركة الفاشلة مسبقاً
علي مراد
تزداد الضغوط الأميركية على الجمهورية الإسلامية عقب انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي وعودة العقوبات الاميركية تدريجياً على طهران في الأشهر الأربعة القادمة. يتجنّد في الحملة الاميركية على طهران كيان العدو، كونه المحرّض الأساسي لدى إدارة ترامب للانسحاب من الاتفاق النووي، ويُلحَق بها كل من الرياض وأبوظبي، في لعبة خطرة قد تكونان فيها أول المتضررين من خطوات الرد الإيراني على محاولات خنق اقتصادها والمسّ بمقدّرات شعبها من بوابة مضيق هرمز.
قبل عام من اليوم كان جون بولتون يضع اللمسات الأخيرة على خطة الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي مع إيران، وفي البند الأول من خطته ذكر بولتون ما سمّاه "الطلب من الحلفاء تقديم مساهماتهم"، ومن ضمن من يصفهم مستشار الأمن القومي بـ "الحلفاء" كل من كيان العدو والسعودية. اتضح أن مساهمات نتنياهو كانت بتقديم عرض مسرحي في 8 أيار الفائت (قبل أربعة أيام من إعلان ترامب الانسحاب من الاتفاق) حول ما ادّعى أنها معلومات ووثائق حصل عليها الموساد من داخل إيران "تؤكّد ان طهران لديها برنامج نووي سرّي للأغراض العسكرية". في خطة بولتون أيضاً ملحق من ثماني بنود تتعلّق بخطوات ما بعد إعلان الانسحاب من الاتفاق، أربعة منها تتعلّق بالداخل الإيراني عبر دعم معارضات على أسس قومية في أغلبها (1).
هذه الخطوات هي التالية:
1- إعلان الولايات المتحدة دعمها للمعارضة الإيرانية الديمقراطية.
2- إعلان الولايات المتحدة دعم التطلعات الوطنية الكردية، بما في ذلك الأكراد في إيران والعراق وسوريا.
3- تقديم المساعدة للبلوش، العرب في خوزستان، والأكراد، وغيرهم - وكذلك للمقاومة الداخلية في النقابات العمالية والطلاب والجماعات النسائية.
4- تنظيم معارضة نشطة للأهداف السياسية الإيرانية في الأمم المتحدة.
يتّضح في هذه البنود أن هناك تركيزاً على الوضع الداخلي في إيران، وهو ما عبّر عنه كثير من الكتّاب والساسة الغربيين مؤخراً عندما اعتبروا أن استراتيجية واشنطن الآن هي العمل على إسقاط النظام في إيران من الداخل، في محاكاة لانهيار الاتحاد السوفياتي بداية تسعينات القرن الماضي. المشكلة التي تواجه الأميركيين وأعوانهم في هذه الجزئية تتمثّل في عدم وجود جهة معارِضة إيرانية واضحة لها ثقل في الشارع الإيراني، لكي تتلقى الدعم اللازم الذي يطمح إليه هذا الحلف. لذلك يعود حلف التآمر على طهران إلى مربّع دعم "جماعة خلق" الإرهابية (الممقوتة شعبياً على نطاق واسع)، كما دأبوا على مدى عقود. في مؤتمرها السنوي الذي نظّمته الأسبوع الماضي في باريس، استقبلت متزعّمة هذه الجماعة الوجوه نفسها، وأُلقيت الكلمات نفسها، لكن افتقد حفل هذا العام جون بولتون، الذي لم يفوّت فرصة المشاركة في المؤتمر في الأعوام الماضية كما درجت العادة. بموجب بيانات مداخيله المالية التي قدّمها لوزارة العدل الأميركية بداية أيار الماضي عقب تعيينه مستشاراً للأمن القومي، يقرّ بولتون بأنه تقاضى مبلغ 40 ألف دولار اميركي مقابل إلقائه خطاباً في مؤتمر جماعة خلق الإرهابية في بداية تموز عام 2017 (2).
من غير الواضح إن كانت هذه الأموال التي تُدفَع للمتحدثين في مؤتمر الجماعة الإرهابية تأتي من جيب مريم رجوي الخاص، أو تدفعها المملكة السعودية بالنيابة عنها. باعتراف "مسعود خدابنده" المسؤول المالي المنشقّ عن "جماعة خلق"، الذي تحدّث لشبكة MSNBC الأميركية نهاية أيار الماضي، كانت ولا تزال جماعة خلق تتلقى الدعم المادي من السعودية. يذكر خدابنده أنه كان يشرف شخصياً على عملية نقل المبالغ المالية والسبائك الذهبية من السعودية الى معسكر أشرف عبر شاحنات الى الأراضي العراقية في تسعينات القرن الماضي، ليؤكّد أن هذا الدعم لطالما أمّنته الرياض للجماعة الإرهابية (3). تاريخ جماعة خلق حافل بالعمليات الإرهابية التي استهدفت المجتمع الإيراني منذ عقود، وهذا ما يدفع الإيرانيين بمختلف توجّهاتهم وآرائهم السياسية لينفروا منها ويرفضوا الأخذ بسرديتها في خطابها الموجَّه الى الداخل الإيراني. لكن ذلك لا يمنع السعوديين من محاولة تظهير الجماعة على أنها تحظى بمقبولية كبيرة في الشارع الإيراني، فتُنقَل شاشات القنوات السعودية وقائع مؤتمراتها السنوية مباشرة على الهواء، وتستضيف مسؤوليها بشكل منتظَم.
بعد طرد الحكومة العراقية جماعة خلق من معسكر أشرف عام 2012، لجأ عناصر الجماعة الى دول أوروبية مختلفة، لكن تركّز معظمهم في ألبانيا بعد أن أعلنت وزارة الخارجية الاميركية عن إزالة الجماعة من قائمة المنظمات الإرهابية. اليوم يناشد الألبانيون الاتحاد الاوروبي التدخل لإيجاد حل لمشكلة تواجد عناصر الجماعة في مجتمعهم، وسط توالي التقارير عن إنشاء الأميركيين قاعدة عسكرية سرية لتدريبهم على الأراضي الألبانية، وزيارات رجوي وجون بولتون العاصمة تيرانا أكثر من مرة في هذا الخصوص (4).
يقول "سعد الله سعفي" العنصر السابق في جماعة خلق الإرهابية أن هذه القاعدة السرية تمولها دول عربية غنية - في إشارة الى المملكة السعودية (5). من هنا لا يستبعد مراقبون أن تعمد هذه الجماعة الارهابية الى تنفيذ عمليات إرهابية وعمليات اغتيال عبر عملائها داخل إيران، للدفع باتجاه إحداث مناخ فتنوي واضطرابات من شأنها أن تؤجّج المشاعر القومية والمذهبية، في مسعىً لتطبيق الأهداف الأميركية التي يذكرها جون بولتون في خطته.
أياً تكن المخططات التي أعدتها أجهزة الاستخبارات الاميركية والاسرائيلية للدفع باتجاه استثارة المجتمع الايراني وإشاعة الفوضى داخلياً لإرباك نظام الثورة، لن تحقّق واشنطن ومن معها الكثير من النتائج كون طهران اعتادت على مواجهة هكذا مخططات على مدى أربعين عاماً من عمر ثورتها. والأكيد أن نماذج الفوضى الخلاقة التي مرّت على منطقتنا في الاعوام السبعة الماضية ستكون حاضرة لدى الشعب الإيراني الواعي، ولو أن فرص نجاح واشنطن في الداخل الايراني متاحة، لما عادت لتراهن على دعم جماعة إرهابية منبوذة كـ "خلق"، بالتوازي مع العقوبات الاقتصادية التي أثبتت طهران تاريخياً أنها قادرة على تجاوزها والالتفاف عليها.