kayhan.ir

رمز الخبر: 78387
تأريخ النشر : 2018July04 - 20:44

شراكة الرئيسين في انتاج الحكومة من بديهيات الدستور


واصف عواضة

تنص الفقرة الرابعة من المادة 53 من الدستوراللبناني ،والمتعلقة بصلاحيات رئيس الجمهورية ،على الآتي:" يصدر(أي رئيس الجمهورية) بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة ومراسيم قبول استقالة الوزراء أو إقالتهم ".

وفي السياق نفسه تنص الفقرة الثانية من المادة 64 من الدستور ،والمتعلقة بصلاحيات رئيس مجلس الوزراء،على الآتي:" يجري(أي الرئيس المكلف) الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة ويوقع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها. وعلى الحكومة أن تتقدم من مجلس النواب ببيانها الوزاري لنيل الثقة في مهلة ثلاثين يوما من تاريخ صدور مرسوم تشكيلها. ولا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة ولا بعد استقالتها أو اعتبارها مستقيلة إلا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال".

مناسبة هذا البحث الدستوري في هذه المرحلة،بعض اللغو والايحاء حول صلاحيات رئيسي الجمهورية والحكومة في مسألة تشكيل الحكومة الجديدة .ولا شك أن معظم السياسيين والإعلاميين ،فضلا عن جميع فقهاء الدستوروالقانون، يفهمون جيدا حدود هذه الصلاحيات ،لكن الجدل القائم حول هذا الموضوع يشكل نوعا من التضليل للرأي العام الذي غالبا ما يتفاعل مع هذا الجدل العقيم.

ثمة من أراد أن يوحي (تضليلا) بأن تشكيل الحكومة الجديدة هو من صلاحيات الرئيس المكلف وحده.وآخرون قالوا(تعمية)إن مفتاح التشكيل في يد الرئيس الكلف.وثمة من قال (صراحة) انه لا يجب أن تكون لرئيس الجمهورية حصة وزارية،لأن له كتلة برلمانية وازنة .

في الإيحاء الأول ثمة مغالطة ،إذ كان من الأجدى القول إن "مشروع" التشكيلة الحكومية هو في يد الرئيس المكلف ،لأن المشروع يبقى مشروعا الى حين موافقة رئيس الجمهورية عليه .

وفي الإيحاء الثاني ثمة حقيقة منقوصة ،إذ أن الرئيس المكلف يستطيع أن يفتح الباب ،ولكن ماذا لو أغلق رئيس الجمهورية الباب في وجهه وامتنع عن استقباله أو رفض تشكيلته الحكومية ؟

وفي الإيحاء الثالث ثمة حقيقة راسخة ،وهي أن رئيس الجمهورية يستطيع أن يفرض حصة وزارية له اذا أراد،وقد درجت العادة على ذلك ،واذا لم يرد يكون قد قدم مكرمة مجانية.

وبالعودة الى منطوق المادتين الثالثة والخمسين والرابعة والستين من الدستور ،يتبين بما لا يقبل الشك ،أن مهمة انتاج الحكومة الجديدة هي شراكة لا تقبل الجدل بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف.وعليه لا معنى لأي حديث أو ايحاء عن صلاحية مطلقة لأحد الرئيسين منفردا في تشكيل وإنتاج الحكومة.صحيح أن الرئيس المكلف "يجري الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة"،لكن انتاجها يتطلب مرسوما يوقع عليه الرئيسان،وعندما يمتنع أحدهما عن توقيع هذا المرسوم ،يظل البلد بلا حكومة أصيلة الى ما يشاء الله ،حيث لا مهل تجبر الرئيسين على انتاج الحكومة الجديدة .

لقد أعطى دستور الطائف رئيس الجمهورية صلاحية أساسية لا تقبل الجدل ،وهي الشراكة في انتاج الحكومة الجديدة،ولعلها من أثمن وأغلى وأرفع الصلاحيات التي يتمتع بها رئيس البلاد.ولو أراد مشرّعو الطائف نزع هذه الصلاحية-الشراكة ،لكان الرئيس المكلف يقدم تشكيلته الحكومية مباشرة الى البرلمان لنيل الثقة من دون المرور برئيس الجمهورية ،وفق ما هو معمول به في العديد من الدول التي تخضع للنظام الرلماني الصرف.

وفي الخلاصة،قد يبدو هذا البحث نوعا من البديهيات لدى من يملكون الحد الأدنى من الثقافة الدستورية،لكن الايحاءات والتسريبات التي تضج بها وسائل الاعلام تحمل في طياتها الكثير من سوء النيات أحيانا ،وهو ما يضلل بعض الرأي العام،لكنه لا يطمس الحقائق