kayhan.ir

رمز الخبر: 75829
تأريخ النشر : 2018May14 - 19:26

احتمالات عواقب الحصار والعقوبات ضد ايران


بعد مفاوضات عسيرة استمرت عدة سنوات وقعت الدول الست الكبرى (اميركا، بريطانيا، فرنسا، المانيا، روسيا والصين) ما سمي "الاتفاق النووي" مع ايران في نيسان/ أبريل 2015. ويقضي الاتفاق بالتأكد من عدم تطوير ايران لسلاح نووي، مقابل رفع العقوبات الاقتصادية التي كانت الدول الغربية وعلى رأسها اميركا قد فرضتها على الجمهورية الاسلامية الايرانية. وصادقت الأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة النووية على الاتفاق.

وقبل توقيع هذا الاتفاق كانت ايران قد اعلنت تكرارا على لسان كبار المسؤولين الايرانيين عن التزامها بالامتناع عن تطوير سلاح نووي وفتح الأبواب للوكالة الدولية للطاقة النووية للتفتيش والمراقبة في جميع الأراضي الايرانية.

ويقول المحللون المنصفون إن العقوبات الغربية ضد ايران لم تكن مبنية على اي منطق سليم، واية وقائع، بل كانت مبنية على اتهامات على النوايا المزعومة. والهدف من تلك الحملة على ايران لم يكن بالفعل منعها من تطوير سلاح نووي، بل:

اولا ـ الضغط عليها اقتصاديا وسياسيا، لمنعها من الاضطلاع بدورها الاقليمي كقوة معادية لاسرائيل وللسياسة التوسعية الاستعمارية في المنطقة.

ثانيا ـ اضعاف وتقويض اقتصادها الوطني.

ثالثا واخيرا ـ التعاون المخابراتي والاعلامي مع المعارضة في الداخل لزعزعة وتقويض النظام الثوري الايراني، والقضاء عليه، كمقدمة للقضاء على كل جبهات واشكال المقاومة الوطنية والثورية، ضد الامبريالية والصهيونية والرجعية، في المنطقة ككل.

ولكن إيران صمدت ضد جميع الضغوطات وخرجت من التحدي اكثر ثباتا سياسيا واقتصاديا، واكثر حضورا دوليا واقليميا، واكثر تأثيرا ثوريا في المنطقة بمواجهة الامبريالية الغربية واسرائيل واذنابهما من الانظمة العربية العميلة كالسعودية وشركائها.

وحينما تأكدت الكتلة الغربية من فشل سياسة عزل ومقاطعة ومعاقبة ايران اقتصاديا، اضطرت الى توقيع الاتفاق النووي مع ايران، من اجل تأمين مصالحها التجارية والمالية في السوق الايرانية. وخاصة في قطاع الطاقة. ومن الامثلة على ذلك:

ـ1ـ قبل توقيع الاتفاق كان انتاج النفط الايراني قد هبط الى 1 مليون برميل يوميا. وبعد توقيع الاتفاق ارتفاع انتاج النفط الايراني الى 3.8 ملايين برميل يوميا، 2 مليونان منها للتصدير.

ـ2ـ حسب المعلومات التي اذاعتها "اللجنة الاوروبية" (شبه الوزارة الاتحادية للاتحاد الاوروبي) ان التجارة بين دول الاتحاد وايران في سنة 2017 بلغت 25 مليار دولار.

ـ3ـ عقدت شركة Groupe PSA المنتجة للسيارات وصاحبة الماركات Opel Peugeout و Citroën اتفاقات واسعة النطاق مع الجانب الايراني. كما عقدت شركة Renault اتفاقا لبناء مصنع مشترك مع الجانب الايراني لانتاج 150 الف سيارة سنويا. كما عقدت اتفاقات ضخمة مع شركتي Volkswagen و Mercedes-Benz.

ـ4ـ ابرمت الشركة الالمانية ـ الفرنسية AirBus صفقة بمليارات الدولارات لبيع ايران 100 طائرة. وسلمت منها حتى الان 3 طائرات فقط.

ـ5ـ وفي السنة الماضية عقدت الشركة الايرانية للطيران اتفاقا لشراء 30 طائرة Boeing 737 MAX، كما ان شركة Zagros Airlines التي تعمل في الخطوط الداخلية الايرانية عقدت اتفاقا مبدئيا لشراء 20 طائرة من طراز Airbus A320neo وثماني طائرات من طراز A330neo.

هذا وقد دعت الدول الأوروبية الإدارة الاميركية لعدم اتخاذ تدابير تضر بمصالح الدول الحليفة مع اميركا والتي تقتضي مصالحها بالتعامل تجاريا واقتصاديا مع ايران.

ومع كل ذلك فإن ادارة ترامب، وبالكثير من التهريج الممزوج بالصلف والعنجهية واطلاق التهديدات يمينا ويسارا، عمدت الى اعلان خروجها من الاتفاق النووي الدولي مع ايران، والتصميم على اعادة فرض العقوبات السابقة ضد ايران واضافة عقوبات جديدة ضدها وضد كل الاطراف والشركات التي تتعامل معها.

وبالمقابل هددت الجمهورية الاسلامية الإيرانية بالانسحاب من الاتفاق فيما اذا انسحبت منه الولايات المتحدة الاميركية. ولكنها أرجأت الانسحاب الى اجل غير مسمى، بناء لالحاح الدول الغربية الاخرى الموقعة على الاتفاق (المانيا وبريطانيا وفرنسا) فيما اعلنت روسيا والصين وقوفهما الى جانب ايران وشجبتا الانسحاب الاميركي.

والسؤال الكبير الآن هو: وماذا بعد؟

هناك الكثير من الاحتمالات حول عواقب السياسة العدوانية الامبريالية الاميركية ـ الصهيونية ـ السعودية ضد ايران. ونتوقف عند اهم هذه الاحتمالات:

اولا وقبل كل شيء ـ من المؤكد انه لا يوجد قوة في العالم يمكن ان تجعل الجمهورية الاسلامية الثورية الايرانية تخضع للاملاءات الاميركية. وحتى لو هاجمت القوات الاميركية ايران، تحت اية ذريعة كانت، كما فعلت في العراق سنة 2003، فإن الشعب الايراني سيطبق الشعار الثوري الايراني المشهور "الموت لاميركا" وستكون إيران مقبرة لاميركا بالمعنى الحرفي للكلمة.

ثانيا ـ اذا اضطرت ايران للخروج من الاتفاق النووي، فإنها لن تعود ملزمة بفتح ابوابها للتفتيش ومراقبة برنامجها النووي. ولكنها ستبقى ملتزمة بالتحريم الشرعي (الديني) لامتلاك القنبلة النووية. ولكن هناك القول المأثور (دينيا ايضا) بأن "الضرورات تبيح المحظورات". فإذا وجدت ايران نفسها مع حلفائها في محور المقاومة مهددين بالسلاح النووي، فلا أحد يدري كيف ستتطور الامور. وقد نكون على عتبة ايجاد كوريا شمالية ثانية من حيث امتلاك الصواريخ الباليستية المجهزة بالقنابل النووية لضرب اميركا ذاتها. وحينذاك سيضطر ترامب (وامثاله) لبلع لسانه والسير على ركبتيه لمقابلة ومفاوضة القيادة الايرانية، كما جرى له مع القيادة الكورية الشمالية.

ثالثا ـ ان محور المقاومة الذي تمثل الثورة الايرانية ركنه الاساس سيزيد من تماسكه وتعزيز وحدته وصلابة مواقفه في مواجهة جميع الاعداء الدوليين والاقليميين والمحليين. وان اسرائيل التي هللت لانسحاب اميركا من الاتفاق النووي، والتي ترغي وتزبد وتهدد وتتوعد، لم تعد تخيف حتى اطفال فلسطين. وهذه الـ"اسرائيل" قد دنا اجلها وبدأ العد العكسي لوجودها كآلة عسكرية وكدولة. وسيكون عقابها والحساب معها عسيرا جدا. ومن يبقى حيا ولا يستطيع الهجرة من اليهود العاديين المضللين، لن تكتب له فرصة العيش على الارض العربية الا بعد طلب الغفران والامان من اطفال اللاجئين (حاليا) الفلسطينيين العائدين الى ديارهم.

رابعا ـ ان الانسحاب المعيب لاميركا من الاتفاق الدولي النووي مع ايران سيمرغ في الرغام سمعتها وكرامتها كدولة عظمى، وسيزعزع زعامتها الدولية للكتلة الغربية ذاتها.

خامسا ـ ان سياسة العداء والعقوبات ضد ايران سيدفعها اكثر فأكثر نحو التفتيش عن الاصدقاء الحقيقيين في الاطار الدولي لاقامة العلاقات معهم، والى التقارب اكثر فأكثر مع روسيا الاتحادية والصين الشعبية والتعاون على كل المستويات السياسية والثقافية والاقتصادية والتكنولوجية ـ العسكرية وحتى النووية، السلمية خصوصا. وربما في وقت قريب تتحول منظمة "بريكس" الى "بريكسي" بانضمام ايران اليها.

العهد