kayhan.ir

رمز الخبر: 75890
تأريخ النشر : 2018May15 - 20:10

عودة إلى ’الملف النووي الإيراني’: بلطجة امريكية في خدمة ’اسـرائيل’!


جمال عبد الناصر

"اللهم أعطنا القوة لندرك أن الخائفين لا يصنعون الحرية، والضعفاء لا يخلقون الكرامة، والمترددين لن تقوى أيديهم المرتعشة على البناء"

أن تعقد اتفاقية مع امريكا فإنك لم تنجز أمراً موثوقا يمكن ان تطمئن له، هذه باتت قاعدة الأن بين كثير من الدول، بقدر ما هي مثار سخط داخل امريكا بالذات، ليس هذا بسبب انتهاكها للاتفاق النووي مع ايران، فقد سبقه الغاء اتفاق باريس بشأن المناخ والشراكة عبر المحيط الهادئ. لكن"النيويورك تايمز" ترى أن انتهاك الصفقة الإيرانية " أكثر خطورة بكثير" بالنظر لتداعياته الأخلاقية، والسياسية. ترى الكاتبة "سوزان إي رايس"، في الصحيفة المذكورة أن قرار ترامب هو"الأكثر حماقة حتى الآن" ، فيما وصفته افتتاحية "واشنطن بوست" بانه " قرار متهور"، ونقلت مجلة "ذا ناشونال إنترست" عن لسان السناتور الديمقراطي ديك دوربن ان قرار ترامب "خطاء ذو ابعاد تاريخية".

مفارقات غريبة

الإيرانيون وهم يعرفون جيداُ بأن خطوة ترامب ما هي إلا رسالة في سياق الضغط لسحب قواتهم وخبرائهم من سوريا، تصرفوا بحنكة بالإعلان بانهم لن يتراجعوا عن التزاماتهم في الاتفاق النووي إذا ما بقيت باقي الأطراف ملتزمة، مما حدا بدول الاتحاد الأوروبي ان تعلن عن تمسكها بالاتفاق، وشركاتهم ابرمت مع طهران اتفاقات بمليارات الدولارات ، وهذا اوجد حتى الان شرخاً بين امريكا وحلفائها الأطلسيين، حتى لا نقول دق اسفيناً بينهما على حد تعبير السيناتور "ديك ورنر".

يحاول البريطانيون على طريقتهم استعمال كم من الدبلوماسية للحد من تداعيات القرار الأمريكي، فقد عرض وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط، "اليستر بيرت" على ايران التفاوض" للبحث في عناصر القلق التي دفعت الرئيس الأميركي دونالد ترمب للانسحاب من الاتفاق النووي"!، او لعله البحث في "اتفاق لحفظ ماء الوجه"، على حد ما جاء في مجلة "نيويوركر" إذ بعد الوصول إلى الطريق المسدود ما من عائق سيحول دون عودة إيران إلى تخصيب اليورانيوم، وخسارة اوروبا لعقود بمليارات الدولارات مع طهران .

المقارقة ان يختار ترامب خطوته التصعيدية فيما هو يخطط لسحب قواته من سوريا، ومن الملف النووي الذي يصعب التخلص مما ترتب عليه بعد دخوله حيز التنفيذ، كما سيتضح فيما بعد، والمفارقة الأدهى ان قرار رئيس دولة عظمى بما قد يحمله من تداعيات خطيرة جاء استجابة لضغوط اسرائيلية وسعودية. أما الأسرائيليون فهم يتطلعون إلى سحب ايران من سوريا ، إذ اشد ما يقلقهم وجود قوات ايرانية على حدود كيانهم الغاصب . اما السعودين فإنهم ينفخون في الكور أملين استدراج امريكا واسرائيل لحرب مع ايران لتحجيمها ، من غير ان يتبادر إلى مخيلتهم عواقب مثل هكذا حرب عليهم بالذات !.

الفشل بانتظارهم

الفشل ينتظر الأمريكين، فقد اختاروا المدخل غير المناسب، أي "الملف النووي الأيراني" إذ بعد ثلاث سنوات على إبرامه سيفضي التخلي عنه إلى اضطرابات كثيرة وقد بنت اوروبا الكثير من حساباتها الأقتصادية على المعاهدات التي ابرمتها مع طهران وتقدر بمئات المليارات، وليس اقل من ذلك شركات امريكية وعلى رأسها "بوينغ". وهكذا بات هذا الملف سلاحاً بيد ايران وليس عليها بعد ان اعطى الرئيس روحاني توجيهاته بالأستعداد للتخصيب إذا ما فشل الأوربيون في اقناع امريكا بالتراجع!.

ولو دققنا في المشهد سنجد ان استهداف ايران ابتداءً من الملف النووي سيحميه وجودها العسكري في سوريا وقد باتت على حدود الجولان، وبتماس مباشر مع جيش الكيان الغاصب لأول مرة في تاريخ هذا الكيان!، وإذا كان المستهدف هو وجودها في سوريا فإن خطوة ترامب حررت ايران من اية قيود والتزامات وبما يمكنها بالتالي من تحويل الملف النووي إلى ورقة تناور بها لتعزيز وجودها في سوريا !.

الحل العسكري، ولكن!

ولكسر هذه الحلقة المغلقة، وجدت "اسرائيل" ان الحل العسكري هو الأنسب ولكن من غير المخاطرة باي صدام مع روسيا، غير ان نتنياهو سمع من روسيا ما اقنعه بالعدول عن هذه المغامرة ، ولعل السورين والأيرانين سهلوا المهمة على (الرفيق) بوتين عندما تولت صواريخهم الستون دك المواقع الأسرائيلية ويتردد الأن أن احد كبار ضباط جبش العدو كان من بين قتلاهم ، يوازيه تمكن وحدات الدفاع الجوي في سوريا من اسقاط معظم الصواريخ التي قيل انها استهدفت "قواعد ايرانية في سوريا" . كل هذا سَهَّل على الرئيس الروسي اقناع "اسرائيل" بان هناك توازن ووضع لم يعد بامكان "اسرائيل" أن تتغافل عنه وهو ان يدها لم تعد وحدها الطويلة ! فكيف بعد أن تصبح صواريخ س س 300 بيد الجيش العربي السوري، هذا ما لم تكن ايران قد سربت لسوريا أعداد منها كما يتردد. ويبقى السؤال هل من مصلحة لروسيا في تقليص الوجود العسكري الايراني في سوريا . الجواب بالقطع: لا .

هذا بالمختصر..لأن العكس خطأ استراتيجي قاتل لن تقع به روسيا ولن تسمح به سوريا. ولهذا حديث آخر فيما بعد .