بعيدًا عن انتصار المتظاهرين.. هل أسقطت السعودية الحكومة الأردنية؟
أربعة أيام فقط من الإحتجاجات الشعبية التي أججت شوارع الأردن اعتراضًا على مشروع قانون القيمة المُضافة كانت كفيلة بإسقاط الحكومة الأردنية؛ فبعدما فشلت الحوارات واللقاءات التي عقدت بين الحكومة وأصحاب النقابات المهنية، فشل الجميع في الوصول إلى نقطة آمنة؛ فرئيس الوزراء يرفض سحب القانون بدعوى التزامات الأردن الخارجية، والمُتظاهرون رفعوا سقف مطالبهم؛ فطالبوا بإقالة الحكومة، وحل البرلمان، لكنّ الملك الأردني كان يرى المشهد بصورة أخرى بعيدة عن الجميع.
الملك عبد الله الثاني نفسه كان أحد المُعترضين على قرار الحكومة؛ حيث أشار في آخر خطاب له بأنه «ليس من العدل أن يتحمل المواطن وحده تداعيات الإصلاحات المالية»، إلا أنه حمل في طيات كلامه رسالة واضحة بشأن الخُذلان الذي تعرضت له بلاده بسبب مواقفها الخارجية قائلًا: «الظرف الإقليمي الصعب هو الذي سبب هذه التحديات لاقتصاد الأردن».
التقرير التالي يوضح لك لماذا أقدم الملك الأردني على اتخاذ القرار الصعب، وما هو دور السعودية في تلك الأزمة.
قبل الأزمة.. السعودية خفّضت مساعداتها للأردن ثم أوقفتها
مثلما كان للسعودية دومًا مشاكل حدودية مع كافة جيرانها، فالأزمات السياسية أيضًا حاضرة مع كل الدول المحيطة بها، وبين العقاب القطري، مرورًا بالغضب المكتوم تجاه سياسات الكويت، إلا أن الأردن من السهل عقابه والإيقاع به طالما أنه يعيش أزمة اقتصادية منذ نحو 30 عامًا، وبحسب البيانات الرسمية الأردنية، فقد تراجع حجم المساعدات السعودية للأردن؛ ففي عام 2015 بلغت المساعدات 474.3 مليون دولار، بينما في عام 2017 بلغت 165 مليون دولار، أي أنها تقلصت بنحو 300 مليون دولار خلال عامين، المثير أنها في بداية العام الجاري أوقفت مساعدات بقيمة 250 مليون دولار، ولغة الأرقام لها دلالة واضحة.
انخفاض المعونات للبلد الذي يعيش على المساعدات الخارجية، دفع الحكومة الأردنية للإتجاه إلى صندق النقد الدولي من أجل الحصول على قرض بقيمة 723 مليون دولار على مدار ثلاث سنوات، وفي مقابل ذلك يتعهد الأردن بتنفيذ حزمة الإصلاحات الإقتصادية والسياسة التقشفية التي ستدفع البلاد فيما بعد إلى موجة من التظاهرات؛ ستطيح بالحكومة بأكلمها، ورغم الانتصار الذي حققه المتظاهرون في أربعة أيام فقط، فلازالت الأرقام تُخيف الجميع؛ نسبة عجز الموازنة تتخطى 753 مليون دولار، والبطالة تتجاوز 20%، والدين العام تساوى مع الناتج المحلي 36 مليار دولار.
ولأنّ الأردن دولة فاعلة في قضايا الشرق الأوسط، خاصة القضية الفلسطينة، إضافة إلى أنها حليف استراتيجي قديم للسعودية والولايات المتحدة، لذا اقتصرت كافة المساعدات الخارجية للأردن على أن تبقى الأزمة الاقتصادية ضمن نطاق السيطرة في ظل ارتفاع أسعار النفط، وفشل الخطط الاقتصادية للحكومة.
لكنّ الأردن الآن يعترض على سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في المنطقة، إضافة إلى أنه ليس شريكًا في الحلف السعودي الأمريكي بقوة الآن، وفي الوقت الذي هدد فيه الرئيس الأمريكي ترامب بقطع المساعدات عن الدول التي ستصوت ضد قراره بشأن القدس، كان منها الأردن، إلا أنه لم يطبق القرار حتى الآن، على عكس السعودية الذي دفعها الخلاف مع الملك عبد الله الثاني إلى عقابه من نقطة ضعفه التي قادت البلاد إلى الإضطراب قبل أن يلحقها بإقالة الحكومة، ومن هنا يبدأ الجزء الثاني من التقرير.
ملف القدس.. هل تسعى السعودية لرفع الوصاية الهاشمية للأردن على المقدسات؟
الوثيقة السرية التي نشرتها جريدة «الأخبار» اللبنانية المُقربة من «حزب الله»، والتي تتضمن مراسلات بين وزير الخارجية السعودية عادل الجبير، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وإذا كانت الرسالة صحيحة، فإن السعودية بموجبها ستتنازل عن حق عودة اللاجئين، ووضع المقدسات تحت إشراف دولي في مقابل اتفاق سلام مع "إسرائيل"، وتوثيق التعاون مع تل أبيب ضد إيران وحزب الله، وهو من شأنه أن يُضر بالوضع الخاص للأردن كحارس للحرم الشريف، كما جاء في معاهدة السلام التي وقعها الأردن مع "إسرائيل" عام 1994.
هذه الوثيقة – التي تعرضت للنفي لاحقًا – يبدو أنها تواجه تصديقًا من جانب المسؤوليين الأردنين، وبحسب موقع «ميدل إيست آي» البريطاني، فإنّه نقل عن مسؤول بارز قريب من الديوان الملكي مخاوف الحكومة من تمرير السعودية قرار منفرد في ظل تقاربها مع "إسرائيل"؛ وفي حال تضمنت ملامح صفقة القرن إسقاط حق عودة اللاجئين، فإن الأردن سيشهد موجة احتجاجات كبرى، خاصة أنّه بحسب بعض الإحصاءات غير الرسمية فإن 65% من سكان الأردن فلسطينيون، كما أنّ هذا القرار قد يمر بدون تعويضات، لذا تعتبر الأرض، شعبًا وحكومة، الملف الفلسطيني قضية أمن قومي، نظرًا لتلامس قضايا القدس واللاجئين والحدود بها.
وبعيدًا عن التسريبات، فإن السعودية نفسها تعهدت في اتفاقية الشراكة الإستراتيجية مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنه لا يمكن أن يكون هناك أي مشروع لإحلال السلام بدون جهد الرياض وواشنطن، أي أنه لا حل للقضية الفلسطينية بدون دعم المملكة، وهو ما بات يُعرف في الصحافة العالمية باسم «صفقة القرن»، وهو ما يضع الأردن لأول مرة في التاريخ خارج دائرة الأضواء والمفاوضات، وفي الوقت الذي تعاملت فيه السعودية بفتور مع اعتراف الرئيس الأمريكي بالقدس عاصمة ل"إسرائيل"، كان رد الفعل الأردني قويًا على المستوى الشعبي والرسمي؛ وهو ما أغضب السعوية التي تحاول تهميش الأردن في القضية.