"الإنذار الخاطئ": حرب إلكترونية كبرى في سوريا
منتصف الشهر الماضي، أطلقت الدفاعات الجوية السورية عدداً من الصواريخ على «أهداف مجهولة». بعدها تبيّن أن لا أهداف أصلاً، وأن الرادارات تلقّت إشعارات خاطئة بوجود أهداف طائرة في المجال الجوي السوري، واستجابت منظومات الدفاع الجوي على الفور للإشعارات وأُطلقت الصواريخ.
هذا كل ما حدث عملياً، ولكنه فُسّر تفسيرين اثنين، أولهما إنذار خاطئ، والثاني هجوم إلكتروني. لهذا «الحادث» دلالاته وخلفياته، إذ إنه في الاحتمالين، ينبئُ ببلوغ الحرب في سوريا مراحل مختلفة ومتقدمة.
عند كل تحوّل جديد في مسار الحرب في سوريا، يظهر للمراقب تطوّر في نوعية الأسلحة واستخداماتها، إضافة الى تغيّر في أساليب القتال والمواجهة. كل ذلك يندرج بطبيعة الحال، تحت عنوان عريض وهو «حرب الجيوش الحديثة على الأرض السورية».
في الحروب الحديثة، ثمّة حيز واسع نسبياً لممارسة ما يعرف بالحرب الإلكترونية. وهذا النوع من «القتال»، يمكن، بل يجب، بحسابات الحروب الحديثة، ممارسته قبل، ومع، وبعد أي هجوم عسكري «خشن».
إنذار خاطئ «فقط»!
في الحالة الأولى، أرجع الإعلام السوري الرسمي الحدث إلى إنذار خاطئ، وفي هذه الحالة، فإن الاستجابة الفورية لإشعارات الرادارات السورية، تعني أمراً مهماً للغاية، وهو أن القيادة قرّرت، بجدّية، أن تتعامل على الفور مع أي خرق للأجواء السورية المحمية نسبيّاً بمنظومات الدفاع الجوي.
بكلام آخر، إن ذلك يعني أن وحدات الدفاع الجوي قد رفعت مستوى استنفارها إلى أعلى مراحله، وقد عمّمت على طواقمها بإمكانية التعامل الفوري مع الأهداف من دون الرجوع إلى القيادة، على عكس ما كان يجري سابقاً. وبالتالي هذا يعني تخطّياً لخطوط كانت قد ألزمت القيادة السورية نفسها بها، بخصوص التصدّي للأهداف الجوّية المعادية.
في فترات متلاحقة سابقة، حسب مصادر عسكرية مطّلعة تحدثت إلى «الأخبار»، «كانت توضع منظومات الدفاع الجوي التي تتولّى حماية أجواء العاصمة دمشق، على أعلى درجة من الاستنفار، ثم تنخفض نسبة الاستنفار وتزيد أوامر الرجوع الى القيادة قبل التعامل مع الأهداف، كلما ابتعدت نحو الأطراف، وتحديداً نحو الشرق والجنوب من العاصمة».
الجديد اليوم، هو أن قراراً اتُّخذ بعد العدوان الثلاثي، بالتعامل المباشر مع الأهداف الجوّية على المساحات كافة التي تغطيها المنظومات، وبالتالي «من المتوقّع أن تتعامل الدفاعات الجوية في الشرق السوري مثلاً، في أي لحظة، مع أي هدف جوي معادٍ. علينا توقّع هذا في أي وقت»، يؤكّد المصدر، وقد حدث ذلك بالفعل أثناء التصدي الأخير للصواريخ الإسرائيلية.
هذا القرار لا يعني فقط أن القيادة السورية قرّرت مواجهة أي عدوان أو خرق لأجوائها، بل يعني أيضاً أنها قررت تحمّل كافة تبعات هذا الأمر، بالتنسيق مع حلفائها جميعاً، حول ما يمكن أن تؤول إليه الأحوال بحال أسقطت الدفاعات الجوية طائرة إسرائيلية مثلاً، وما يعنيه هذا الأمر بالنسبة إلى الإسرائيليين الذين باتوا بوضوح اليوم، طرفاً مباشراً في الحرب.
كما أن جولة «تبادل الصواريخ» التي وقعت منذ أسبوعين تقريباً، تشي بأن المرحلة المقبلة قد تشهد الكثير من جولات الاشتباك المحدود.
يُذكر هنا، أن العدو الإسرائيلي وفي معرض رده على الصواريخ التي سقطت في الجولان، عمد الى استهداف قواعد جوية ورادارات سورية على امتداد المنطقة الجنوبية، وتحديداً هذه الرادارت لم يكن لها أي دور في الهجوم على المواقع الإسرائيلية في الجولان المحتل، ولا في عملية التصدي للصواريخ المعادية، بل هي فقط أهداف محدّدة في إطار خطة تكاملية تهدف إلى إضعاف وتدمير الدفاعات الجوية السورية، وقد شاركت بتنفيذ الخطة عمليّاً أولى الفصائل المسلحة، وتحديداً ما عُرف بالجيش الحرّ، بالإضافة إلى الكثير من الفصائل اللاحقة.
دلائل «حرب إلكترونية»
أما الحالة الثانية، فهي ما أوردته وكالات عالمية عدّة، أبرزها «رويترز»، عن أن إطلاق الصواريخ الدفاعية، كان بسبب «هجوم إلكتروني مشترك، إسرائيلي أميركي، على منظومة الرادارات» السورية، كما نقلت «رويترز» حرفياً.
هذه الحالة، لها سابقاتها في الحروب الحديثة، وخاصة في الصراع بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي في ثمانينيات القرن الماضي. لا بد هنا أن ننظر في تعريف بسيط للحرب الإلكترونية، أو ما يعرف بالـ«EW»، وهي «فن، وعلم كشف، وخداع، وعرقلة عمليّات إرسال التردّدات الراديويّة للعدو».
وبما أن كلَّ الاتصالات من الشبكات اللاسلكية إلى الرادارات، تعتمد على الترددات الراديوية (RF)، فإن تطبيقاً جيداً للحرب الإلكترونية، سواء بالدفاع أو الهجوم، قد يؤدّي إلى هزيمة أو انتصار أي جيش حديث.
إطلالة صغيرة على أجواء الحرب الباردة قد تفيد في فهم خلفيات وطبيعة الحرب الإلكترونية. القوات الأميركية كانت تمتلك ترسانة ضخمة من أسلحة الحرب الإلكترونية، وكانت تتوزّع على القوات البرية، والجوّية والبحرية. في المقابل كان الاتحاد السوفياتي أيضاً، يعمل على تطوير أسلحته الخاصة بهذا النوع.
ولكن بعد الحرب الباردة وانهيار الاتحاد، وعلى الرغم من احتفاظ الروس بالكثير من ترسانة الأسلحة السوفياتية القديمة (المتعلّقة بالحرب الإلكترونية)، فإن الجيش الأميركي قام بتحييدها، وتم حصرها بعدد قليل من الطائرات المروحية التوربينية EC-130H، التي لا تزال في الخدمة حالياً في سلاح البحرية. وبالنسبة إلى سلاح الجو الأميركي، فقد راهن على الطائرات المعروفة بـ«الشبح»، أو F-22 وF-35، والتي اعتبرها غير قابلة للكشف، حتى أنها لن تحتاج إلى طائرات من طراز (Navy EW)، لتعمل على تشويش رادارات العدو، بينما هي تحلّق، حسب ما كان متّبعاً.
اليوم، وبعد عقدين من الزمن، عادت لتظهر أدلّة دامغة على ممارسة الحرب الالكترونية بفاعلية مجدداً.
في عام 2014، منع التشويش الذي نفّذته أسلحة الحرب الإلكترونية الروسية، الوحدات العسكرية الأوكرانية من التواصل، وشلَّ عملياتها.
وبمجرّد توقفها، بعدما انقطع تواصلها في ما بينها، قامت القوات الروسية بتحديد مواقع الأوكرانيين، وتمكّنت من تدمير قواتهم بصواريخ موجهة ودقيقة.
بعيداً عن أوروبا، وقريباً من سوريا، فإن لدى الإسرائيليين أسلحة حرب إلكترونية عديدة ومميزة، أهمّها التقنية المستخدمة في تشكيل الأهداف الوهمية، وهي تقنية «DRFM» اختصار لـ «Digital Radio Frequeny Memory»، أي ذاكرة الترددات الراديوية الرقمية، وهي أحدث تقنية تم التوصّل إليها في التشويش على الرادارات.
ومن المرجّح أن تكون هي التي استُخدمت في التشويش على الرادارت السورية، وخلق أهداف وهمية لها، في المرة الأخيرة في المنطقة الشرقية.
كلا الخيارين يحتمل التصديق، إلّا أن الكشف عن الحقيقة الكاملة قد يأخذ وقتاً. الخيار الأول وارد وطبيعي، ومنذ أيام أيضاً، أطلقت القبّة الحديدية في الجولان المحتل صواريخها نحو السماء، ليتبيّن لاحقاً أنه إنذار خاطئ كما أكّد الناطق باسم الجيش الإسرائيلي.
أما الثاني فهو ممكن جداً أيضاً، وقد يكون مرجّحاً، ويدعم ذلك العديد من الحالات التي بدت فيها ممارسة واضحة للحرب الإلكترونية في سوريا. في عالم المعارك الجوية الحديثة، سواء من جهة المهاجم بالطائرات والصواريخ، أو من جهة المدافع بالدفاعات الجوية الأرضية، لا بدّ من استخدام أسلحة الحرب الإلكترونية، التي من الممكن، لو أُجيد استخدامها، أن تساهم مساهمة كبيرة في حسم جولة من القتال الجوي.
الاخبار