كيف سيتمكن الجيش السوري من تحرير شمال سوريا؟
نزار بوش
بعد أن انتهى الجيش السوري من تحرير الغوطة الشرقية من التنظيمات الإرهابية، بدأت البلدات والمناطق التي تسيطر عليها الجماعات الإرهابية تتهاوى وتستسلم بدون معارك للقوات السورية، كما شاهدنا في بلدات جنوب دمشق كبلدة بيت سحم وببيلا وغيرهما، إلى أن وصل استسلام الإرهابيين وتسليم سلاحهم في بلدات القلمون الشرقي، حيث أصبحت آمنة وعادت إلى كنف الدولة السورية.
لعب مركز المصالحة الروسي دورا مهما في إجراء المفاوضات مع الجماعات الإرهابية في ريفي حماه وحمص، فاستسلمت هذه الجماعات بكل مسمياتها للجيش السوري وتم ترحيل من لم يقبل إلقاء السلاح وتسوية وضعه إلى إدلب وجرابلس في الشمال السوري.
وهنا لا بد أن نقول أن عمليات التسوية في كل المناطق التي عادت إلى سيطرة الدولة السورية، وفرت الكثير من الدماء وحافظت على ما تبقى من البنية التحتية لهذه البلدات، وهذا ما كانت تسعى إليه القيادتين السورية والروسية منذ عدة سنوات، لا شك أن مباحثات "أستانا” في عاصمة كازاخستان جاءت بنتائج إيجابية في مناطق خفض التوتر التي ستعود إلى سيطرة الدولة السورية عاجلا أم آجلا ومنعت التقسيم، من جهة أخرى تغيرت لهجة وفد المعارضة السورية في اجتماعات "أستانا 9″، ولم تعد تتحدث باللهجة القديمة التي كانت تستخدمها سابقا حول إسقاط النظام ورحيل الرئيس، حيث قال أحمد طعمة رئيس وفد المعارضة إلى أستانا: وصلنا في المعارضة إلى قناعة بأن روسيا تبحث عن حل سياسي للأزمة السورية.
وبعد أكثر من سبع سنوات من الحرب وانتشار الإرهاب على الأراضي السورية مدعوما من أغنى وأقوى الدول بالمال والسلاح بدأت الجماعات المسلحة تستسلم، كما أن بعض القيادات في ما تسمى المعارضة غيرت لهجة خطابها فيما يخص الأحداث والمصالحات والتسويات والدور الروسي، فما هو السبب، وما هو مصير محافظة إدلب وريفها والشرق السوري، بعد الإنجازات والانتصارات التي حققها الجيش السوري والطرف الروسي في السياسة والميدان؟
يقول المحلل السياسي كمال جفا لإذاعة "سبوتنيك”: "بعد كل حرب لا يوجد منتصر فالكل خسر في هذه الحرب وسوريا كدولة ستقدم تنازلات سياسية لا تتجاوز الخطوط الحمراء لسيادتها لأنها بالنتيجة هي دولة وإن أعطت هنا أو هناك، فهي تعطي لشعبها وستتنازل لحقن دماء السوريين وبالنتيجة الدولة هي مكونات وأفراد وقوانين من هذا الشعب ولهذا الشعب”.
— المشروع الكردي انتهى في سوريا، وحتى ما كان معروضا لهم سابقا من الدولة السورية لن يتاح لهم مستقبلا ولا حتى بحده الأدنى لأن الدول الأربع متفقة على إنهاء هذا المشروع وسقف الجميع هي الدولة السورية بكل مكونات شعبها.
— كل المناطق التي بقيت تحت سيطرة الجماعات المسلحة ستعالج خلال الأشهر القادمة، أما الشرق السوري الذي يقع تحت سيطرة قسد والاحتلال الأمريكي فسيكون له خطة مستقلة وعمل عسكري وسياسي مستقل وستلعب فيه العشائر وأبناء الشرق السوري الدور الأساسي خلال الأشهر القادمة. كما أن رفض الدول الأربع كل الخطوات الأمريكية على الأراضي السورية في شرعية وجودها ودعهما للأكراد الانفصاليين بما يتعارض مع الأمن القومي للدول المحيطة بسورية سيكون له دور في إفشال المخطط الأمريكي ولجم المشروع الانفصالي في شمال سورية.
— الجميع يريد إنهاء هذه الحرب ولملمة جراح السوريين وإغلاق هذه الحقبة السوداء من تاريخنا المعاصر بالرغم من كل الدمار والدماء التي سببتها الدول التي قادت هذه الحرب على وطننا الغالي.
— صمود سوريا وأبنائها وصمود الجيش السوري بالتعاون مع الحلفاء والتنسيق العالي بين القيادة السورية والروسية والإيرانية وحزب الله وعدم تخلي روسيا عن مبادئها وثوابتها في مصداقية وصوابية موقفها من القضية السورية والانتصارات الميدانية التي حققتها سوريا وحلفائها هي التي أثمرت وأدت إلى هذه النتائح الإيجابية جدا، التي فتحت الطريق لحلول سياسية وإنسانية ترضي الجميع وتصب جميعها في مصلحة الشعب السوري أولا وأخيرا لوقف نزيف الدم السوري والبدء بشكل جدي في تقطيب الجروح السورية، والتي فتحت في جسد هذا البلد الصابر الصامد الذي دفع ثمنها الجميع معارضة وموالاه وكان الخاسر الأكبر هو الشعب السوري بكل مكوناته.
وتابع كمال جفا قائلا: "انتهى اجتماع أستانا، الجولة التاسعة وهي المرة الأولى التي تتوافق فيها الدول الضامنه بشكل كامل على حلحلة سريعة لعدد كبير من القضايا الخلافية بين هذه الدول هذا الاتفاق وخاصة فيما يتعلق بنشر نقاط المراقبة ومهمتها والدور المنوط بإيران وروسيا في حلحلة كثير من التعقيدات التي يتم تفسيرها بشكل خاطئ من قبل قادة المعارضة، لكي يوهموا بيئتهم الحاضنة بأن هناك خطوط تقسيم وتقاسم نفوذ بين تركيا وروسيا وبما يحقق نوعا من الانضمام المتدرج لمناطق النفوذ التركي تمهيدا لضمها بشكل من الأشكال إلى تركيا وهي خطوات تشابه في مراحلها ما حدث للواء اسكندرون السوري”.
لكن بشكل عام توضحت الرؤية نوعا ما وأصبحت خطوط الحل أكثر عقلاينة للجميع وأقرب للواقع.
ما نتج عن هذا الاجتماع، نستنتج منه بعض نقاط واضحة لا لبس فيها سيتم تطبيقها ميدانيا خلال الأيام القادمة.
— مصالح تركيا الاستراتيجية لاتتوقف على التضحية بحلفاء أو التخلي عن مبادئ أو حتى تصفية أدوات فتركيا انتقلت بعلاقاتها مع سوريا من أعلى مستوى من التنسيق الاستراتيجي والعلاقات الحميمية الخاصة الى العداء الكامل لمصلحة قومية وعقائدية واستراتيجية تركية بحته، فالاستدارة التركية حدثت ولا عودة عنها.
— نقاط الانتشار التركي لا تعني اقتسام مناطق نفوذ أبدية أو بداية تقسيم كما يظن ويعتقد الكثير من السوريين.
— الطريق الدولي حلب حماه سيتم فتحه وبضمانة الدول الثلاثة.
— معبر دولي مع تركيا سيتم إعادة تفعيله وهو معبر باب السلامة في اعزاز وقريبا سيتم وصله مع حلب وحماه وتأمينه.
– تصريحات رئيس وفد المعارضة أحمد طعمة تدل على انهاء كل ما يسمى تعبير إسقاط نظام أو اللجوء إلى العنف، هذا يعني أن الجميع مقتنع بإنهاء ما يسمى معارضة مسلحة وتسمية طعمة قبل ساعات من بدء الاجتماعات دليل على قبوله بأن يكون عراب نزول المعارضة عن الشجرة العالية التي تم دفعهم الى قمتها.
— حلب ليست بخطر وممنوع الاقتراب منها ولن يسمح لأي تنظيم بشن أي هجوم على المدينة وعلى تركيا مسؤولية لجم هؤلاء أو أن الجيش السوري وحلفائه سيقومون بما عليهم في القضاء على أي تنظيم يحاول الاقتراب من حلب.
— نطاق حماية المدينة من الغرب سيتم توسيعه الى حوالي 20 كم في المرحلة الأولى.
— اجتماع الجانب التركي مع بعض قادة الفصائل المعارضة التابعة والمشغله من قبله، أثمرت عن توجيه رسائل إلى هؤلاء وبصراحة كانت مفاجئة لهم، عندما نقل إليهم أن هناك قرار روسي سوريي بالتقدم إلى منطقة سهل الغاب وصولا إلى جنوب إدلب، وعليهم إخلاء الطريق الدولي والابتعاد عنه من الجانبين، وإلا سيكون هناك عملية عسكرية ضدهم وهي لا تستطيع وقفها، أو حتى مساعدتهم، ونتيجتها محسومة سلفا لصالح الجيش السوري.
— تركيا ردت على سؤال لأحد قادة "جبهة النصرة” عن مصير إدلب فتم إعلامه بأن مصير إدلب سيترك إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية التركية، هذا دليل واضح على انكفاء تركيا عن دعم أو حتى تأييد أي فصيل مسلح مصنف محليا ودوليا على لائحة الإرهاب وهي تسعى لتحليل جبهة النصرة وتذويبها في باقي الفصائل الأكثر اعتدالا في الواجهه السياسية والميدانية في الشمال السوري.
— سيكون هناك حلحلة سياسية وحلحلة عسكريا بمحاولة دمج كل هذه الفصائل في جسم عسكري واحد، مع تصفية أو إبعاد كل القادة والعناصر الملطخة أيديهم بالدماء وأعمال العنف التي ماروسها خلال سبع سنوات ماضية، وقد تثمر هذه الخطوات عن دمج بعض المجموعات في القوات الرديفة أو الشرطة المحلية أو قوات دفاع ذاتي لسنوات قادمة، لحين إحلال الأمن والأمان، أما المنشقين من ضباط الجيش والذين لم يشاركوا في أي أعمال قتالية ومعظمهم مقيم في تريكا فقد يتم إصدار عفو عام عنهم وإعادتهم إلى صفوف الجيش السوري.
— لايمكن للدولة أن تقوم بتصفية وقتل أكثر من مئة ألف من المسلحين المتواجدين في إدلب، لا بد من إيجاد حل سياسي بأي طريقة ما أو ترحيلهم خارج سوريا، أو حتى سحب سلاحهم وتوطينهم في المناطق الحدودية العازلة بين سوريا وتركيا، وهي بالأساس مناطق معزولة السلاح.
— من مصلحة تركيا أولا مساعدة الدولة السورية في إنهاء هذه الحرب التي لها دور أساسي في دعمها، وهي ستتكفل بالمسلحين الأجانب الذين أحضروا إلى تركيا.
— أكبر تنظيمين إرهابيين كان لهما دور أساسي في هذه الحرب وهما "جيش الإسلام” و”جبهة النصرة” والفصائل التي تدور في فلكهما، قد تم التخلي عنهما وأوقف تمويلهما وسحبت التسهيلات التي كانت تقدم لهما من بعض الدول الإقليمية، كما أن فصائل قادة "جيش الإسلام” والمبالغ المالية التي اختلسها قائد "جيش الإسلام” الإرهابي محمد علوش وفضح أكاذيب الكيماوي واستسلام كل مسلحيه للجيش السوري، وانشقاق البعض وعودتهم إلى حضن الدولة السورية، أنهى أسطورة ما يسمى الذراع السعودية الوهابية في سوريا والتي كانت على مستوى أو أكبر من اليد التركية في سوريا.
وعن مصير بلدتي الفوعة وكفريا المحاصرتين وسكانهما قال الدكتور كمال جفا: أعتقد جازما أنه سيتم الوصول إلى بلدتي الفوعة وكفريا المحاصرتين بشكل سريع جدا، وكلنا نعرف أن معظم المدنيين المحاصرين في الفوعة وكفريا رفضوا بأي شكل من الأشكال الخروج، وكل مكونات الشعب السوري لا يريدون للأخوة في البلدتين الخروج، لأن أي عملية خروج للمدنيين من هاتين المدينتين بعد أكثر من ثلاث سنوات من الحصار، سيعطي دلائل سلبية خاطئة لكل مكونات الشعب السوري، وأنه كل ما يجري على الأرض السورية هو موضوع تقاسم نفوذ، وتقسيم مستقبلي، وهذا ما كانت تحلم به بعض فصائل المعارضة، لذل سيتم الوصول إلى هاتين البلدتين وسيتم فك الحصار عنهما، ولا يمكن ترحيل هؤلاء الصامدين في بلدتي الفوعة وكفريا، لأن الدولة السورية تستعيد السيطرة على المناطق من خلال التسويات والمصالحات، ووجود أهالي الفوعة وكفريا في هذه المنطقة يسرع في عملية استتباب الأمن والأمان واسترجاع هذه المناطق، ووصول مؤسسات الدولة السورية إلى كل بلدة في محافظة إدلب.
لقد برهنت الأحداث الأخيرة إن كانت ميدانية أو سياسية في المناطق التي حررها الجيش السوري من الجماعات الإرهابية، أن المناطق الشمالية لمدينة حلب أيضا ستتحرر عبر التسويات، وتعود إلى سيطرة الدولة السورية، أي أنه سيتم تسليمها سلميا بدون معارك، هذا ما تسعى إليه القيادتان السورية والروسية، وربما يتم إغلاق الحدود التركية السورية في وجه الجماعات الإرهابية، هذا ما سيؤدي إلى انهيار في صفوف قيادات الجماعات المسلحة التي ترفض تسليم سلاحها، وبعدها سيتم محاصرة مدينة إدلب وريفها ليدخلها الجيش السوري ويعيد إليها الأمن والأمان والسلام كما حصل في الغوطة الشرقية والقلمون الشرقي وريف حمص وحماه ودمشق، وإن غدا لناظره قريب، فالشمال السوري على أحر من الجمر ينتظر دخول الجيش السوري لتحريره من سيطرة الإرهاب.