تفاصيل مثيرة عن حرب الأدمغة التي مهدت لليلة الصواريخ في الجولان
يوسف الشيخ
لم تكن الضربة الصاروخية التي وجهت لأكثر المراكز العسكرية حساسية في الجولان السوري المحتل وليدة لحظتها بل كانت تتويجاً لمسار طويل من الجهد والتخطيط والابداع الذي مارسه محور المقاومة وفي مقدمته رأس حربته السورية وإذا جاز لنا أن نختصر ذلك بكلمات فإن ليلة الصواريخ في 9 أيار 2018 كانت انتصاراً لمحور المقاومة في حرب الأدمغة مع العدو وحليفته الكبرى أمريكا . وهي حرب بدأت منذ الأيام الأولى لانطلاق الأحداث المؤلمة بسوريا في 18-3-2018 .
بداية لم يكن هذا المسار لينجح ويستمر لسنوات لولا القرار الاستراتيجي الذي اتخذته القيادة السورية , بمنع العدو وردعه عن التطاول على السيادة السورية , وقد واكبت القيادة السورية هذا المسار الشاق والطويل بكثير من الشجاعة والصبر والحنكة وكانت أحد العناصر الرئيسية في إنجاحه وإيصاله إلى مستوى متقدم من الفاعلية والردع والمبادأة الاستراتيجية مع العدو ونقله لاحقاً من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الهجوم .
أولاً : الحيثيات والوقائع التي مهدت لاتخاذ القرار:
منذ بداية الحرب على سوريا وانفلات المسلحين الخارجين عن الدولة , لاحظت القيادة السورية وحلفائها أن هناك عملية تخريب مقصودة ومحترفة ومنظمة لمنظومات الحرب الإلكترونية والدفاع الجوي من خلال عزلها وتحييدها أو تدميرها واغتيال كوادرها وعلى جميع المستويات .
وسجلت عملية المراقبة والمسح الفني أن أهم أهداف التخريب المحترف والمنظم كانت التالية :
1. قطع الاتصال بين شبكات الدفاع الجوي وتفكيكها
2. ضرب منظومات الرادار الرئيسية أو عزلها عن الشبكة المركزية
3. ضرب شبكات الاتصال ذات الطابع العسكري
4. إعماء وتعطيل كافة منظومات الحرب الالكترونية السورية .
5. التركيز على منظومات الانذار المبكر المرتبطة بالدفاع عن العاصمة والمحافظات ذات الوظيفة الاسترارتيجية بمواجهة العدو . ( القلمون الغربي – الغوطة الجنوبية الشرقية – حران العواميد – القنيطرة – دروشا – خان الشيح – ريف حمص الجنوبي والشرقي )
6. حرمان العاصمة دمشق والمنطقة الوسطى من أي قدرة دفاعية جوية .
إتخذ القرار بالتأمين وإعادة بناء شبكة الدفاع الجوي والالكتروني ونظام الانذار المبكر وكانت عملية استعادة المساحات المحتلة من الارهابيين تتم بشكل مواز مع ورشة إعادة بناء شبكتي الدفاع الجوي وتحديثها وتأهيل كوادر جديدة تمتلك العلم والإرادة والقدرة على التكيف مع المنظومات المستحدثة .
مع تأمين دمشق بشكل كامل عام 2016 وبقاء بعض الجيوب في في الغوطة الشرقية , بدأت عملية تأمين محافظة حمص وريفها بشكل كامل حتى وصلت عملية بناء الشبكة الدفاعية الجوية والالكترونية إلى درجة الاشباع مع بداية ربيع العهام 2017 .
ثانياً : تشغيل وتفعيل المنظومة :
مع بداية العام 2017 ومع ازدياد الخروقات الجوية الصهيونية , أعطي الأمر للمنظومة بالاستعداد لتنفيذ أمر القيادة فوراً والتصدي لأي هدف جوي معاد يحاول اختراق السيادة الجوية للأراضي السورية , فأجرت المنظومة عملية محاكاة صامتة وخرجت النتائج ممتازة , فكل وسائط المنظومة تعمل بكفاءة وتعطيها القدرة على المرونة والمناورة بشكل سلس وسريع بكل طبقاتها :
– مرونة مراكز القيادة والسيطرة على جميع المستويات .
– قدرات الرصد الاستراتيجي
– كفاءة الانذار المبكر
– القدرة على الدفاع والهجوم الالكتروني السلبي والايجابي
– جاهزية جميع وسائط الدفاع الجوي ( أسلحة صد الصواريخ المجنحة وذات المسار القريب من الأرض – أسلحة الاعماء والتشويش – اسلحة الدفاع الجوي للأهداف المتوسطة وعالية الارتفاع ).
في 17-3-2017 نفذت المنظومة أول مهماتها حيث تمكنت من الإطباق رادارياً على الطائرات الصهيونية المعتدية والتملص من كافة عمليات التشويش الالكتروني التي نفذتها وسائط الحرب الالكترونية الصهيونية الامريكية ومنعت الطائرات الحربية الصهيونية من الاقتراب الى مدى مؤثر من الاجواء السورية .
وقد صدمت القيادتان العسكريتان الصهيونية والأمريكية بمستوى التطور والكفاءة الذي وصلت اليه منظومة الدفاع السورية وعملت على دراسة الثغرات بلجنة من القيادة المركزية الوسطى الأمريكية وهيئة الأركان العسكرية الصهيونية .
خرجت الخلاصات على شكل توصيات فنية عملانية باستعمال الصواريخ المجنحة في الضربة القادمة ولم تتأخر الضربة أكثر من 20 يوماً .
حيث نفذت السفن الأمريكية ضربة صاروخية في 7 نيسان 2017 على مطار الشعيرات بريف حمص الشرقي ب 59 صاروخ كروز وتوماهوك وتمكنت وسائط الدفاع السورية من تحييد العدد الأكبر من هذه الصواريخ حيث ضلت 80% من الصواريخ طريقها إلى أهدافها أو أسقطت .
مرة أخرى فوجئت القيادة العسكرية الامريكية من قدرة وكفاءة وسائط الدفاع الجوي والالكتروني السورية ونجاحها بتخفيض آثار الضربة إلى الخمس . ورأت المحافل العسشكرية الامريكية والصهيونية في استخدام منظومة الحرب الالكترونية تطوراً خطيراً سيجعل في المستقبل القريب أي اختراق للسيادة الجوية السورية مغامرة مكلفة , ومنذ ذلك الحين بدأت الحرب الجوية الامريكية الصهيونية تتحول الى حرب مناورات وحرب الكترونية بالكامل .
عج الحوض الشرقي للمتوسط وسماؤه والقواعد العسكرية الامريكية في الخليج (الفارسي) بعراضة كبيرة من سفن وطائرات الحرب الالكترونية وتحول كل الجهد الصهيوني والأمريكي ولاحقاً الناتو الى جهد فني ميدانه الحرب الالكترونية .
كما أن استخدام الطائرات المسيرة من قبل الارهابيين ومشغليهم أكثر من مرة منذ بداية هذا العام أفاد منظومة الدفاع السورية كثيراً فقد تبين أن معظم استخدامات هذه الطائرات المسيرة التي كانت تطلق على شكل موجات (على حميميم – السويداء – حماه وريفها – ريف حمص ) كانت تستعمل لأهداف فنية وتقنية محضة من أجل استطلاع مجموعة من مكونات منظومة وسائط الدفاع الالكترونية السورية وجاهزيتها وعناصر مرتبطة بها , وثبت أن آخر محاولة استهدفت محيط مطار حميميم في شهر نيسان الماضي كانت إحدى خطوات خطة لضربة كبيرة كان يحضر لها أعداء سوريا .
في المقابل وبعد دراسة واستخلاص العبر مما حصل في 17-3 و 7-4 2017 , اتخذت قوى محور المقاومة كافة التدابير التي تسهم بمناعة المنظومة بشكل كامل والاستفادة من الجهد الالكتروني المعادي لتحليله ودراسة نقاط قوته وضعفه واتخاذ ما يلزم بمواجهته وتضليله أو إعمائه في عمليات معقدة برز فيها إبداع الأدمغة واستثمر كل ذلك لاحقاً في تشرين 2017 وشباط ونيسان 2018
– في الكمين الجوي الذي نصب للطائرات الحربية الصهيونية وتسبب باسقاط طائرة حربية صهيونية من نوع F16 – SAUFA
– في تعطيل الضربة الثلاثية الصاروخية التي نفذتها أمريكا وبريطانيا وفرنسا ب 103 صواريخ .
استمرت المشاغبات الصهيونية على ال T4 وريف حماه وجنوبي دمشق في الفترة التي سبقت الضربة الصاروخية السورية في الجولان المحتل وكانت هذه المشاغبات التي استمرت لأشهر أفضل أسلوب مكن الدفاع الجوي والالكتروني السوري من دراسة وتحديد الثغرات القليلة المتبقية وسدها .
ثالثاً : التحول من الدفاع الى الهجوم :
في موازاة بناء القدرة الدفاعية السورية عملت قوى محور المقاومة على بناء قوة هجومية حقيقية وقادرة تتخطى كل العوائق التي تعترض أي استخدام لهذه القدرة فلدى أمريكا قدرة تكنولوجية كبيرة ولدى الكيان الصهيوني بالتبعية هذه القدرة وتؤازرها خبرة في التمويه والدفاع السلبي والايجابي عن مراكزالعدو الحساسة وثكناته ومناطقه العسكرية .
وهنا برزت وتفوقت العقول العسكرية والفنية لمحور المقاومة على العقل الصهيوني في عدة مجالات :
1- استطلاع وتشخيص وبناء بنك الأهداف .
2- تمييز الأهداف الهيكلية المضللة عن الأهداف الحقيقية
3- تحديد أساليب الدفاع عن الاهداف الصهيونية ونقاط الدفاع والقوة وتحديد الثغرات
4- تشخيص الأهداف المؤثرة والحساسة ودورها ووظيفتها
5- وضع خطط استهداف الاهداف وتحييدها وتحقيق المبادأة الكاملة في الميدان المستهدف .
هذه العملية المعقدة تمت بأعلى قدر من السرية والكفاءة حيث لم يستطع صانع القرار الأمني والعسكري الصهيوني تحديد هدف وتوقيت الضربة الصاروخية رغم احتشاد وبروز قرائن كثيرة لهذه العملية الهجومية السورية وقبل 72 ساعة من حصولها رغم زعمه كشف الاستعدادات السورية !!
إلا أن الضربة الصاروخية الناجحة والسريعة والقدرة على استعمال القدر المناسب والمطلوب من الصواريخ لتحقيق الهدف والاستعداد الكامل لكبح رد الفعل الصهيوني الذي تلا الضربة وكل ذلك حصل أمام أعين القيادة العسكرية الصهيونية التي عانت من ارتباك واضح في تحديد حجم واتجاه ومدى الضربة .
مما تقدم يظهر أن تداعيات الضربة الصاروخية السورية في الجولان المحتل ليلة الأربعاء – الخميس ( 9-5-2018 ) لن تتوقف قبل وقت طويل من استخلاص العدو لدروسها وعبرها حيث سيجد أن القدرة الدفاعية السورية عادت وبشكل أقوى وأفعل . وسيظهر لدى العدو أيضاً أن من يتولى ادارة هذه المنظومة الدفاعية والهجومية عقول فذة ومؤهلة على مستوى عال وتمتلك الوسائط والاسلحة والكفاءة المناسبة لتنفيذ مهمات الدفاع والهجوم على جميع المستويات وكل ذلك يأتمر بصانع قرار شجاع ومستبصر ويمتلك مميزات الإدارة الكفوءة لهكذا منظومة استراتيجية كبيرة ومؤثرة .