كيف نحافظ على قيمة التحرير؟
شارل ابي نادر
ليس كافياً أن نحتفل وحسب بعيد المقاومة والتحرير في الخامس والعشرين من شهر أيار لكل عام، مع أن هذا واجب أساسي كذكرى ثابتة في وجداننا، لتكريم شهداء المقاومة الذين ضحوا بدمائهم، وصولاً الى تحرير الأراضي التي كانت تحتلها "اسرائيل" في الجنوب والبقاع الغربي.
المهم هو المحفاظة على قيمة ومعنى ومضمون إنجاز التحرير، وتحصينه بمواجهة الكثير من التحديات والأخطار التي تستهدفه وتستهدف المقاومة التي حققته، في كل مناسبة إشتباك او خلاف داخلي- داخلي ، داخلي- اقليمي او داخلي - دولي، المهم هو حماية المقاومة.
إذا ساهمنا، بمعرفة أو بغيرمعرفة، بقصد أو بغير قصد، بإضعاف المقاومة تدريجيا للوصول الى إلغاء وجودها وقدراتها، نكون قد ساهمنا بالتخلي عن أهم عنصر من عناصر قوتنا، وسنفقد بذلك الورقة الرابحة التي ناورنا بها وانتصرنا معها، في أصعب ظروف الصراع غير المتكافىء عسكريا واستراتيجيا بمواجهة العدو المحتل.
إذا كنا سوف نسمح بالتخلي عن المقاومة التي أنجزت هذا التحرير، من يضمن عندها أن العدو لن يعاود احتلاله للارض، فهو ( العدو) نفسه بجبروته وبغطرسته وبقدراته العسكرية الضخمة جاثم على حدودنا الجنوبية، لم تتغير مشاريعه واطماعه، أو ليست جرائمه في القدس وغزة ومدن الضفة شاهداً على ذلك؟
لم تكن المقاومة يوماً عائقاً بوجه السيادة كما يروّج البعض خدمة للعدو، ولم تعتدِ المقاومة يوماً على حماة السيادة أو على حماة الوطن من جيش واجهزة امنية ، بل غيرها من الارهابيين او الخارجين على القانون هم من فعل ذلك، والشواهد على ذلك ثابتة، بالمئات من الحوادث والاشكالات والجرائم، أو ليس اعتداء الامس على دورية للجيش واستشهاد واصابة بعض عناصرها في منطقة لبنانية عزيزة أقرب دليلٍ على ذلك؟ الامر الذي لم يحصل بتاتا في أي حادثة لها علاقة بها المقاومة، بطريقة مباشرة او غير مباشرة.
المقاومة بطبيعتها تحمل قراراً سيادياً لا يتعارض مع قرار الدولة، الاّ اذا لم تقرر الاخيرة مواجهة المحتل، لضعف التسليح او الامكانيات العسكرية، أو لظروف عسكرية او سياسية او مالية قاهرة، داخلية او اقليمية او دولية.
المقاومة بطبيعة تنظيمها وتجهيزها وباسلوب عملها، تحمل عناصر الحماية الذاتية لنفسها وللدولة، من خلال العمل السري المقاوم، المخفي والمحصّن والبعيد عن انظار واستعلام ومراقبة العدو، الامر الذي لا يمكن ان يتوفر مع الوحدات العسكرية الرسمية، والتي لا يمكنها الا ان تتمركز في مواقع معروفة ومعتلمة وثابتة.
المقاومة ليست عملاً مستقلاً أو معزولاً في المكان والزمان كما يوَصِّفُها البعض، هذا البعض الذي يحاول الانقضاض عليها من خلال الادعاء بان دورها انتهى مع إنجاز التحرير، إنها سلاح استراتيجي يجب أن تخلقه الدولة في حال لم يكن موجودا، و يجب ان ترعاه وتحافظ عليه لو كان موجودا، انه الدواء الشافي عند فقدان التوازن في القدرات والامكانيات بمواجهة اي عدو ( صهيوني او تكفيري )، لا يجب التخلي عنه ابدا، بل يجب تثبيته وتقويته وإزالة أي شائبة او ثغرة تُضعِفه او تزعزع وجوده او مشروعيته، فكم بالحري اذا كانت هذه المقاومة تمثّل بيئة واسعة تنتشر بقوة على امتداد كامل الوطن ... أو ليست نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة خير دليل على ذلك؟
واخيراً، النفس المقاوم هو امتداد لا ينقطع في النهج، في العقيدة، في الرؤية وفي الوجدان، إنه مسار من العلم والتحصين الفكري والاخلاقي والاداري والتنظيمي، في المجتمع المدني، في المجتمع السياسي، في المجتمع الامني وفي المجتمع العسكري ...
انه ميزة أصحاب الكرامة والعنفوان وعزة النفس والايمان.