قامة الاسلام في القرن العشرين
يوم قاد الامام الخميني قدس سره انتفاضة الشعب الايراني ضد الشاه في خرداد 1342 (هـ-ش) الموافق لـ5 يونيو 1963 م وما حدث من مجازر في مدينتي قم و طهران على ايدي ازلام الشاه وابعاده الى العراق، لم يتجاوز يومها بعد صيت الامام حدود ايران باستثناء الحوزة العلمية في النجف والحوزات الاخرى المنتشرة في بقية الدول الاسلامية، لكن عندما فجر الثورة الاسلامية في ايران في سبعينيات القرن الماضي واضطر لمغادرة العراق متوجها الى باريس اطل بهيبته وقامته الاسلامية الكبيرة على العالم وخاصة الغرب الذي فوجئ بطلعة رجل متقدم في العمر وبزي خاص لم يألفه من قبل وهو يقود اكبر ثورة في القرن العشرين وقد وصفته وسائل الاعلام العالمية يومها بانه ابرز ثوار القرن العشرين واهم رجالاتها وهو يقود معركة عنيدة ليس ضد شاه ايران شرطي المنطقة والسلسلة الشاهنشاهية التي تمتد لـ2500 عام في ايران بل ضد الغطرسة والهيمنة الاميركية على ايران وقد حظيت الثورة الاسلامية وقائدها بتغطية اعلامية لانظير لها حيث انتشرت صور الامام الذي لم يعتد العالم خاصة الغرب عليها يوم ذلك كل ربوع الدنيا.
وما ادهش العالم يومها هو اقتدار الامام الخميني وعظمته في تحريك الشارع الايراني من خلال خطاباته على اشرطة التسجيل. وسرعان ما انتصرت الثورة الاسلامية في ايران في 11 شباط التي غيرت اتجاه التاريخ لعظمتها وزلزلت العالم وخاصة الكيان الصهيوني الذي شعر بارتداداتها ليؤسس الامام الخميني رحمة الله عليه اول دولة اسلامية عصرية في التاريخ، كنواة لدولة كبرى ليشكل في الواقع اكبر هزيمة لاميركا بخسارتها لاهم قاعدة لها في المنطقة وقد فقدت بذلك شرطي المنطقة ومن هنا بدأت الازمات الاميركية العويصة في المنطقة والتي لا تنتهي ليومنا هذا.
وما ان استقرت اركان مؤسسات الدولة العصرية في ايران حتى اذعن العالم الذي كان يراهن يومها على قدرة الامام لبناء الدولة، بانه اكبر رجل ثوري وسياسي في العالم.
غير ان شهر خرداد الذي كان حاضرا في ذاكرة الشعب الايراني وتاريخه المجيد عاد ثانية ليشكل منعطفا آخر له برحيل امامه المفدى الى مثواه الاخير صبيحة الرابع عشر من خرداد 1368 هـ-ش الموافق للرابع من حزيران عام 1989م الذي نزل كالصاعقة على الشعب الايراني وكأنه لايريد ان يصدق الحدث لكن بنقل الجثمان الطاهر للامام الى المصلى في طهران لالقاء نظرة الوداع عليه، اصبح امرا واقعا وسرعان ما اكتسح السواد والحزن جميع ربوع حيث هب ابناء طهران في الساعات الاولى لذلك الصباح الحزين لوداع الامام ككتل بشرية فاقت المليونين. واما تشييعه فلم يشهد التاريخ نظيرا له حيث اصطفت الكتل البشرية على مسافة 20 كيلومترا من مصلى طهران الى مقبرة "بهشت زهراء" لتودع قائدها التاريخي وزعيم ثورتها الاسلامية باجلال واكرام خلاف كل تصورات الاعداء ومراهناتهم البائسة بان الامام لم يكن يحظى بتلك المكانة الكبيرة التي استقبل بها يوم دخل ايران واذا بمراسم الوداع تذهلهم لانها كانت اكثر هيبة وعظمة وجمهورا من ذلك الاستقبال التاريخي للامام. ان مراسم توديع الامام رضوان الله عليه شكلت لوحة بشرية لم تشهدها الانسانية من قبل وكأنها كانت زاوية من تجليات يوم القيامة.
رحم الله الامام الخميني الذي احيى الاسلام من جديد وغيّر اتجاه التاريخ وزلزل عروش الطواغيت كسر هيبة القوى الاستعمارية الكبرى وهيمنتهم وزعزع مصالحهم.. فسلام عليه يوم ولد ويوم اسس قواعد الدولة الاسلامية الكبرى في ايران ويوم رحل عنا.