الانتخابات التركية وآفاق التعاون مع واشنطن
محمد محمود مرتضى
جاءت الانتخابات التركية الاخيرة لتثبّت زعامة الرئيس رجب طيب اردوغان وحزبه "حزب العدالة والتنمية" على رأس السلطات في تركيا. ورغم ان "اردوغان" يعتبر من أكثر زعماء تركيا الحديثة شعبية، الا أنه سببا في انقسام الآراء حوله في نفس الوقت.
يوم الاحد الماضي أعلن أردوغان النصر في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، متقدما على منافسيه الذين وان بدا أنهم يكتسبون قوة دفع، لكن قوة الدفع هذه بدت عاجزة عن احداث تغيرات او مفاجآت في المشهد السياسي التركي.
وربما التصريح الخارجي الأهم واللافت كان ما قالته وزارة الخارجية الأمريكية من أنها "تحترم قرار الناخبين الأتراك وتتطلع لعلاقات بناءة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لكنها طالبته "بتعزيز الديمقراطية" في بلاده.
ومع ذلك، فالانتقال الحاصل في تركيا في أعقاب الانتخابات قد يدفع الى علاقات اكثر استقرارا بين انقرة وواشنطن.
ويبدو أن أكثر نقطة "ايجابية" في نظر واشنطن وصناع القرار فيها هي أن نتائج هذه الانتخابات ستبعد تركيا عن احتمال حصول مواجهات بسبب الانتخابات. اذا ثمة مؤشرات تشي ان الادارة الاميركية الحالية، بعكس السابقة، تميل الى ان قيام حكومة تركية هو افضل لناحية وجود شريك فاعل للولايات المتحدة الاميركية. وأن هذا الاستقرار يُحسن من استقرار المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة، على الاقل على المدى القريب.
فمهما كان المسار الذي سيختاره أردوغان في أعقاب الانتخابات، فإن واشنطن بلا شك تبدو مرتاحة في التعامل مع دولة تركية أكثر استقراراً، لا سيما بعد التفاهمات الاخيرة التي حصلت حول مدينة منبج السورية.
اذ كانت واشنطن وانقرة قد توصلتا في وقت سابق من هذا الشهر، اتفاق بشأن منطقة منبج في سوريا يشمل تعاون عسكري بين الولايات المتحدة وتركيا وانسحاب «حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي.
وفي المقابل فان تصريح أردوغان يمثل "سلفة" لواشنطن ايضا، حيث أوضح أردوغان أنه يريد بقاء القوات الأمريكية في شمال شرق سوريا للمساعدة على احتواء مختلف التهديدات المتصورة هناك، بدءاً من «حزب الاتحاد الديمقراطي» وفلول تنظيم داعش.
التصريح الاردوغاني قابلته واشنطن بالسماح بنقل أول طائرة مقاتلة من طراز "أف-35” إلى تركيا رغم تهديدات الكونغرس الأمريكي بوقف مثل هذه المبيعات بسبب شراء أنقرة لأنظمة الدفاع الجوي الروسية من طراز "أس-400”. ومما لا شك فيه أن هذه التسويات تدعم بشكل غير مباشر الفكرة التي كررها أردوغان خلال حملته الانتخابية، وهي أنه الوحيد القادر على حماية أرض الوطن.
من الواضح أن أردوغان شريك صعب وقد ظهر ذلك في التفاهمات التي يجريها مع واشنطن وروسيا حول سوريا. الا أن تركيا في المقابل هي من أقوى دول المنطقة من الناحيتين الاقتصادية والعسكرية وأكثرها استقراراً، وفضلا عن كونها عضوا في حلف الاطلسي فإنها تتعاونَ مع الغرب في عدة قضايا بدءاً من أفغانستان وأوكرانيا مروراً باللاجئين السوريين ووصولاً إلى دفاعات حلف "الناتو”.
تبدو المصادر التركية والوسائل الإعلامية المقرّبة من أردوغان منفتحة على احتمال توطيد العلاقة بين أنقرة وواشنطن، فيما تقول مصادر البيت الابيض أن واشنطن تتوقع من تركيا اتخاذ خطوات جوهرية لمعالجة العديد من المشاكل.
وتشمل هذه الخطوات تراجع انقرة عن شراء منظومات "أس-400” الروسية والتي ترى واشنطن ان دخولها لتركيا سيمثل تهديدا استخباريا حيويا يتعلق بطائرات "أف-35” الاميركية في تركيا، ما يعرّض، بحسب البنتاغون، أساطيل "أف-35” وأنظمتها الداعمة للخطر في دول أخرى.
ومهما يكن من أمر، فقد أظهرت الانتخابات في تركيا أن أردوغان سيبقى زعيما في المستقبل المنظور، لذا ترى واشنطن أنه يجب عليها التواصل معه بشأن القضايا التي تتطلب إجراءات فورية تجنب المنطقة أية عواقب تضر بمصالح الطرفين.